رغم تواصل الاحتجاجات التي تدعو إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد منذ ثمانية أشهر، يبدو النظام السوريّ واثقًا من صموده في وجه الأزمة التي عصفت به وجعلته يترنّح. ويبدو أنّ الأسد يعوّل كثيرًا على دعم خارجي من إيران وروسيا والصين، إضافة إلى أن العاصمة دمشق لم تتحرك ضده بعد.


الإحتجاجات التي تعمّ سوريا منذ 8 أشهر لم تبلغ العاصمة دمشق بعدُ

دمشق: يبدو أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد واثقة من أنّها قد نجت من أسوأ اضطرابات تجتاح سوريا، وقريبًا سوف تكون قادرة على التغلب على أي تحديات لبقائها.

وتناولت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; الأميركية الوضع في سوريا، في ظل استمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد رغم القمع العنيف، مشيرة إلى أن حكومة الأسد واثقة من أنها ستنجو من هذه الأزمة، على الرغم من أن لا شيء يبرر هذه الثقة.

لكن تلك الثقة محط تساؤل. ففي الوقت الذي تتفاخر الحكومة ببقائها على مدى انتفاضة عمرها ثمانية أشهر، بدأ الاقتصاد بالانهيار، فيما تستمر الاحتجاجات في أجزاء عديدة من البلاد، في الوقت الذي بدأت مظاهر العصيان المسلح بالظهور علناً.

في شوارع دمشق، العاصمة التي يعتمد عليها الأسد في تأمين الدعم الكبير له ولنظامه، يبدو أن الثورة لم تكتسب القوة بعد. فرياح التغيير لم تصل إليها حتى اليوم، كما إن المظهر الخارجي للحياة يبدو وكأنه طبيعي، فالشوارع مزدحمة والمقاهي مكتظة، على الرغم من أن هذه الصورة هي مجرد قناع يخفي تحته حالة من عدم الثقة والخوف من الاتجاه الذي تسير به البلد.

خلال زيارة نادرة من قبل صحافي غربي لسوريا، تحت إشراف حكومي وثيق، أصبح من الواضح أن الأسد وحلفاءه لا يشعرون بأي خطر وشيك الوقوع، كما يشعرون أيضاً بعدم وجود ضغوط لتقديم تنازلات إلى أولئك الذين ينزلون إلى الشوارع لمدة شهور للدعوة إلى تغيير جذري.

بدلاً من تقديم تنازلات، تروّج حكومة الأسد لمجموعة من التغييرات المحدودة التي تبقي على السلطة القائمة في الدولة، مع التركيز على سحق ما تبقى من حركة الاحتجاج بالقوة.

أكثرية صامتة..ام خائفة؟

لم تنجح الاحتجاجات، بعد مرور ما يقرب ثمانية أشهر، في إضعاف قبضة عائلة الأسد على السلطة في سوريا، كما إن حالات الإنشقاق عن الجيش أو الحكومة صغيرة، ولم تصل إلى الحجم الذي قد يشكل تهديداً على استقرار النظام.

وعلى الرغم من دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تنحّي الأسد، يبدو أن الفيتو في الأمم المتحدة من جانب الصين وروسيا يمنع تشكيل أي نوع من جبهة موحدة ضد سوريا، أسوة بالرأي الموحد، الذي ساعد على إسقاط العقيد الليبي معمّر القذافي.

وتعتقد الحكومة السورية أن الغرب لن يجرؤ على التدخل عسكرياً، كما حصل في ليبيا، على الرغم من المناشدات اليائسة من قبل المحتجّين السوريين، وذلك لأن سوريا تقع في منطقة تسودها الصراعات الإقليمية، والنزاعات العرقية والطائفية بين السنّة والشيعة والأكراد والعرب والإسرائيليين.

ونقلت الصحيفة عن بسام أبو عبد الله، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة دمشق، وعضو في حزب البعث الحاكم، قوله: quot;سوريا لديها جيش قوي، وسوريا ليست وحدها. أي محاولة لمهاجمة سوريا تعني نشوب حرب إقليمية، لأننا سوف نهاجم إسرائيل، وسوف يشارك حزب الله، وكذلك إيران، في هذه الحرب، وهذا لن يكون في مصلحة أوروبا وأميركاquot;.

ويقول دبلوماسيون غربيون إن فشل المعارضة السورية في إنشاء جبهة موحدة ووضع رؤية واضحة لمستقبل سوريا ما بعد الأسد، هو ما يجعل غالبية السوريين في صمت، فهم لم ينضموا إلى الاحتجاجات المعادية للنظام ولا للمسيرات المؤيدة له.

وقال ديبلوماسي رفض الكشف عن هويته إن quot;نظام الأسد لديه خطة، وهذا يمكن أن يكون جيداً بما فيه الكفاية بالنسبة إلى الكثير من الناس، الذين لا يريدون سوى الاستقرارquot;، وأضاف إن quot;ما يتعين على المعارضة القيام به هو إقناعهم بأن الوضع الراهن في ظل النظام هو أسوأ من الفترة الانتقاليةquot;.

حتى الآن هناك العديد من الذين يشككون في ما إذا كانت خطة الحكومة ستكون كافية لتحقيق الاستقرار في البلاد، حتى لو كانت قوات الأمن تنجح في سحق الثورة.

كراهية شديدة وقتل مستمر

قتل نحو أربعين شخصاً يوم الجمعة في احتجاجات تدعو إلى فرض منطقة حظر الطيران في سوريا، وأكثر من نصف هؤلاء القتلى لقوا حتفهم في مدينة حمص المضطربة، وفقًا للجان التنسيق المحلية، وهي المجموعة التي تنظم وتراقب الاحتجاجات.

ونتيجة لإراقة الدماء المستمرة، تشهد سوريا استقطاباً حاداً على المستويات الطبقية والطائفية والسياسية.

وقال صحافيمن دمشق إن الحكومة تفوز حتى الآن، إنما ليس بشكل كبير، فالاحتجاجات لا تزال مستمرة، وهناك حال من الكراهية الشديدة في البلاد. وأضاف: quot;على الرغم من أن الغالبية لم تقرر بعد أي طرف ستدعم، إلا أننا لا نسمّيها الغالبية الصامتة، بل الغالبية الخائفة. إنهم خائفون من كل شيء، يخافون من الآن، ويخافون من المستقبل، الذي لا يعرفون ما سيحمل معهquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإحتجاجات تندلع على أساس منتظم، حتى في دمشق. ففي زيارة إلى حي الميدان، حيث غالبية السكان من الطبقة العاملة والمحافظة، تبدد الهدوء عند سماع صوت الأبواب الحديدية للمتاجر التي عمد أصحابها إلى إقفالها حداداً واحتراماً لمرور موكب من المشيعين، الذين يحملون quot;شهيداً لقضية المعارضةquot; إلى مكان دفنه.

صرخ واحد من المشيعين quot;الله أكبرquot;، فانضمت إليه أصوات مئات عدة من الرجال وهم يسيرون في الشوارع الضيقة نحو المقبرة، وبدأت أصواتهم تعلو شيئاً فشيئاً لتتحول إلى صرخة احتجاج تردد عبارة: الشعب يريد إعدام الرئيس.

ختمت الصحيفة بالقول: quot;تبدو مشاعر الغضب والطاقة والعزم قوية بشكل واضح، مما يدل على أن هؤلاء الشبان، الذين ينزلون إلى الشوارع على نحو منتظم منذ شهر آذار/مارس، لن يتعبوا من الاحتجاج وبذل الجهود حتى الإطاحة بالنظامquot;.