كابول: يرى محللون ان الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في افغانستان كما اعاد تحديدها الرئيس نيكولا ساركوزي منذ توليه الحكم في 2007، افتقرت مرات عدة الى الانسجام وتفاوتت بين تصريحات طموحة وقرارات بالتراجع.
ومنذ وصوله الى القصر الرئاسي قرر quot;الرئيس الاكثر موالاة للاميركيين في الجمهورية الخامسةquot; كما وصفه ريشار لابيفيير، رئيس التحرير السابق لمجلة الدفاع، زيادة عديد القوات الفرنسية في افغانستان التي كانت انذاك الف رجل، اربعة اضعاف في مطلع العام 2011.
وفي غضون ذلك، انضمت فرنسا تحت رئاسة ساركوزي في 2009 الى القيادة المدمجة للحلف الاطلسي التي انسحبت منها قبل 43 سنة بقرار من الجنرال ديغول.
وحينها اوكلت الى القوات الفرنسية التي كان انتشارها يقتصر انذاك على كابول، مهمة الامن في ولايتي كابيسا وسوروبي شمال شرق العاصمة حيث حراك مقاتلي طالبان كثيف.
واوضح فرانسوا هايزبورغ مستشار المؤسسة من اجل الابحاث الاستراتيجية ان quot;ذلك لم يكن قرارا حكيما، تم ارسال مزيد من الرجال والعتاد ومضاعفة المخاطر من اجل نتائج لم تختلف كثيرا عن السابقquot;.
وفي الواقع ارتفعت الخسائر حيث خسر الجيش الفرنسي الذي كان غير مدرب كما ينبغي، في اب/اغسطس 2008، عشرة من عناصره في كمين في اوزبين بولاية سوروبي ليبلغ اجمالي عدد القتلى للسنة 11 شخصا. لكن العدد ارتفع الى 16 في 2010 والى 26 في 2011 وقد سقط حتى اليوم في افغانستان 82 فرنسيا.
وفي تموز/يوليو الماضي قتل سبعة جنود فرنسيين في غضون بعضة ايام، خمسة منهم في اعتداء انتحاري. واعلن ساركوزي حينها للرئيس الاميركي باراك اوباما ان quot;ارادة فرنسا لن تضعفquot;، ومع ذلك اصدر الامر الى القوات بتدريب الجنود الافغان بدلا من القتال الى جانبهم.
ونتج عن ذلك تراجع المهمات خارج القواعد، كما اقر به بعض الضباط بينما بدات فرنسا تعيد تدريجيا قواتها الى البلاد عملا بالجدول الذي اعلنه الحلف الاطلسي في 2010 والولايات المتحدة والذي ينص على انسحاب نهائي للقوات القتالية نهاية 2014.
لكن في 29 كانون الاول/ديسمبر وفي 20 كانون الثاني/يناير قتل ستة مدربين فرنسيون برصاص جنود كانوا يدربونهم فرد نيكولا ساركوزي بالقول ان ذلك quot;غير مقبولquot;.
واضاف quot;اذا لم تستتب الظروف الامنية بشكل واضح فسنطرح حينئذ مسالة انسحاب مبكر للجيش الفرنسيquot;.
وقال محلل فضل عدم ذكر اسمه ان quot;الرئيس الفرنسي الذي يعرف كيف يكون قائدا عسكريا حازما، عاد وزيرا للداخلية كما كان في السابقquot;. مشيرا الى ان التحدث عن quot;امن الجنودquot; في منطقة نزاع لا معنى له، وquot;في حالة الحرب الجنود ليسوا في امان ولا احد في امانquot;.
وتحدث ريشار لابيفيير عن رد quot;تحت تاثير الانفعال واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل بينما يعارض الراي العام في اغلبيته انتشار الجنود في المستنقع الافغانيquot;.
واعرب عن اسفه لان quot;كل ذلك ارتجال كبيرquot; وانتقد quot;سياسة متسرعة ينتهجها الرئيس وفريقه المحدودquot; وذلك quot;دون استشارة خبراء وزارة الخارجية ولا مختلف الاركانquot;.
ويشير بيار سرفانت الاستاذ في المعهد الحربي الى quot;نقص في الشرح والاسلوبquot; quot;تجاه الشعب الفرنسيquot;، وذلك رغم الدور المحرك لفرنسا في افغانستان.
