يؤكد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، أن تجربة الحكم الحالية فريدة، تبشر بنقلة نوعية في طبيعة السلطة العربية. كما يعترف بأن الحكومة تواجه تعقيدات كثيرة في أدائها لمهماتها اليومية.


تونس: يصف راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، حركة نداء تونس التي يقودها الوزير الأول الأسبق باجي قايد السبسي بأنها إعادة لتجمع بن علي، وينفي أي تحالف سري مع السلفيين. ويقول الغنوشي في حديث خاص لـquot;إيلافquot; إن قطر ساندت الثورات العربية، وإن النظام السوري المجرم مصيره الزوال.

تجربة فريدة

رفضت توسيع الائتلاف الحاكم وتشكيل حكومة وحدة وطنية سابقًا، ثم تراجعت. ألا يعتبر هذا التراجع إقرارًا من الترويكا الحاكمة التي تتزعمها النهضة باستحالة إقصاء المعارضة عن الحكم في تونس؟

تُحكم تونس اليوم عبر ائتلاف من أحزاب اسلامية وعلمانية، وهي تجربة فريدة في العالم العربي تبشر بنقلة نوعية في طبيعة السلطة من انفراد حزب بالحكم أو شخص دكتاتور إلى حكم الائتلاف والمؤسسات الشرعية. والحكومة التونسية واعية منذ البداية بضرورة التوافق وتوسيع الائتلاف ليشمل التيارات التي تعمل لصالح تحقيق أهداف الثورة.

هناك من يقول إن راشد الغنوشي يقف ضد تعديل وزاري عميق في الحكومة. هل هذا صحيح؟

تقوم الحكومة بأداء إيجابي في ظروف صعبة، وتواجه معوقات كثيرة. التقصير في أداء الحكومة يستدعي تغييرًا جزئيًا ربما يفتح الباب لتوسيع الائتلاف.

زمن الاعتدال

الشيخ راشد الغنوشي متهم بعجزه عن دفع حركته نحو الاعتدال، والمساهمة في الابتعاد بها عن نموذج حزب العدالة والتنمية التركي الذي بشرتم به سابقًا. هل ولى زمن الاعتدال فعلًا في تونس وفي الدول العربية؟

حركتنا مشهود لها بالاعتدال، وهي سابقة عن وجود حزب العدالة والتنمية التركي، ونصوصنا التأسيسية تشهد لنا بذلك في زمن كان صوت الاعتدال والقبول بالديمقراطية غريبًا في الساحة العربية والإسلامية.

ونحن اليوم نقدم للعالم العربي والاسلامي نموذجًا في الحكم الائتلافي بين أحزاب إسلامية وعلمانية، احتكمت إلى الصراع والتنافي. وما تذكره من اتهام لنا لا يجد له سندًا في الواقع.

كثر الحديث حول خلافات تشقّ صفوف حركة النهضة، وتململ في قواعد الحركة، وبرزت تقسيمات حول أجنحة متصارعة داخل صفوف التنظيم. ما سبب هذه الخلافات؟ وهل ستؤدي إلى انقسام مستقبلي؟

حركتنا متنوعة منذ نشأتها، وهو شأن كل حركة جماهيرية. وهذا التنوع كان دائمًا عنصر إثراء نفتخر به ونحرص عليه. وقواعدنا شأنها شأن جماهير الشعب تتطلع لانجازات كبيرة، بعدما تخلصت من الدكتاتورية بفضل الثورة.

لكن عمل الحكومة يخضع لتعقيدات الذي كان ثمرة عقود من حكم الاستبداد لا يمكن تجاوزها بسهولة في بضعة أشهر. بالتالي، تدفع قواعدنا الحكومة لمواجهة مخلفات الماضي والاسراع في تنفيذ المشاريع التنموية وتحقيق العدالة الانتقالية.

مع الحوار... إلا مع من عادته الثورة

كيف تقبلتم مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حول الحوار الوطني، وهل تقبلون بمشاركة حركة نداء تونس فيها؟

لقد رحبنا بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، فنحن دائمًا مع الحوار الوطني، متى كان في ظل الاحترام للشرعية مثلما يدعو الاتحاد. أما بخصوص نداء تونس، فنحن نعتبر هذا الكيان صياغة جديدة للتجمع الدستوري الذي قامت في وجهه الثورة. ومن باب الوفاء للثورة ومطالبها ودماء الشهداء نرفض الحوار مع هذا الكيان.

