في لبنان اليوم انشغال بسوريا، بعد مضي 48 ساعة على أنباء مقتل نحو 20 مقاتلاً سلفياً من شمال لبنان كانوا في طريقهم للجهاد في سوريا، من دون تأكيد أو نفي. أما السياسة فعلى ركودها بعدما تعذر عقد جلسة حوار قاطعتها المعارضة مطالبة باستقالة الحكومة.
منذ الأمس، لبنان بأسره منشغلٌ في قضية مجموعة من مقاتلي طرابلس السنة السلفيين، الذين تواترت الأنباء عن مقتلهم أو بعضهم في تل كلخ السورية، أثناء تسللهم للجهاد في صفوف المعارضة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. والانشغال هذا عام في لبنان، بين السنة المصدومين من هول فاجعة خسران مجموعة من المجاهدين، وبين الشيعة الذين شكلت هذه الواقعة ترسًا لهم، يصدون به اتهامات المعارضة لهم بالتورط في واجب جهادي إلى جانب قاتل شعبه، وبين الواقعين quot;بين شاقوفينquot; الذين يصرون على عدم التورط ميدانيًا في سوريا.
حتى الساعة، وعلى الرغم من تحدث وسائل الاعلام السورية عن كمين تل كلخ وكأنه انتصار في زمن عزت فيها انتصارات النظام في سوريا، لم ترد معلومات أكيدة عن عدد القتلى الطرابلسيين. إلى ذلك، بث على موقع يوتيوب شريط مصور، عنوانه quot;شهداء أسود السنة من طرابلس في سوريا بصوت أحدهمquot;، وفيه تسجيل صوتي للقتلى.
واجبان قومي وإنساني
صحيفة المستقبل صدّرت إصدارها اليوم بما سمته نوبات صراخ وندب وعويل تهزّ أبواق الممانعة هذه الأيّام، هو وابل من الاتهامات لـقوى 14 آذار بالتدخّل العسكريّ المباشر في سوريا. تقول المستقبل: quot;بعد سنوات طويلة تنقّلت فيها قوى الممانعة بين الاستخدام الموضعيّ للسلاح وبين التهديد المتواصل بمعاودة استخدامه ضدّ القوى الاستقلالية اللبنانية التي يجري إظهارها على أنها مغلوبة على أمرها، ها أنّ لسان حال الممانعة يتّهم قوى 14 آذار بأنّها تعوم على بحر من السلاح والمسلّحين، وأنّها في صدّد إحراز أكبر تغيير استراتيجيّ على صعيد الشرق الأوسط: إطاحة النظام الأسديّ من طريق تدخّلها العسكريّ المباشر!quot;
وتتابع المستقبل مؤكدة أن ليس للقوى الاستقلالية اللبنانية ما تخفيه في هذا المجال، بل quot;تؤكّد منذ انطلاقة الثورة السورية، وما واجهها من قمع دمويّ منهجيّ همجيّ متمادٍ، بتواطؤ أكثر من منظومة استبدادية إقليمية وغير إقليمية، على أنّ مساعدة الشعب السوريّ واجب قوميّ، وواجب إنسانيّquot;.
وبحسب المستقبل، تدرّجت الممانعة من المطالبة بأن يطلق بشّار الأسد النار ضدّ الشعب السوريّ ولا يرحم إلى بعث المقاتلين إلى جانبه وضدّ أحرار الشعب السوريّ الثائر في حمص وغيرها. هذه الممانعة هي إذًا آخر من يحقّ لها إعطاء دروس في الشأن السوريّ، وبالطبع ليست المرة الأولى التي تبدو فيها الممانعة تحاضر في العفة، وترغي وتزبد. من يساند الطاغية في ارتكاب مجازر ضدّ الإنسانية، وفي تدمير المدن السوريّة، وتحطيم الدولة ومؤسساتها، من الأفضل له أن يصمت الآن، وهو يتابع تسارع الوقائع الملحمية للثورة السورية البطلة على طريق وأد النظام البعثيّ المجرم!
مبادرة فردية ونصرالله المسؤول
في السياق نفسه، نقلت المستقبل عن النائب خالد ضاهر، عضو كتلة المستقبل النيابية، قوله إن بعض الشباب المتحمسين تحركوا بشكل فردي لمساعدة الجيش السوري الحرّ، بالرغم من أنه لا يحتاج إلى مقاتلين بل إلى سلاح وعتاد، إضافة إلى أن حزب الله يشارك في العمليات في سوريا إلى جانب النظام.
