بدافع إنساني، عرضت النهار قصة إيهاب العزي وأصابعه المبتورة في الطريق الجديدة، ليتبين في ما بعد أن الأمر ليس سوى تلفيق هزيل، كشفه تحقيق الجيش اللبناني، فالأصابع بترت على طريق المطار ولا أفغان إلا في الرواية.


quot;دائمًا يدفع الابرياء ثمن خلافات السياسيين، سواء أكانوا من قوى 8 أم 14 آذار، ولكن من يتحمل مسؤولية القضاء على مستقبل شاب في مقتبل العمر، لم يكن مسلحا ولم يعتد على أحدquot;؟

هكذا ختمت جريدة النهار اللبنانية تحقيقها عن إيهاب العزي، الذي شغل الرأي العام اللبناني طيلة يوم أمس الأربعاء. فهذا الشاب يروي للنهار أنه قرابة الثالثة بعد ظهر الأحد الماضي، وأثناء توجّهه إلى الضاحية الجنوبية، أوقفه قرب أحد المباني التابعة للجامعة العربية عدد من المسلحين، أحدهم ذو لحية كثيفة وطويلة، شد سلسالاً حول عنقه كانت فيه قلادة عليها سيف الامام علي بن ابي طالب ورماه ارضاً.

يتابع: quot;بعدها حضر احدهم بلباس يشبه الافغان، وسحب سيفاً طويلاً واستعد لضرب رأسي فصرخت لا لا راسي، لا تقتلني، ورفعت يدي اليسرى لاحمي وجهي، فضربها وتركني أنزف وفرّ مع رفاقهquot;. فما إن انتهى الأمس حتى تكشفت تفاصيل الرواية، وبان المستور الذي كاد يودي بلبنان في منزلق المذهبية الدامية.

التحريض المؤلم

إنها رواية مؤلمة لمن يقرأها... فقد فعلت فعلها منذ بثتها قناة المنار، الناطقة بلسان حزب الله، ليل الأحد الماضي، الذي كان شهد حادثة الهجوم على السرايا الحكومي عصرًا، واشتباكات عنيفة في بيروت وطرابلس ليلًا. وهي أكثر إيلامًا إذ وظفتها بعض المحطات اللبنانية وقودًا لإثارة الرأي العام ضد قوى سياسية على الأرض، خصوصًا في الطريق الجديدة وجوارها، للتلميح بوجود quot;غريبquot; بلباس أفغاني يعيث فسادًا وفتنةً بين اللبنانيين، قاطعًا أصابع الأبرياء.

بقي الألم مستمرًا، وبقيت الشفقة على إيهاب العزي، الذي ناح للنهار قائلًا: quot;انا اليوم لم اعد استطيع العمل، والشركة التي اعمل لديها ستستغني عن خدماتي، لان العمل في شركة امنية يتطلب شابا يتمتع بقدرات جيدة لا مثل حالتي اليوم. فكيف امنع المعتدين عن تلك الشركة وانا من اصحاب العاهات؟ واكثر من ذلك، فأنا اتنقل على دراجة نارية مرخص لها، وبعد اليوم كيف أقود دراجتي بيد واحدة؟ والاهم من ذلك، من يؤمن لعائلتي لقمة عيشها؟quot;

تحقيق كشف الحقيقة

وأبدى العزي أسفه لأن الحادثة وقعت على بعد أمتار من نقطة أمنية للجيش لم تتدخل لإنقاذه. هذا الأسف حرّك قيادة الجيش اللبناني التي بدأت تحقيقًا واسعًا في الحادث، خصوصًا ان مواطنًا زعم أن عناصر الجيش تركوه لمصيره المحتوم.

وفي هذا التحقيق انكشفت الحقيقة، ووجدت صحيفة النهار نفسها ضحية معلومات ملفقة، ما اضطرها إلى نشر مقالة quot;تصحيحيةquot; اليوم، ترمم ما انكسر من مصداقيتها الصحافية بغير قصد.

فقد أوردت النهار اليوم، مستقية من المعلومات الاولية حول التحقيق في هذه المسألة أن إيهاب quot;تعرّض لتشطيب بالموسى بعد اشتباكه مع اقران له في الضاحية الجنوبية لبيروت وانه لم يكن قط في الطريق الجديدة كما ادعى في افادته الاولية. لكن احداً نصحه بأن يدلي بافادة كاذبة فيفيد من العلاج المجاني ومن مساعدات وزارة الصحة والهيئة العليا للاغاثة. ولم يتعرض الشاب، وهو من اصحاب السوابق، وعسكري سابق مطرود من الجيش لاي اعتداء في الطريق الجديدة من اصوليين ملتحين كانوا يحملون سيوفاً وسكاكين كما ادعى في افادته الاوليةquot;.