هل يقبل الشيخ راشد الغنوشي أن يتم ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية إذا اختارت مؤسسات الحركة ذلك؟

موضوع الانتخابات الرئاسية سابق لأوانه ولم يطرح هذا الموضوع في مؤسسات الحركة، وبالتالي من غير المفيد الخوض في الفرضيات. إلا أن ما أقوله في هذا السياق هو أننا سنعترف بنتائج الانتخابات مهما كانت، ونعتقد أن حكم النهضة في بداياته، وسيستمر لسنوات أخرى اعتمادًا على الشرعية الانتخابية التي تتواصل مع نجاحنا في قطع خطوات سريعة على طريق تحقيق أهداف الثورة. وفي الانتخابات القادمة سنثبت أن حركة النهضة لم تبلغ ذروتها الانتخابية خلال الانتخابات الأخيرة.

الاصلاح بطيء

يتهمونكم بازدواجية الخطاب في التعاطي مع رموز الحكم البائد، أي تهجم خطابي وإعلامي من جهة، وتعيينات وتطمينات من جانب آخر. فما ردكم؟

أولًا، لست راضيًا عن سير عملية التطهير والمحاسبة التي توعدت بها النهضة رموز النظام السابق، لكني أوكد أن لا تعيينات من بين هذه الرموز، ومستقبلها السياسي على طاولة النقاش في المجلس التأسيسي. فهناك دعوة قوية داخل المجلس لمنع هؤلاء من العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، لأن الثورة قامت ضدهم ومن غير المقبول الالتفاف على الثورة تحت مسميات مختلفة.

تزايدت انتهاكات الشرطة في الفترة الاخيرة. أليس السبب غياب إصلاح حقيقي لوزارة الداخلية التي تشرف عليها النهضة؟

هناك إصلاح ولكنه ليس سريعًا، و ستمتد عملية الإصلاح لسنوات ولا يمكن تحقيقها في بضعة أشهر، لأن دولة الفساد راكمت انحرافاتها لعقود.

انتهاكات أعوان الشرطة والخروقات في تناقص، غير أن الإعلام يضخمها لأسباب سياسية وايديولوجية بعيدة عن المهنية والموضوعية. ولم تأتِ النهضة بأعوان غير الموجودين في أجهزة الأمن منذ زمن بن علي. منهم من يعمل بمهنية قبل الثورة وبعدها، ومنهم من تفاعل إيجابًا مع الثورة، وانخرط في عملية الاصلاح، لكن بينهم من لا يزال يحتكم للممارسات السابقة وهؤلاء قلة.

ولماذا تم التراجع عن اصدار القائمة السوداء للاعلاميين؟

لم يتم التراجع عن اصدار القائمة السوداء للإعلاميين فهي موجودة والحكومة تقدر الوقت المناسب للإعلان عنها.

قطر الداعمة

ثمة سجالات تثور في تونس حول دعم قطري استثنائي لحركة النهضة، ونقل الصحافي البريطاني روبرت فيسك عن وزير الخارجية السوري أنكم تتلقون مبالغ ضخمة من قطر. ما الذي بينكم وبين الأمير حمد؟

الدعم القطري للثورات العربية دعم محمود وعلني، خصوصًا بالنسبة للثورة التونسية والمصرية، تمثل في المساندة الاعلامية عبر قناة الجزيرة.

في ما يتعلق بما نشره روبرت فيسك، فقد أعلنا في حينه أن هذا الكلام افتراء وكذب، وكنا نعتزم اللجوء إلى القضاء، غير أن الصحيفة اعتذرت لنا وتمت تسوية الأمر. أما بخصوص الأمير حمد بن خليفة آل ثاني فهو صديق، وليس بيننا إلا العمل المشترك لما فيه خير هذه الأمة ورفعة شعوبها.

إن كانت علاقتكم جيدة بقطر، لماذا أبعدت الدوحة صهر الرئيس المخلوع صخر الماطري من دون تسليمه كما يُطالب التونسيون؟

نحن نعتبر إبعاد صخر الماطري خطوة إيجابية تبشر بأن الخناق بدأ يضيق على المجرمين حتى لا يجدوا لهم ملجأ.

وعدت حركة النهضة بترميم الاقتصاد وجذب استثمارات ضخمة من الخليج العربي وخصوصًا من الحلفاء القطريين، من دون أن يتحقق أي منها بعد أكثر من ثمانية أشهر على حكم النهضة. فهل خذلكم الحلفاء؟

عندما وصلت النهضة الى السلطة، كانت نسبة النمو إثنين تحت الصفر، أي كنا في عجز. بعد ثمانية أشهر، أصبحت نسبة النمو ثلاثة في المئة، وهذا عمل يحسب للحكومة، غير أن الإعلام يتجاهله. أما الاستثمار الخليجي، فنحن نأمل أن تبدأ مسيرته قريبًا، خصوصًا أن خطوات كبيرة قطعت على طريق الاستقرار، بفضل الجهود الامنية الكبيرة لكل من وزارتي الداخلية والدفاع.