وأعلن ضاهر للمستقبل أن quot;عدد قتلى الكمين السوري أربعة أشخاص فقط، وهناك معتقلان والباقون مفقودون أو فارونquot;، مؤكدًا أن هؤلاء الشبان quot;قتلوا في كمين لقوات النظام ولم يكونوا قد حملوا السلاح بعد، وأن بعض الناجين تواصلوا مع أهلهم في لبنان واطلعوهم على ما حصل، فيما لجأ البعض منهم إلى الجيش السوري الحرّquot;.
ونقلت المستقبل عن ضاهر مطالبته الشباب بعدم الزج بأنفسهم في الحوادث الجارية في سوريا، مع تقديره لغيرتهم واستشهادهم دفاعًا عن الحق، لكننا نرفض أن يتدخلوا على الأرض.
كما نقلت المواقع الاخبارية عن النائب معين المرعبي قوله لصحيفة السياسة الكويتية إن quot;هؤلاء الذين دخلوا سوريا مستاؤون نتيجة المجازر التي يقدم عليها النظام السوريquot;، لافتًا إلى أن هناك معلومات غير مؤكدة عن دخولهم من دون سلاح، وعدم تبنيهم من أي جهة حزبية، ما يعني أنها عملية فردية .
ورأى المرعبي أن خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله واعترافاته، ورؤية قتلى الحزب يعودون من سوريا، تسبب بردود فعل كالتي حصلت، quot;فحزب الله يدخل مقاتليه وآلياته ومعداته إلى سوريا لمشاركة المجرم، ما استدعى من البعض القيام بالواجب الإنساني والأخلاقي تجاه المقهور والمظلومquot;، محملًا المسؤولية كاملة لنصر الله.
تشابه مثير للاهتمام
من جانب آخر، أبرزت صحيفة النهار تشابهًا في ما جرى مع شبان الشمال وما سبق أن واجهه المخطوفون اللبنانيون في حلب، الذين انتهى امرهم بأن اصبحوا رهائن في اعزاز. ولفتت جهات على صلة بالموضوع للنهار quot;إلى أن الأمر تكرر مع شبان الشمال ليتبين لاحقًا أن لا صحة للمعلومات التي تحدثت عن مقتل 21 شابًا، وتساءلت عما اذا كانت هناك صلة بين حادث تل كلخ والمخطوفين في اعزازquot;.
وكشفت النهار أن عدد الضحايا أربعة، فيما وقع ثلاثة في الأسر، بينما وصل بقية الشبان إلى الجيش السوري الحر، وعمد ذوو الشبان إلى سحب اوراق نعيهم بعد تبلغهم معلومات تفيد بأنهم احياء. وتوفرت للنهار ليلًا معلومات تفيد بأن quot;الكمين الذي أوقع بالشبان نصب على الجانب اللبناني من الحدود في منطقة تل كلخ، وأن من دبره هو الشخص الذي كان يتولى تسهيل عبور الشبانquot;.
وعلمت النهار أن الجيش اللبناني يقوم باتصالات مع الجانب السوري من أجل كشف مصير الشبان وإعادتهم إلى لبنان ايًا كانت حالتهم.
الأسير يتظاهر.. وتخوف على اليونيفيل
على الجانب الجنوبي من الأمن اللبناني، يسير الشيخ أحمد الأسير وأنصاره في تظاهرة في صيدا، من ضمن مسيراته الاحتجاجية على سلاح حزب الله. وقد نقلت النهار عن مروان شربل، وزير الداخلية اللبناني، تأكيده أن كل الاجراءات الأمنية، المواكبة للتجمع الذي سينفذه الأسير وانصاره اليوم، قد اتخذت.
وأوضح شربل للنهار أن اتصالات أجريت على أعلى المستويات لتأمين الانضباط والتحرك ضمن القوانين والانظمة في صيدا، مشددًا على انه quot;لن يكون هناك قطع للطرق، والجيش سيكون بالمرصاد لأي محاولة للاخلال بالأمنquot;.
وأعلن مجلس الأمن الفرعي في صيدا أن خطة أمنية محكمة وضعت للحفاظ على سلامة المشاركين في التجمع والمسيرة ومنع حصول أي صدامات.
