لطالما وجه الجميع سهامه إلى حزب الله لتورّطه في الاقتتال السوري إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، لكن بعد افتضاح دور عقاب صقر في تسليح السوريين، ومقتلة تل كلخ التي فضحت المشاركة السنية الطرابلسية في القتال، صار الجميع سواسية أمام تهمة التورط.


على الرغم من كل المساعي التي يقوم بها الوسطيون في لبنان، من رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، مرورًا برئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، لتجنيب لبنان تداعيات الاقتتال السوري، وعلى الرغم من دعواتهم المتكررة لعدم التدخل اللبناني في الميدان العسكري السوري، يبقى هذا التدخل واجبًا جهاديًا على كل الأطراف ndash; غير الوسطية طبعًا ndash; ينبغي الافتخار به.

انكشاف المستور

تقول صحيفة الجمهورية اليوم إنه عندما عادت جثامين المقاتلين من حزب الله إلى لبنان لتشييعهم في قراهم، بقي الحزب لأيام عدة حذرًا في الكلام. هو لا يريد تأكيد مشاركته في أعمال عسكرية داخل الأراضي السورية، لكن استمرار سقوط المقاتلين لمدة طويلة، واستمرار استقبال الجثامين في القرى، بين الأهل والأقارب، لا يمكن أن يبقى طويلًا طيّ الكتمان. ولذلك، خرج الحزب بالتسوية: هؤلاء المجاهدون سقطوا في الدفاع عن لبنانيين شاءت مقتضيات الجغرافيا المحاذية للحدود أن يكونوا حيث هم.

وتضيف: quot;في المقلب الآخر، لم يكن هناك أيّ كلام على مشاركة سنّية في القتال إلى جانب المعارضة. وعلى الأقلّ، لم تكن حتى التنظيمات الإسلامية السنّية تبوح بدور لها في المعارك الأهلية السورية. وفي اليوم الذي أثير فيه الجدل حول طبيعة الدعم الذي يقدّمه النائب عقاب صقر إلى الجيش السوري الحرّ، أو إلى المعارضة السورية، فوجئ الجميع بالكشف عن سقوط مقاتلين إسلاميّين لبنانيين وخطف آخرين، وهؤلاء كانوا في طريقهم إلى الانخراط في القتال إلى جانب المعارضة، قرب تل كلخquot;.

وبحسب الصحيفة نفسها، سارع تيار المستقبل إلى نفي علاقته بالمقاتلين، لكن اللافت أن قادة التيار ونوابه بدوا متفهمين لمشاركة هؤلاء في القتال ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، وأطلقوا على القتلى صفة quot;شهداءquot;. وهكذا يصبح ممكنًا القول إن دخول مقاتلين إسلاميين سُنّة من لبنان إلى سوريا بات يحظى على الأقل بالتفهُّم من جانب المعتدلين السنّة، ومنهم المستقبل.

وتصبح المعادلة كالآتي: مجاهدون شيعة يحظون بتفهُّم من قادة الطائفة، يقابلهم مجاهدون سنّة يحظون بالتفهُّم من قادة الطائفة. ويتقاتلون في سوريا، بالنيابة عن القوى المعتدلة هنا وهناك... وبرضاها أو شبه رضاها، في حمص وجوار بعلبك - الهرمل كما في تل كلخ وجوار عكار وطرابلس.

وهكذا، مقابل فضيحة الواجب الجهادي لحزب الله في سوريا، فضيحتان سنيتان لواجب جهادي لا يقل أهمية وتأثيرًا.

كمين حزب الله

أولى الفضيحتين مقتلة تل كلخ، التي أكدت بما يقطع الشك باليقين، دخول سلفيين طرابلسيين لأداء الواجب الجهادي إلى جانب ثوار سوريا، وتعرضهم لكمين أكد التلفزيون السوري أن الجيش quot;الباسلquot; نصبه ليقتل المتسللين الإرهابيين عن بكرة أبيهم، عارضًا الجثث وإخراجي قيد وهوية لبنانية.

إلا أن جريدة السياسة الكويتية نقلت اليوم عن قيادي في قوى 14 آذار قوله إن ثلاثين عنصرًا من حزب الله، ببزات عسكرية سورية، كمنوا للعناصر الاسلامية الطرابلسية على طرفي الحدود اللبنانية والسورية في تل كلخ، بعدما استدرجوهم بواسطة عميل لهم زعم تولّي تسهيل عبور هذه العناصر للالتحاق بالجيش الحر، quot;ثم انقضوا عليهم - وعددهم 25 متطوعًا سنيًا من طرابلس - فيما كانوا يعبرون الحدود، فقتلوا أربعة منهم وأسروا ثلاثة آخرين، فيما تفرق ثمانية عشر آخرون بعدما التحق معظمهم بالجيش الحر واختبأ آخرون في منازل داخل البلدات التي تقاوم الجيش النظاميquot;.