وكانت مديرية التوجيه في قيادة الجيش اللبناني أصدرت مساء امس بيانًا أكدت فيه أن العزي أصيب بجروح في يده نجمت عن حادث اصطدام على طريق المطار، بين دراجته النارية ودراجتين ناريتين أخريين، تطور إلى شجار أقدم خلاله احدهما على طعنه بحربة ما ادى إلى بتر بعض اصابع يده، فنقل إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي حيث استدعى بعض وسائل الاعلام لاجراء مقابلات معه بغية الحصول على طبابة مجانية على نفقة وزارة الصحة. وأوقف العزي ويستمر التحقيق معه تمهيداً لاحالته على القضاء المختص.

منطلق إنساني

تقول النهار إنها أثارت موضوع العزي من منطلق إنساني، وهي الصحيفة التي يعرف عنها عدم تورطها في أعمال تحريض. وما تبادر إلى ذهن الصحافي في النهار، أو أي أحد آخر، أن يكذب العزي على الرغم من أن عليه تقديم إفادة للأجهزة الأمنية في هذا الخصوص.

لم تتخذ النهار جانب التحريض قط، لكن جهات إعلامية عدة وضعت البتر الملفق لأصابع العزي في إطار الضرب على الوتر العاطفي المشدود بقوة هذه الأيام. يقول نوفل ضو، عضو الأمانة العامة في 14 آذار، لـ quot;إيلافquot; إن الكل quot;وقع ضحية رامي التهم وزارع الفتن في البلد، ولا يمكن لأحد أن يتهم النهار بأي تلفيق أو تحريضquot;.

يتابع: quot;صدقنا الرواية الملفقة، وأصابنا الخوف الحقيقي من أن تكون الأمور على الساحة البيروتية وصلت إلى هذا الحد، لكن خوفنا أكبر اليوم من أن أمر الفتنة وموقظيها وصل إلى هذا الدرك من التفاني في سبيل ترسيخ صورة قاتمة للساحة الاسلامية، وخصوصًا السنية، بوضعها كاملة في حالة الخضوع الإرادي للمتطرفين الاسلاميين، ما هو منافٍ للحقيقة، وما ورد في إعلام الثامن من آذار أكثر من تضليل اعلامي، إنه محاولة جادة لزعزعة السلم الاهلي الهشquot;.

محبوكة فشلت

لم تتهم النهار العزي بتلفيق هذه الرواية عن قصد طائفي أو تحريضي أو ترويعي، إذ اعترف بذنبه في التحقيق مع قيادة الجيش، رادًا الأمر إلى أنه أراد الاستشفاء مجانًا بعد ما أصابه، ولعله يصيب بعض التعويض.

لكن نوفل لا يتوقف عند حدود حسن النية، quot;لأن القصة محبوكة جيدًا، ومركزة جيدًا بالمعلومات، إلا أن أمر العزي انكشف لوقوعه في تناقضات سببها نقص التمرين على المسرحية التي قدّمها، خصوصًا أن إعلامية في حزب الله هي من أوقع أحد مراسلي النهار في حفرة إشاعة فتنة، حاولوا ترويجها وإلصاقها بأهالي الطريق الجديدة جريمة، فأين حسن النية في الموضوع إن كان مؤكدًا معرفة هذه الإعلاميّة بحقيقة ما جرى لأصابع العزّيquot;.

يضيف: quot;سلسلة من المصادفات الغريبة، كقطع أصابع العزي، ومصادفة ان المعروف عن الاسلاميين الأفغان استخدامهم للسيوف والسكاكين، وبما ان المطلوب القول إن من في الطريق الجديدة أفغان لبنانيون، فكانت هذه الرواية التي يجب أن لا نتجاهلها على حساب النوايا الحسنةquot;.

بينة سوء النية

وثمة اسباب أخرى تدفع نوفل إلى عدم الاقتناع بحسن النوايا. يقول: quot;في حي الجامعة العربية، كما في أحياء كثيرة من بيروت، يتجاور السنة والشيعة، ويبدو أن أحدًا لم يتعرّض من قبل لأقارب العزي الشيعة هناك، وإلا كان الخبر ملأ كل المحطات التلفزيونيةquot;.

ويسوق نوفل دليلا آخر: quot;على الرغم من كل الاصطفافات المذهبية، لم تسجّل حادثة واحدة حتى اليوم عن سباب أشخاص ينتمون إلى أهل السنة للإمام علي، والسلفيون يقولون إن ذا الفقار، أو سيف الامام علي، هو سيف الرسول نفسه، غنمه في غزوة بدر، وقدمه لعلي في معركة أحد، وما هذه الرواية الملفقة إلا دليل على تركيز بعض الصائدين في الماء العكر على تعكير كل ماء نحاول أن نهدئهاquot;.

وهنأ نوفل قيادة الجيش على التحرك السريع الذي قطع دابر الفتنة في مهدها، quot;فلولا هذه السرعة في تدبير الأمر لكانت الساحة الآن مفتوحة على صراعات لا يمكن تخيّل مؤداها، quot;ولكان العزي ومن وراءه أدخلوا البلد في أتون مذهبي ملتهب يحرق ما تبقى من لبنانquot;.