حظيّ كمال الجندوبي، الرئيس السابق لهيئة الانتخابات التونسية التي اشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي، بإشادة جميع السياسيين، وإلى وقت قريب كان الجندوبي مرشّحًا بالتزكية من قبل كثيرين، لكنه بات اليوم محلّ خلاف واشكال.


تونس: مع انطلاق النظر في القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، طفت على السطح مسألة رئاسة هذه الهيئة وعاد الجدل من جديد حول شخص الرئيس السابق لهيئة انتخابات 23 أكتوبر 2011 كمال الجندوبي.

قررت الهيئة التنسيقية العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم ( حزب التكتل، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، حزب حركة النهضة ) يوم 13 تشرين الأول / أكتوبر الماضي في بيان لها quot;اختيار هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات يتمتع اعضاؤها بالحياد و النزاهة والاستقلالية وقد تم التوافق بين الأحزاب الثلاثة على دعم مرشح لرئاستهاquot;.

وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة عامر العريض لوكالة تونس أفريقيا للأنباء يوم 14 تشرين الأول / أكتوبر الماضي quot; اتفاق أحزاب الترويكا حول ترشيح كمال الجندوبي لرئاسة الهيئة العليا المستقلة للإنتخاباتquot;.

بروز إخلالات

ورفع المحامي فتحي العيوني، الأربعاء 14 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، قضية ضد الهيئة العليا المستقلة السابقة للانتخابات برئاسة كمال الجندوبي، بتهمة quot;الاستيلاء على أموال عموميةquot;.

و استغرب كمال الجندوبي ما نشر عن التقرير الأولي الصادر عن دائرة المحاسبات لأنّ ذلك quot;يشوّش على النقاش العام الدائر حاليًا حول الإعداد للانتخابات المقبلةquot;، قائلاً:quot; إنّ ﻣﯾﻠﯾﺷﯾﺎت وﻣرﺗزﻗﺔ اﻟﻔﺎﯾﺳﺑوك تقف وراء اﻟﺣﻣﻠﺔ اﻷﺧﯾرة ﺿد ﺷﺧﺻﻲquot;.

أسباب التراجع

تفيد مصادر من داخل الترويكا الحاكمة أنّ تنسيقية أحزاب الائتلاف الحكومي تفكر جدياً في التراجع عن تصريحاتها السابقة حول ترشيح الرئيس السابق كمال الجندوبي للهيئة العليا الجديدة للانتخابات واقتراح شخصية مستقلة أخرى.

وكان كمال الجندوبي دافع عن رجل الأعمال كمال الطيف المتّهم حاليًا quot;بالتآمر على أمن الدولةquot; والممنوع من السفر خارج تونس، قائلاً في تصريح لإحدى الإذاعات الخاصة، وضاربًا به المثل في الكشف عن الفساد في عهد الرئيس المخلوع بن علي :quot; الذين كشفوا الفساد في عهد بن علي هم أشخاص مثل كمال اللطيفquot;.

واستنكر تسريب الوثائق التي تثبت اتصاله به هاتفيًا عديد المرات معتبراً أنّ quot; الهدف هو استهدافه شخصياً ومن ورائه هيئة الانتخابات التي نجحت في تحقيق أول انتخابات ديمقراطية في تونسquot;.

لا للشخصنة

أشار منجي الهمامي عضو المكتب السياسي لحزب النضال التقدمي في تصريح لـquot;إيلافquot; إلى أنّ القوانين المنظمة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات مازالت لم تناقش بعد، والتي من خلالها ستشكل هذه الهيئة، وبعد ذلك لا بد من تحديد المقاييس ثم الأطراف الذين ستعينهم، وبعد ذلك يمكن أن نناقش الأسماء المطروحة دون التركيز على شخص كمال الجندوبي أو غيره و إلى حدّ الآن تبدو الأمور غير واضحة، على حدّ تعبيره.

وأضاف الهمامي أنّ هناك اختلافات فعلاً حول شخص كمال الجندوبي رئيس الهيئة السابقة، ولكن quot;نحن لم نتوجه إلى الشخصنة، وقد يكون الجندوبي موفقًا في الانتخابات الأولى، وهذا غير مهمّ، ولكن لدينا الآن عديد التحفظات على القوانين التي يعرضونها لبعث هذه الهيئة، والتي لا يمكن أن تضمن انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية كما نريدquot;.
وأكد الهمامي أنّ مواصفات رئيس هيئة الانتخابات يتفق حولها الأغلبية تقريبًا، ولكن بطرق مختلفة، ومن بينها الحياد أساسًا والقدرة على التسيير، مشددًا على أنّ التعيينات فيها محاصصة حزبية، وبالتالي تفضي إلى عديد التجاوزات، فالهيئة السابقة برئاسة كمال الجندوبي وإن حققت بعض النجاح مقارنة مع ما كان، فلم تكن بتلك الشفافية في ظل وجود بعض الإخلالات على غرار مراقبة المال السياسي مثلاً وعديد الخروقات الأخرى، وحتى في ظل وجود رئيس يتفق حوله الجميع وأمام الهيئات الجهوية، فمن الصعب أن نحقق ما نصبو إليه.

وأضاف الهمامي أنّ رئيس الهيئة إذا تم الاقتصار على تعيينه من طرف الرؤساء الثلاثة إلى جانب المجلس الوطني التأسيسي، يصبح ضرورة غير مستقل، وبالتالي لا بد من استشارة مكونات المجتمع المدني والجمعيات المستقلة والمناضلة والديمقراطية ليكون لها صوت قبل هؤلاء الرؤساء الذين يريدون المحافظة على مواقعهم.

والتقى رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي برئيس الهيئة العليا السابقة للانتخابات كمال الجندوبي، في الرابع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، وتحادثا في عديد المواضيع التي تتعلق بالهيئة وبالشأن الانتخابي وكيفية الاستفادة من تجربة الهيئة السابقة والوقوف على إيجابيات التجربة من أجل تدارك وتجاوز ما شابها من إخلالات ونقائص.

الفصل لدى المجلس التأسيسي

أوضح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة نجيب الغربي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنه تم أخيرًا الاتفاق داخل الهيئة التنسيقية العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم على تقديم مرشح بالتوافق بين الرئاسات الثلاث، وبعد ذلك يتم الاتفاق عليه في المجلس الوطني التأسيسي.

وأضاف أنه سيتم الانتخاب المباشر من طرف النواب مؤكداً عدم تزكية لأي مرشح، ورغم ذلك وفي مرحلة ثانية يمكن أن يتم الاعتماد على ملف التزكية إلى جانب عملية الانتخاب من طرف النواب.

وشدّد الناطق الرسمي لحركة النهضة على أنّ quot;الحركة تثمن المجهودات التي قامت بها الهيئة العليا للانتخابات برئاسة كمال الجندوبي، ولكن الكلمة الفصل في اتخاذ القرار النهائي بخصوص الرئيس القادم لهيئة الانتخابات تعود إلى المجلس الوطني التأسيسيquot;.

وقد تداولت الساحة السياسية عديد الأسماء لخلافة كمال الجندوبي على رأس الهيئة العليا للانتخابات من بينهم أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، والقاضي مختار اليحياوي.