وفي سياق جنوبي متصل، نقلت أحد المواقع الاخبارية اللبنانية عن السياسة الكويتية ما أعربه لها مصدر فرنسي عن خشيته من أن يشجع استهداف قوات حفظ السلام الدولية في الجولان أول من امس على إصدار الرئيس السوري بشار الاسد تعليماته إلى حزب الله وفصائل فلسطينية متطرفة أخرى في لبنان بفتح جبهة مماثلة مع قوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان، لنشر الفوضى على الحدود بين لبنان واسرائيل، من أجل تحويل أنظار العالم عن المجازر المرتكبة ضد الشعب السوري.
مصافحة سريعة
سياسيًا، أوردت النهار أن الرئيس فؤاد السنيورة أبلغ أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال لقائهما في قصر بعبدا أن المعارضة تقدر جهود الرئيس سليمان في الدعوة إلى الحوار. وقال له، بحسب النهار: quot;شاركنا مرارًا في الحوار، لكن الطرف الآخر يريد الصورة وليس الالتزام، بدليل أنه لم يكن قد جفّ بعد حبر إعلان بعبدا حتى بادر أمين عام حزب الله إلى ارسال طائرة أيوب والمقاتلين إلى سورياquot;.
وأكد السنيورة أن لا مفر من مجيء حكومة حيادية انقاذية تزيل التوتر وتشرف على اجراء الانتخابات النيابية المقبلة. فكان رد سليمان على ما طرحه السنيورة بأن الدستور لا يخوّله تغيير الحكومات، والأمر منوط بالأكثرية النيابية.
وبحسب رواية النهار، حين همّ السنيورة بمغادرة مكتب سليمان، حضر رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، فجرت مصافحة بينه وبين السنيورة. وسأل ميقاتي سليمان عما إذا كان تلقى معطيات ايجابية تسهل انعقاد اجتماع هيئة الحوار، فرد السنيورة: quot;لم يتغيّر شيء. فموقف 14 آذار ما زال هو هو، وفي مضمونه ان لا عودة إلى الحوار قبل تغيير الحكومةquot;.
وفي عظة الأحد، دعا الكاردينال بشارة الراعي اليوم للتعاون مع كل ذوي الإرادات الحسنة لوضع قانون جديد للانتخابات، quot;ملائم لمبدأ حسن التمثيل في المجلس النيابي، وحرية المواطن في الإدلاء بصوته وتحريره من المال السياسي، ومبدأي المناصفة والعيش المشترك السليم والهادىء، بالتزامن مع تشكيل حكومة جديدة تتحمل المسؤولية أمام الأوضاع الداخلية والاقليمية الراهنة، وتعالج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتقود البلاد الى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوريquot;.
أين الدولة؟
وفي السياسة أيضًا، وفي ظهور إعلامي ثانٍ بعد مؤتمره الصحفي الجمعة الماضي، ظهر سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، خطيبًا في عشاء قطاع المحامين في القوات اللبنانية، ليؤكد أن المواجهة الحالية quot;هي وجودية بين مشروعين كبيرينquot;.
ودعا جعجع اللبنانيين إلى الالتمام حول قضية الحرية والحفاظ على لبنان من أي موقع كان، اذ لا يجب أن نستمر في فكر أصحاب النظرية الأخرى، quot;فبعد حكم عام ونصف تشاهدون ما وصل اليه لبنان سواء على المستوى السيادي، والسياسة الخارجية، وحركته الاقتصادية. ففي عزّ أيام الحرب، لم يقاطع السواح العرب لبنان بينما الآن يفضلون عدم زيارته، فضلًا عن فضائح هذه الحكومة التي لا تنتهي بدءًا من المازوت الأحمر، وليس انتهاءً بفضائح بواخر الكهرباءquot;.
واضاف: quot;اذا كنتم تريدون لبنان على هذا الشكل يمكنكم أن تكونوا مع الفريق الآخر، ولكن اذا كنتم تريدون لبنان آخر يجب أن تساهموا في القضية لنصل إلى لبنان الذي نريده، وهو لبنان الذي لا لبس فيه ولا إشراك ولا لغط بل شعب لبناني موجود في بلد ذات حدود مرسومة لأن بلد بدون حدود هو بلد دون سيادة واستقلالquot;.
واضاف جعجع: quot;ممنوع على أحد المسّ بالسيادة الوطنية لبلدنا، واذا أردنا أن نعيش أحرارًا وان يكون لدينا استقرار فعلي، علينا أن نتخذ قرارًا بقيام دولة في لبنان، واذا أردنا هذا الأمر لا يجب أن نسير بمعادلة (شعب، جيش ومقاومة)، فأين الدولة في هذه المعادلة؟ أين توجد مثل هذه التركيبات تحت عين الشمس في كل دول العالم؟.quot;
التعليقات