فتح الاسلام ثانيةً

أكد القيادي نفسه للسياسة الكويتية، نقلًا عن مصادر أمنية مطلعة، أن حزب الله يخترق تيارات وأحزابًا اسلامية وسياسية سنية معتدلة في طرابلس والشمال، وخصوصًا تيار المستقبل، بعملاء نقلوا إليه الخميس الماضي موعد تحرك المتطوعين الطرابلسيين لعبور الحدود في تل كلخ، إذ أراد أخذ العدد الأكبر منهم رهائن لمبادلتهم باللبنانيين الشيعة التسعة المختطفين في منطقة أعزاز في ريف حلب منذ أشهر.

إلا أن مصادر إسلامية مطّلعة أفادت جريدة الأخبار أن الشبان هؤلاء quot;ذهبوا إلى سوريا تلبية لدعوة خ. م.، أحد قياديي تنظيم فتح الإسلام الذي أُفرج عنه منذ مدة غير بعيدة، وأنه ذهب إلى سوريا للقتال إلى جانب المعارضة، وأسّس ما يشبه إمارة إسلامية في منطقة تقع قرب مدينة حمصquot;.

وأضافت الأخبار أن مقربين من خ. م. عملوا على تنظيم مجموعات من أجل إرسالها إلى سوريا، استجابة لنداء الجهاد الذي دعاهم إليه، وأرسلوا أفرادًا محدودين لهذا الغرض في فترات سابقة، قبل أن يُرسِلوا هذا العدد الكبير من الشبّان دفعة واحدة. وزاد من ترجيح هذه المعلومات ما أكدته مصادر أمنية للأخبار حول اختفاء الأشخاص الذين كانوا يرتبون إرسال الشبّان من طرابلس إلى سوريا.

وتؤكد الأخبار أن أهالي الشبّان أصيبوا بالصدمة لأنهم لم يكونوا مطّلعين على ما يُخطط له أبناؤهم، ووقعوا في إرباك كبير، إذ بعدما قام بعضهم بنعي من أُعلن أنه قتل منهم، وألصقت صورهم على جدران مدينة طرابلس، عمدوا إلى إزالتها بعدما تلقّوا رسائل قصيرة من هواتف سورية تفيد بأنهم بخير. لكن هذا الأمل تبخر أمس، بعدما بثّ التلفزيون السوري صور قتلى تل كلخ مع أسمائهم.

صقر يعترف

أما الفضيحة السنية الثانية فكانت اعتراف النائب اللبناني عقاب صقر بصحة ما أوردته جريدة الأخبار، وبثته قناة أو تي في العونية، من تسجيلات صوتية تثبت تورطه في تسليح الثوار السوريين. وهذا الاعتراف أتى بعدما أثارت التسجيلات جملة من التساؤلات حول حقيقة الدور الذي يلعبه صقر، بتكليف من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خصوصًا أن الحريري نفسه كان اعترف في وقت سابق بتكليف النائب صقر بتقديم المعونة للشعب السوري الثائر.

تعالت الأصوات من كل حدب وصوب مطالبة بنزع الحصانة النيابية عن صقر ومحاكمته، كما أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن استعداده لمناقشة قضية رفع الحصانة عن صقر إن قدّم إليه ملف كامل عن الموضوع.

صقر، وفي تصريح لصحيفة الشرق الأوسط، أكد أن التسجيلات غير مفبركة. قال: quot;هذا صوتي، وهذه كلماتي، أنا لم أعتد أن أنكر أو أتنكر لصوتي أو لكلامي، ولست خجلًا مما فعلته وأفعلهquot;.

أضاف: quot;كما كنت دومًا تحت القانون، أقبل بالخضوع الكامل لأحكام القانون، وإذا كان البعض يريد نزع الحصانة النيابية عني، فأنا لا أختبئ وراء حصانتي، ولكني أسأل: هل يجرؤ المتهمون الآخرون بالتورط في سوريا أن ينزعوا حصانة أحدهم؟quot;.

تمهيد للاغتيال

قال صقر للشرق الأوسط: quot;قريبًا سأتحدث بصراحة، وبعدها ليتحمل كل طرف مسؤوليته، لأني أعرف أن ما يجري هو استغلال رخيص لحدث ما، هدفه الاغتيال السياسي، الذي يمهد للاغتيال الجسديquot;.

وأضاف: quot;سأفعل هذا انطلاقًا من حرصي على لبنان أولًا، ومن قناعتي بنبل وقدسية هذه الثورة السورية، وهذا الشعب السوري العظيم الذي لم يظلم شعبًا وتكالب عليه هكذا عدد من الدول دفعة واحدة، اللهم إلا إذا استثنينا الشعب الفلسطيني، على مدى التاريخquot;.

وعن الدور الذي لعبه الحريري في هذا المجال، قال صقر: quot;الرئيس الحريري قالها صراحة في بيان واضح، وأنا أؤكد عليه اليوم، هو كلفني بالمساعدة الإنسانية والسياسية والإعلامية للشعب السوري، لا أكثر ولا أقل. وهذه الحملة التي تطلق علي الآن هدفها طمس هذا الدور وتشويهه وتحريفهquot;.