حلف مع السلفيين

تتّهم حركة النهضة بأنها تستعمل السلفيين ورقة رابحة كلما اشتدّ الضغط على الحكومة، وتتحالف معهم سرًا، خصوصًا أن اتهامات عديدة بالتراخي في التعامل مع السلفيين توجه لكم؟

العنف ظاهرة دولية لا ترتبط بدين أو جنس. وليس صحيحًا أن هناك تراخياً في التعامل الأمني ضد العنف، لكن البعض يريدونها حربًا مفتوحة مع التيار السلفي من دون تمييز بين من يمارس العنف ومن يمارس العمل الدعوي، بعيدًا عن كل أشكال الإكراه. وبالتالي، نحن حريصون على تطبيق القانون ضد كل مخالف، فكل من يمارس العنف مُدان مهما كان انتماؤه، كما منحت الثورة الحرية لكل التونسيين بمن فيهم السلفيون متى التزموا بالقانون. فقد ابتلينا في الماضي بسياسة الاستئصال والاعتقال بتهمة الانتماء، ولن نعود إلى ذلك.

لكن الرئيس المرزوقي لمح في حوار صحفي أن زمن التحاور مع السلفيين المتشددين انتهى، ويجب اللجوء الى الحل الأمني والتعامل وفق القانون؟

الدكتور المرزوقي مناضل حقوقي سابق يحترم القانون والحل الامني مطلوب في مواجهة جماعات العنف وهو ما يعنيه بالمتشددين في ما اعتقد.

هل تعتقدون أن تنظيم أنصار الشريعة هو شكل جديد لتنظيم القاعدة؟

تنظيم أنصار الشريعة تنظيم سلفي جهادي، ولكن لا علم لي بعلاقاته الخارجية فذلك شأن وزارة الداخلية.

علاقاتنا العربية جيدة

يقال إن علاقات الاسلاميين مع فرنسا والأوروبيين من ورائهم ليست على ما يرام، فهل يأتي توجُّهُكم شرقًا نحو الخليج ردًا على جفاء تونسي ndash; أوروبي؟

على العكس تمامًا، فعلاقاتنا الاوروبية في تحسن مستمر، ونحن مرشحون لمنصب الشريك المتقدم للاتحاد الاوروبي. هناك دعم ألماني كبير لعملية الانتقال الديمقراطي في تونس، وتحول موقف فرنسا من داعم للنظام السابق تدريجًا باتجاه الاعتراف بإرادة الشعب التونسي. أما توجهنا الخليجي فكان ولا يزال ضمن سياستنا القائمة على فتح مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي، مع دعم العلاقات السابقة والقائمة مع دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها فرنسا.

هل ساءت هذه العلاقات أكثر مع الاحتجاجات الدامية على الفيلم المسيء للرسول؟

العلاقات الدولية تقودها استراتيجيات وسياسات كبرى، وإن كانت تتأثر ببعض الأحداث عندما يتعلق الأمر بحرق السفارات أو قتل السفير، كما حصل في ليبيا. فإنها عادة لا تتجه إلى السوء أو قطع العلاقات، إلا عندما يتعلق الأمر بمواقف رسمية، في حين أن كل هذه الاعتداءات مرفوضة ومدانة، وأصحابها معرضون للمتابعة القانونية على هذه الإعمال الإجرامية.

نطام مجرم مصيره الزوال

في شباط (فبراير) الماضي، عُقد في تونس مؤتمر أصدقاء سوريا، وكانت تونس ناشطةً في حل الأزمة السورية. فلِمَ تراجع هذا الحماس؟ فهل غيرتم موقفكم من نظام الأسد؟

نزداد في كل يوم قناعة بأن نظام الأسد نظام مجرم، مصيره الزوال كبقية الأنظمة الدكتاتورية التي كنستها شعوب المنطقة. وموقف تونس كان متقدمًا بطرد السفير السوري واستقبال المؤتمر الثاني لأصدقاء سوريا، ما زاد في عزلة هذا النظام دوليًا، وبلادنا تشارك حاليًا بفاعلية في كل الاجتماعات واللقاءات الاقليمية والدولية المتعلقة بالأزمة السورية.

هل تقاسمون الغرب مخاوفهم من امكانية استفراد القاعدة بسوريا إن تهاوى نظام الاسد من دون أن تلملم المعارضة السورية نفسها وتقدّم بديلًا يرضي الغرب ويقي البلاد من الارهاب والحرب الاهلية؟

خطر الحرب الاهلية يتهدد سوريا في حال استمرار هذا النظام، لأنه من أجل البقاء في السلطة يمكن أن يدمر البلد. ما يجري الآن في سوريا من قتل عشوائي وتدمير يؤكد ذلك، وتشتت المعارضة يمثل نقطة ضعف رئيسية في مواجهة النظام. أما الحديث عن القاعدة والارهاب فما هو إلا فزاعة النظام للبقاء في السلطة.