إذا كانت هناك مجموعة من الضباط المصريين تخطط لانقلاب عسكري فإن ساعة الصفر ينبغي أن تكون وشيكة. فالأيام الماضية شهدت اشتباكات بين قوات الشرطة وعشرات الآلاف من المتظاهرين المناوئين للحكومة خارج القصر الرئاسي في القاهرة.


تأتي الاشتباكات بين معارضي ومؤيدي الرئيس المصري في وقت تنذر الأزمة التي فجرها الرئيس محمد مرسي حين أصدر إعلانه الدستوري بالتطور إلى مواجهة عنيفة بين الإسلاميين والقوى المدنية، ولا سيما أن طرفي النزاع أخذا يحشدان أنصارهما في الشارع قبل استفتاء 15 كانون الأول (ديسمبر) على مسودة دستور خلافية أُقرت بعجالة مريبة. وتجري هذه الأحداث على خلفية نسخة مصرية من quot;المنحدر الماليquot;، يتطلب الابتعاد عن هاويته استقرارًا سياسيًا.

الجيش لن يعيد quot;الضباط الأحرارquot;

ولكن حتى إذا تضمن السيناريو الحالي ظروفًا مماثلة لتلك التي سبقت انقلابات وقعت في مجتمعات مضطربة ذات مؤسسات عسكرية قوية فإن من المستبعد أن يستحضر الجيش المصري حركة quot;الضباط الأحرارquot; بانقلاب آخر.

ونقلت مجلة تايم عن الباحث في مؤسسة quot;سينشريquot; مايكل وحيد حنا قوله quot;تذكروا أن الجيش المصري لم يستمتع بالوقت الذي أمضاه على رأس السلطة بعد اسقاط مباركquot;. وفي حين أن مرسي استفز خصومه السياسيين بتركيز سلطات مطلقة في يده من خلال تحصين قراراته ضد أي طعون قضائية والاستعجال بتمرير دستور يقول منتقدوه إنه يمهد لحكم إسلامي متسلط فإن الرئيس المصري حرص على إبقاء الجيش بجانبه.

ولاحظ الباحث حنا أن مسودة الدستور راعت أولويات الجيش الأساسية بالحفاظ على بقائه بعيدًا عن عملية صنع القرار المدنية وعن الرقابة المالية واناطة دور مهم وإن كان ينقصه التحديد الواضح بالمؤسسة الأمنية القومية في عملية صنع القرارات المتعلقة بأمن الدولة. وأضاف حنا أن الجيش نال نصيبًا سخيًا في عملية كتابة الدستور quot;وما لم يكن تدخله مطلوبًا لمنع انزلاق مصر الى نزاع أهلي فإنه سيبقى محايدًا لأن هذه ليست معركتهquot;.

صراع مباشر

وتمثل أحداث مصر صراعًا سياسيًا مباشرًا، على جانب منه مرسي ومؤيدوه من الأخوان المسلمين الذين يعتمدون على تمكنهم من منافسيهم في صناديق الاقتراع لفرض مشيئتهم بمؤسسات منتخبة ديمقراطيًا.

وهم لا يرون ضرورة للوصول الى حلول توافقية مع خصوم يتهمهم الاخوان باستخدام مؤسسات موروثة من عهد مبارك للوقوف ضد الإرادة الشعبية. وتقف على الجانب الآخر في مواجهة مرسي طائفة من القوى العلمانية والليبرالية والمسيحية المتحالفة بصراحة مع فلول النظام السابق للجم الاسلاميين الذين تتهمهم هذه القوى بالسعي الى الاستعاضة من النظام القديم بدولة دينية.

وتصاعد النزاع الى أزمة خطيرة منذ اسبوعين عندما وضع مرسي قراراته بمنأى عن طعون القضاء متذكرًا أن هذا القضاء هو الذي حل مجلس الشعب المنتخب ديمقراطيًا بالاستناد الى ثغرة تقنية ومعه الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة دستور جديد. وكانت لدى مرسي شكوك بأن القضاء نفسه يخطط لإجهاض عمل الجمعية التأسيسية الثانية وإخضاع الحكومة المنتخبة الى مؤسسات النظام السلطوي السابق.

الرئيس قدم الحل الخاطئ

وقالت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل إنه quot;كان لدى مرسي مبرر كافٍ لشعوره بالاحباط. فإن قضاء على درجة عالية من التسيس كان يعمل كل ما بوسعه لعرقلة جهود القيادة الجديدة وحجب التعبير عن الارادة الشعبية في حين أن المعارضة غير الاسلامية لم تبدِ أي قدر من الموقف البناء أو التصالحي. ولكن الرئيس قدم الحل الخاطئ لمشكلة حقيقية. فهو استخدم منشارًا كهربائيًا في حين كان المطلوب استخدام مبضعquot;، على حد تعبير مجموعة الأزمات الدولية.

ونتيجة لذلك أكد الرئيس شكوك خصومه بأن مرسي يضمر نيات دكتاتورية فضموا قواهم تحت مظلة جبهة الانقاذ الوطني وشاركوا في حملة الاحتجاج المستمرة.

وجه إسلامي متعنت

ويرى الذين ينظرون بعين الريبة الى نيات الاخوان المسلمين أن خطوة مرسي نزعت عنه قناع الاعتدال كاشفة عن وجه اسلامي متعنت عازم على توظيف قوة الاخوان الانتخابية لممارسة سلطة مطلقة.

ويبدو ان قيادة جبهة الانقاذ الوطني تتفق مع هذا الرأي. إذ كتب منسقها محمد البرادعي في صحيفة فايننشيال تايمز مؤيدًا قرار القضاء حل مجلس الشعب المنتخب بدعوى أن نتيجة الانتخابات كانت فوزاً ساحقًا للاسلاميين يتخطى بكثير قوتهم الحقيقية وأوجدت quot;برلمانًا غير تمثيليquot;.

