يرى متابعون أن لتونس من المؤهلات ما يمكّن القوى الغربية من الاعتماد عليها للعب دور الوساطة في الأزمة الليبية، وهو ما يسعى، وإن كان ذلك بطرق غير معلنة، أن يقوم به بلد quot;الثورة البوعزيزيةquot; من خلال انفتاحه على الجناحين في النزاع الليبي: رجال القدافي من جهة وممثلي الثوار من جهة ثانية.


رئيس الوزراء التونسي المؤقت الباجي قائد السبسي مستقبلا في تونس مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الإنتقاليّ الليبي

باريس: يمكن لتونس، برأي الكاتب والمحلل السياسي فيصل جلول، أن quot;تلعب دورا هاما في الوساطة الليبية - الليبيةquot;،لا سيما بعد انفتاح الحكم المؤقت في بلد الثورة البوعزيزية على المجلس الوطني الانتقالي.

ويستدرك جلول في تصريحات لـ(إيلاف) قائلا: quot;لكن ليست كوسيط حصري في النزاع، خصوصا أن الحلف الأطلسي طرف فيه وبالتالي من الصعب أن يرضى الحلف بوساطة تونسية حصرية، في حين من السهل التوقع أن تكون تونس مقرا أو شريكا ممهدا للمفاوضات ولاعبا فيهاquot;.

ويسجل مراقبون انفتاحا لتونس على المجلس الانتقالي، وإن كان لم يرق بعد إلى مستوى الاعتراف الرسمي، إلا أن تصريحا لرئيس الحكومة التونسية المؤقتة باجي قائد السبسي أخيرا، عبر فيه عن quot;استعداد تونس للاعتراف بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبيquot;، يحمل اعترافا ضمنيا به.

وزيارة رئيس المجلس الانتقالي لتونس بدعوة من الرئيس المؤقت لهذا البلد، فسرها مصطفى عبد الجليل على أنها، quot;اعتراف في حد ذاتهquot;، مشيرا إلى أن الطرفين quot;يتدارسان أمورا أكبر بكثير من الاعترافquot;، كما أشاد بما تقدمه تونس للشعب الليبي من دعم و مساعدة.

حل الأزمة رهين برحيل القذافي عن السلطة

دخول تونس على الخط في الأزمة الليبية ظهر بعد زيارات لشخصيات محسوبة على نظام القذافي لها، و التي سبق لها أن تلقت رسالة من دبلوماسيين أمريكيين على أرض هذا البلد مفادها أنه، quot;لا حوار إلا برحيل القذافيquot;، كما تؤكد ذلك جميع القوى الغربية وعلى رأسها باريس.

ويعتقد مراقبون أن محاولات الوصول إلى حل سياسي أصبحت عمليا أمرا مطروحا، في ظل تعقد الأمور على الأرض، لا سيما بعد أن اتضح أن الثوار يلقون صعوبة في التقدم نحو طرابلس، وتستثمر الدول العظمى تونس معبرا لجميع الرسائل المباشرة الموجهة للقذافي ومن معه.

وأي إمكانية للتفاوض، برأي هؤلاء الملاحظين، تعد ملغاة في حالة إصرار العقيد على البقاء في كرسي السلطة في ليبيا بالنظر للاختيار الذي رسمته منذ مدة الدول العظمى، ولا يبدو أن الأخيرة مستعدة للتفريط في هذا الشرط حتى لو تطلب الأمر شهورا أخرى لوضع حد لبقاء القذافي في الحكم.

وكان آخر عرض قدمته باريس للقذافي من خلال رئيس دبلوماسيتها ألان جوبيه، هو أنها تسمح للقذافي بالبقاء في ليبيا لكن شريطة أن يتخلى نهائيا عن مهامه العسكرية والسياسية في بلد عمر المختار، ما اعتبر تقدما مهما في الموقف الفرنسي، وإن كان يجهل كيفية التعاطي مع العقيد في حالة حصول ذلك مادام أصبح مطلوبا لدى العدالة الدولية.

و من جانبه، يعتبر فيصل جلول أن الحل العسكري للأزمة الليبية لم يعد ممكنا باعتراف كل الأطراف وعلى رأسها الحلف الأطلسي، ما يعني أن الأمر يحتاج إلى حل سياسي وكل حل سياسي يجب أن يستند إلى ميزان القوى على الأرضquot;، على حدّ تعبيره.

ويقول المحلل السياسي جلول:quot;إن وحدة ليبيا تحتم اتفاق الطرفين على مشروع موحد لمستقبل هذا البلد. وإذا كان شرط الاتفاق هو ابتعاد القذافي عن السلطة فهو أصلا يزعم أنه لا يشارك في السلطة وأنه قائد مرشد للثورة، ما يعني أنه مرشح للابتعاد عن العمل السياسي لقاء أن يشارك نجله وآخرين في صياغة اتفاق للحكم يحفظ مصالح الطرفينquot;.

