عشية احتفال لبنان بعيد استقلاله الـ69، ترتفع اصوات اللبنانيين مطالبة باستقلال فعلي واستقلالية داخلية تبعده عن كل انواع الارتهانات والتجاذبات الداخلية المستمرة.


بيروت: يرى جيلبير نجار أن الاجواء الموجودة تجعلنا مرغمين أن نقول بأن لدينا استقلالاً لكنّه غير ناجز فعليًا، إن كانت من خلال الحدود الشمالية أو الجنوبية، كل يوم نشهد انتهاكًا من قبل الجيران والمحيطين، وفي الداخل لا يملك لبنان أي استقلالية ذاتية، ومعنى الاستقلال أن نتمتع بتلك الاستقلالية الذاتية من خلال قراراتنا ومصيرنا وجيشنا.

تأمل رولا عازوري أن يتمتع لبنان يومًا ما باستقلال فعلي، ولولا فسحة الامل لدى اللبنانيين لما بقوا داخل لبنان.

ماجد البابا يرى أن احداث غزة وغيرها لا تطمئن، وكذلك الشرق الاوسط هو بمثابة بركان سينفجر، وما زلنا بشكل من الاشكال بعيدين عن حرب فعلية على ارض لبنان، ولكن المحيط عبارة عن حروب متتالية، وهذا سينعكس سلبًا اذا لم نكن متفاهمين في الداخل على أي طريقة سنسير عليها، إن كان في غزة أو سوريا أو الاردن أو تونس أو مصر، لأن محيط الشرق الاوسط quot;ولعانquot;.

رياض كفوري يتذمر من quot;عجقةquot; السير التي تحدثها تمارين الجيش في عيد الاستقلال ويؤكد أن كل مرة نبرر الامور، ولكن يبقى أن على الدولة أن تراعي ظروف المواطن، فهناك مجالات عدة لتمارين الجيش الذي نحترمه، ولكن ليحترموا اوقات عملنا، والاستقلال ليس تدريبات وتمارين وفلكلورًا فقط.

ريتا خوري تتمنى الامان والاستقرار لكل المواطنين في عيد الاستقلال وفي أي عيد يمر على لبنان، وتأسف اليوم الا يكون لبنان يتمتع باستقلاله الفعلي بما يحملنا على القول عيد بأي حال عدت.

قصة الاستقلال في لبنان

على مر العصور، تميّز اللبنانيون بنزعتهم الاستقلالية وتوقهم الدائم الى التحرر. وقد تبلورت نزعتهم هذه بصورة جليّة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، من خلال الجمعيات والحركات التحررية، السرية منها والعلنية، التي أنشأوها أو شاركوا فيها داخل الوطن أو في المهجر، كما في مواقف النخب السياسية والتيارات الشعبية التي انتشرت في مختلف المناطق اللبنانية.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وفي ظل متغيّرات دولية، بدأت الظروف تتهيّأ أكثر أمام توجه اللبنانيين للمطالبة بتحقيق استقلالهم وإنشاء دولتهم المستقلة.

ولم يتأخر اللبنانيون عن ترجمة إرادتهم عمليًا، إذ تطوعت مجموعات من الشبان اللبنانيين في quot;فرقة الشرقquot; التي أنشأها الحلفاء في المنطقة العربية عام 1916 ، كأحد وجوه النضال الوطني.

وقد اشترطوا حينها أن يدوّن على عقود تطوعهم العسكرية شرطان: الأول أنهم يقاتلون ضد القوات العثمانية من دون غيرها، والثاني أنهم انخرطوا في القوات الحليفة لتحرير لبنان.

وما لبثوا لاحقًا أن شكلوا داخلها حالة لبنانية مميزة، ففي عام 1918 أصبحت فرقة الشرق تضم في صفوفها أول سرية من سرايا الجيش اللبناني: السرية 23 التي رافق تأليفها الكثير من التعاطف والحماس.

منذ العام 1921 أخذت سرايا القناصة اللبنانية بنشر العمران في أرجاء الوطن، حيث قامت بأعمال التعمير وشق الطرق وإنشاء الجسور ومراكز الهاتف والتلغراف والتفتيش عن الآثار ومكافحة الجراد والإغاثة والتشجير hellip; فكان عهداً منالمحبة والود والتقدير بين اللبنانيين وجيشهم.

في أيلول/سبتمبر من العام 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط فرنسا بيد الألمان وانقسام قواتها بين مؤيد لحكومة فيشي ومؤيد لقوات فرنسا الحرة، جرت محاولات عدة لزج الوحدات العسكرية اللبنانية في الصراع الفرنسي - الفرنسي من دون أن تحقق أي نجاح يذكر.

وهكذا اجتمع في 26 تموز/يوليو 1941، أربعون ضابطًا لبنانيًا ووقعوا وثيقة شرف، تعهدوا فيها بعدم الخدمة إلا في سبيل لبنان، كما تعهدوا بأن تختصر علاقتهم بالحكومة الوطنية ومنها يتلقون الأوامر فقط. وفي ختام الوثيقة، ربط الضباط استئناف مهامهم العسكرية بالحصول على وعد قاطع من السلطات الرسمية الفرنسية باستقلال وطنهم، وهذا ما حصل إذ ألقى الجنرال ديغول، الذي كان موجودًا في بيروت حينها، خطابًا وعد فيه بمنح لبنان الاستقلال والسيادة.

في 29 آب/اغسطس و5 أيلول/سبتمبر 1943، جرت انتخابات نيابية في لبنان وعلى أثرها تم انتخاب الشيخ بشارة الخوري رئيسًا للجمهورية الذي بدوره قام بتكليف رياض الصلح بتشكيل الحكومة.

مع الرجلين بدأت معركة الاستقلال تعيش لحظاتها الحاسمة من خلال البيان الوزاري الشهير الذي تضمن سياسة الحكومة الاستقلالية، تلاه قيام مجلس النواب بتعديل مواد الدستور المتعلقة بالانتداب وتوقيع رئيس الجمهورية على هذا التعديل.

وقد ردت السلطات الفرنسية باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة وعدد من الوزراء وأحد النواب وأودعتهم سجن قلعة راشيا.

فور شيوع نبأ الاعتقال، اشتعلت ساحات المدن بالتظاهرات الاحتجاجية، وبدعم من الضباط اللبنانيين شكلت حكومة موقتة من الوزيرين حبيب أبو شهلا ومجيد ارسلان اللذين توجّها إلى بشامون، وكان برفقتهما رئيس مجلس النواب صبري حمادة، وهناك انضمت إلى الحكومة مجموعة من الشباب، التي شكّلت ما يشبه الحرس الوطني.

أمام هذا الواقع وأمام استمرار التظاهرات الشعبية، اضطرت السلطات المنتدبة إلى التراجع عن تشددها مذعنة لمشيئة اللبنانيين، وأطلق سراح رجالات الدولة من سجن راشيا في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943، فتحقق بذلك إنجاز استقلال لبنان في حدوده المعترف بها دوليًا.