وتثير الفكرة القائلة إن مجلس الشعب لم يكن يمثل الشعب لأن الليبراليين خسروا الانتخابات، حنق الاخوان المسلمين وأكثر من ذلك غضبهم على احتضان جبهة الانقاذ عددًا من رموز النظام السابق باسم انقاذ الثورة.

وكتب البرادعي في صحيفة فايننشيال تايمز quot;أن المفارقة تتمثل في ان الثوار الذين تخلصوا من مبارك مدعومون الآن من أعضاء حزبه القديم، موحدين في المعارضة ضد quot;المشروع الاسلاميquot; المبهم الذي يريده السيد مرسي وانصاره لبلدناquot;.

وتصر جبهة الانقاذ الوطني على مطالبة مرسي بإلغاء الاعلان الدستوري واستفتاء 15 كانون الأول (ديسمبر) والتفاوض مع المعارضة. ويحذر البرادعي من أن رفض هذه المطالب يمكن ان يؤدي الى quot;انفجار في العنف والفوضى يدمر نسيج المجتمع المصريquot;.

ممارسات خطيرة

لكنّ مراقبين آخرين يرون أن أكثر من طرف يتحمل مسؤولية الأزمة. وكتب نيثان براون الاستاذ في جامعة جورج واشنطن quot;أن نيات الأخوان المسلمين اقل مدعاة للشك من نيات خصومهم ولكن ممارساتهم اشد خطورة... وان مرسي، حتى إذا تعرض للاستفزاز أو كانت خطوته استباقية، فإن قراره في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) استبعد أي امكانية لأن تصبح السياسة المصرية مرة اخرى سياسة توافقية على المدى القريبquot;.

وقال براون إن مرسي اتخذ قراره بتركيز جميع السلطات في يده quot;مدعيًا أن المحكمة الدستورية لا تخطط لحل الجمعية التأسيسية فحسب، بل والغاء قرارات الرئيس السابقة فك قبضة الجيش على النظام السياسي وبذلك دعوة الجنرالات الى تولي مقاليد السلطة مجددًا من الناحية العملية وفرض انقلاب عسكريquot;، على حد تعبير براون.

ولكن هذا قد ينطوي على مبالغة في نيات القضاء وميول الجيش، ولكن رد فعل مرسي اثار شكوكاً عميقة في امكانية التوصل الى توافق وتحقيق شرعية ذات قاعدة عريضة يستند اليها الدستور الذي من المتوقع ان يُقر في استفتاء 15 كانون الأول (ديسمبر). وقال الباحث مايكل وحيد حنة من مؤسسة سينتشري للأبحاث quot;إن الاستفتاء لن ينهي الأزمة بل سيمأسسهاquot;.

ولكن جماعة الاخوان المسلمين تعتقد ان شعبيتها واسعة بما فيه الكفاية للسيطرة على الشارع والانتصار عن طريق صناديق الاقتراع وأن غالبية المصريين ليسوا مستعدين لرؤية البلد تدفعه المعارضة الى الفوضى بإعادة تنظيم حملة من الاحتجاجات العامة.

سياسة التعويق

ورغم تحذير البرادعي من الآتي فإن الاسلاميين قد يرون أن فرصهم هي الأرجح. وقالت مجموعة الأزمات الدولية quot;إن من الممكن الاحتجاج بأن قرار مرسي يحظى بتأييد واسع من المواطنين الذين يتطلعون الى الاستقرار. وان دعوات المعارضة الى التحشد في ميدان التحرير تنتمي الى عالم الحنين أكثر منها الى مضمار السياسة الفاعلة. فإن الوهج الثوري لعام 2011 خبا منذ زمن طويل وأي أعمال عنف ستعبئ الأغلبية الى جانب مرسي على الأرجح. وفي غياب التأييد الشعبي الواسع على المستوى الجماهيري لجأت المعارضة المدنية كما هو ديدنها الى سياسة التعويق بدلا من صوغ اجندة ايجابية. فان مطلب الغاء الاعلان الدستوري بالكامل مطلب غير واقعي لأن مرسي راهن بالكثير من رصيده السياسي على هذه الخطوةquot;.

وقالت المحللة مارينا اوتاواي من مؤسسة كارنغي للسلام العالمي إنها لا ترى في الأفق نتيجة إيجابية. وان اعلان مرسي الدستوري الذي يحصن قراراته ضد طعون القضاء quot;تطور منطقي في صراع على السلطة يضع قوة القضاء في مواجهة صندوق الاقتراعquot;.

وكتبت اوتاواي quot;أن الاسلاميين فازوا في الانتخابات والقضاء الغاها والآن يلغي الاسلاميون سلطة القضاء. وليس هناك أخيار وأشرار في هذه المعركة بل فقط سياسة ومنفعة على الجانبين. وستُجر مصر الى سلطوية جديدة بصرف النظر عن المنتصر فيهاquot;.

شتاء مصر

في هذه الأثناء، فإن الشتاء قادم بالمعنيين الحرفي والاستعاري. ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم لكنها تقف على شفير الافلاس. وتتفاوض حكومة مرسي حاليا بشأن قرض قيمته 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

وقد يهدد فرص الموافقة على القرض موسم جديد من القلاقل في الشارع. وسيتطلب درء هذا التهديد أن تتعلم الطبقة السياسية ما بعد مبارك فن التوافق المفقود على نحو خطير في اللعبة السياسية الصفرية التي تُمارس في القاهرة ما بعد مبارك، على حد تعبير مجلة تايم.