ويتابع جلول في نفس الاتجاه: quot;وإذا كان صحيحا أن القذافي لم يهزم، فالصحيح أيضا أنه لم ينتصر، وقد خسر الكثير من المدن والمواقع التي كنا نظنها عصية على الهزيمةquot;.

تونس تتوفر على مؤهلات الوساطة

يعتقد فيصل جلول أن تونس لها من العناصر ما يؤهلها للإسهام في هذه الوساطةquot;، من ضمنها quot;خبرة تونس المتراكمة في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وحرصها على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع طرفي النزاع، فهي لم تعترف بالمجلس الانتقالي الليبي حتى الآن رغم علاقاتها الجيدة مع أعضاء المجلس ورئيسه، وتستقبل مبعوثي القذافي وتتيح لهم اللقاء بمن يرغبونquot;.

وسجل جلول quot;أن روسيا أعربت مرارا عن ثقتها بالوساطة التونسية، معتبرة أنه،quot;بإمكان تونس أن تلعب دورا وسيطا على حد تعبير المبعوث الروسي إلى ليبيا ميخائيل ميرغولوف في أواسط يونيو ـ حزيران الماضيquot;.

ويمكن بذلك لتونس أن تقدم الكثير في تقريب وجهات نظر الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، خصوصا طرفي الصراع، انطلاقا من جدة الدولة التونسية والتي تبقى علاقتها مع جميع البلدان بنفس النقاء، سواء باستقبال القذافي وأسرته أو التعاون مع عواصم إفريقية أخرى لأجل ذلك واحتضان المشاورات والمفاوضات على أراضيها.

كما أن انفتاحها على الجناحين الليبيين زيادة على إسهامها الخاص في استقبال آلاف النازحين الليبيين، دون أن ننسى ثقة القوى الغربية فيها، كلها عوامل تجعل من تونس قادرة على قيادة حوار ليبي ليبي، قد يعطي بريق أمل لإنهاء الأزمة الليبية والانطلاق في مساعي بناء الدولة الديمقراطية.

و كان نواب أوروبيون وقفوا في زيارة لهم إلى الحدود التونسية الليبية عند المسئولية الجسيمة التي تتحملها تونس في استقبالها للنازحين هروبا من الحرب في ليبيا، حيث يتكدس الآلاف غير بعيد عن الحدود التونسية الليبية.

القوى الغربية لا تقبل بوساطات لدول صديقة للقذافي

لم يكن ممكنا أن تقبل القوى الكبرى وساطة من جهات مقربة من القذافي أو صديقة له، لأنها لا ترغب في حلول تصب في مصلحة العقيد، واستفادت من التجربة التونسية ونظيرتها المصرية أن الانحياز المثمر والذي يمكن أن يعطي نتائج حقيقية تخدم الديمقراطية هو الانحياز للشعوب.

و قد حاول الزعيم الفينيزويلي هوغو شافيز التدخل لتقديم خدمة غالية لصديقه القدافي، quot;بتشكيل لجنة دولية مكونة من البلدان الصديقةquot; لغاية الوصول إلى تسوية للأزمة، بعد أن تدارس هذا الأمر مع القدافي نفسه.

باريس رفضت على التو مبادرة من هذا النوع والتي كانت من توقيع زعيم معادي للغرب، وكان ضد التدخل العسكري في ليبيا، إذ قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية ألان جوبيه ردا على ذلك:quot;كل وساطة تسمح بخلافة القذافي لنفسه فهي غير مرحب بها بالطبعquot;.

في المقابل، لا يعتقد جلول quot;أن فرنسا ترفض أن تلعب تونس هذا الدور نظرا للعلاقات الجيدة تاريخيا بين البلدين، ولأن باريس أخفقت في الرهان على بقاء بن علي في الحكم، وبالتالي صار عليها أن تكسب ثقة الحكومة الجديدة وأن تشركها في الوساطة إن هي رغبت بذلكquot;.

وأضاف quot;علينا ألا ننسى أيضا أن تونس محطة أساسية تحتاج إليها لوجستيا القوات الفرنسية المشاركة في الأطلسي ولدبلوماسييها، ولا بد من أن نتذكر أيضا أن فرنسا لعبت دورا في دعوة الحكومتين المصرية والتونسية إلى قمة الثمانية التي عرضت على البلدين مساعدات وقروضا مالية قدرت بعشرين مليار دولارquot;.
ليخلص إلى quot;أن فرنسا لا يمكن أن تعترض على مشاركة تونس في المفوضات لحل الأزمة الليبية علما أن هذا البلد يستقبل خلف الأضواء مبعوثين من كل صوب يلتقون سرا أو علنا ليبيين موالين ومعارضينquot;.