واعتبر سرفانت انه quot;اذا تم اعلان انسحاب مبكر فسيكون خطاquot; لان معارضي الانتشار الغربي في افغانستان، سواء كانوا طالبان او غيرهم، سيكونوا توصلوا الى زعزعة القوة الثالثة في الحلف الاطلسي (3600 رجل من اصل 130 الفا بينهم مئة الف اميركي) بمجرد شن هجوم واحد.
ومثل هذه الاشارة ستكون لها عواقب وخيمة على مصداقية فرنسا في الخارج او ازاء دول الحلف الاطلسي التي ستجد نفسها اكثر ضعفا في مواجهة حرب الاستنزاف التي تشنها طالبان التي تكثف تمردها بشكل واضح خلال السنوات الاخيرة.
وحاول وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه الثلاثاء تهدئة النقاش داعيا الى quot;عدم الانسياق وراء الخوفquot; والخلط بين quot;الانسحاب المنظمquot; وquot;الانسحاب المتسرعquot;.
وخفف نيكولا ساركوزي نفسه من قوة تصريحاته خلال مشاركته الاربعاء مراسم تشييع اخر اربعة عسكريين قتلى داعيا الى quot;عدم ترك الالم يملي علينا سلوكناquot; مؤكدا ان quot;هذه الهمجية (...) يجب ان تزيد عزمنا على العمل من اجل السلام في افغانستانquot;.
هل الانسحاب ممكنا؟
هل بامكان فرنسا سياسيا وعمليا ان تغادر افغانستان بحلول نهاية 2012؟ هناك سيناريوهان مطروحان مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية: الاول من المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند الداعي الى الانسحاب والثاني للرئيس نيكولا ساركوزي الذي تراجع في النهاية عن انسحاب مبكر بعد ان تحدث عنه اثر مقتل اربعة جنود فرنسيين مؤخرا.
عمليا، لا تبدو عملية الانسحاب ممكنة. فالدور الثاني للانتخابات الرئاسية يتم في 6 ايار/مايو وبالتالي فلن يكون امام الجنود ال3600 المنتشرين بالاضافة الى مئات الاليات والمروحيات سوى سبعة اشهر لمغادرة البلاد.
ويقول مصدر امني في كابول ان ذلك quot;مستحيلquot; تماما.
لا سيما وان الحدود مغلقة بين باكستان - نقطة الوصول على البحر لنقل الجنود بكلفة اقل - وافغانستان بعد الخطا الذي ارتكبه حلف شمال الاطلسي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر عندما قصف مركزا حدوديا باكستانيا مما ادى الى مقتل 24 جنديا.
ويرى فرانسوا هايزبورغ ان المرور عبر جمهوريات القوقاز (فرنسا لديها قاعدة في دوشانبي في طاجيكستان) امر يجري بحثه لكن quot;المئة الف عسكري اميركي بتجهيزاتهم التي تفوق ملايين الاطنان سيستنفدون كل الوسائل اللوجستيةquot;.
واضاف quot;اذا اراد الفرنسيون استعادة عتادهم، عليهم التخطيط لانسحابهم اعتبارا من ربيع 2012quot;.
وقال وزير الخارجية الان جوبيه ان حوالى 1400 عسكري فرنسي سيعودون الى بلادهم بحلول نهاية العام.
- سياسيا، الوضع اكثر تعقيدا لان فرنسا نشرت قواتها في افغانستان منذ 2001 بهدف طرد حركة طالبان التي كانت تحكم البلاد منذ 1996 ومطاردة اسامة بن لادن بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر.
وبعد تحقيق الهدف الاول سريعا، برر الهدف الثاني استمرار الانتشار الدولي. لكن في السنوات الاخيرة، كثف مقاتلو طالبان حرب العصابات وقررت الولايات المتحدة الانسحاب بحلول نهاية 2014 وتلتها سائر دول التحالف.
وعليه بقيت ثلاث سنوات يجب خلالها مساعدة الحكومة الافغانية على بسط نفوذها لا سيما بتدريب جيشها والشرطة تفاديا لنشوب حرب اهلية بعد رحيل الحلف الاطلسي.
وقال ريشار لابيفيير انه quot;لا يمكن تفهم انسحاب متسرع سياسيا او ان يبرر شرعيا الا اذا ارفقه فرانسوا هولاند بالطعن في مشاركة فرنسا في قيادة الحلف الاطلسيquot;.
وتابع رئيس التحرير السابق لمجلة الدفاع quot;لكن اذا كان ذلك القرار نتيجة موقف متسرع، فلن يتفهمه احد وسيثير تساؤل شركائناquot;.