ميشال كيلو اسم غني عن كل تعريف. فهو أحد الكتاب الصحافيين الذين ذاقوا عذابات السجون والمضايقات البوليسية في بلده، قبل انفجار الانتفاضات الشعبية فيه، فقط لأنه ظل يحمل قلمًا حرًا يرفض الخنوع والركوع. المعارض التاريخي للنظام السوري كما تصفه الصحافة الفرنسية استضافته إيلاف للتحدث عن الواقع السوري اليوم، باعتباره أحد أبرز العارفين بالشأن السوري والذي خبر نظامه من الداخل.
ميشال كيلو |
بوعلام غبشي من باريس: يصف الكاتب الصحافي السوري ميشال كيلو الوضع الحالي في سوريا quot;بالشديد الحساسيةquot;، مفسرًا ذلك بكون quot;النظام يحاول كسر توازن القوى القائم من خلال تكثيف حملاته العسكرية وتعظيم جرعات العنف والقمع، ونقلها إلى عملية أرض محروقة وإبادة عامة في بعض المناطق، بينما الشارع لا يخاف أو يهدأ، في حين تتعاظم الضغوط الدولية والعربية على السلطة، وتتزايد المطالبة بوقف عنفها الذي أخذ يضغط بشدة على الضمير العالمي والنظام الدولي، الأمر الذي يضيق هوامش الوقت بالنسبة إليها، وكذلك حرية الحركة. النظام في مأزق وكذلك الحراك الشعبي، والذي يعرف كيف يكسر ميزان القوى الراهن هو الذي سيكسبquot;.
في قراءة لخطة أنان يقول كيلو quot;أغلق النظام باب الحل الداخلي أمام كوفي أنان، عندما رفض الرئيس الأسد وقف إطلاق النار قبل القضاء على المجموعات المسلحة، ففتح أنان عليه باب الحل الدولي عن طريق إعلان رئاسي في مجلس الأمن وحد المواقف الدولية للمرة الأولى من زمن الصراع والأزمة في سوريا، فقبل الأسد عندئذ تطبيق خطة أنان، مع محاولات للالتفاف عليهاquot;.
يتابع كيلو في الاتجاه نفسه، quot;لكنني أعتقد أن الحلقة تضيق حوله، وأن قدرته على المناورة صارت محكومة بالموقف من بديل مبادرة أنان، أي التدويل الكامل للقضية، ووضعها تحت رحمة التناقضات الدولية وما يمكن أن ينتج منها من أعمال تضرّ بحظوظ النظام في البقاء، خاصة وأنه سيكون قد رفض حلاً عربيًا وحلاً دوليًا، ووضع القضية في عهدة مكاسرة دولية هو فيها الطرف الأضعفquot;.
ويعتقد كيلو quot;أن المعارضة السياسية المنظمة أخطأت كثيرًا، سواء في اختياراتها أو في تصوّرها لدورها، وأن المعارضة على الأرض نجحت في تنظيم التمرد المجتمعي، لكنها فشلت في قيادته سياسيًا بطرق واقعية ومجدية، وأنها حكمت نفسها بشروط فرضها النظام عليها، جنحت بفصائل منها نحو التطرف والعنف والطائفية، خاصة مع الدور الخارجي الذي لعبته بعض الدول المجاورة، وخاصة منها تركيا وقطر ثم السعودية. هل هناك خطأ-بل جريمة- أفظع من بقاء المعارضة متناقضة متصارعة بعد عام كامل من تضحيات الشعب وصموده في الشارع، كأن شيئًا لم يحدث في نظرهاquot;.
كيلو مع قيام حكم إسلامي في سوريا
إذا ما كان وصول الإسلاميين إلى الحكم في البلدان التي مر منها الربيع العربي أضر بتقدم الثورة السورية، يقول كيلو quot;أنا من الذين يعتقدون بضرورة قيام حكم إسلامي في سوريا، كي لا تبقى هناك قوة إلا وتكون قد حكمت سوريا بطريقة غير ديمقراطية، وأفلست، لكنني أعتقد في الوقت نفسه أن طرق عمل الإسلاميين في مصر أخافت الأقليات الدينية والقومية في سوريا، التي تمثل قرابة 30 بالمائة من الشعبquot;.
ويوضح أكثر موقفه في هذا الشأن quot;بما أن النظام كان قد شحن وعي هؤلاء بالخوف من خطر إسلامي وهمي، يبدو اليوم في نظر بعض نخب الأقليات وجماهيرها وقطاعات من الطبقة الوسطى، وكأن ما تم تخويفهم منه يتحقق. إذا لم يفهم الإسلاميون هذه النقطة، كانوا أكثر الناس جهلاً بالواقع ورغبة في الفشلquot;.
وعن الضمانات التي يراها ضرورية في أي تغيير يحصل في سوريا تضمن حقوق الأقليات في هذا البلد، يجيب كيلو، quot;لا ضمانة غير الديمقراطية القائمة على المواطنة التي تعترف بحرية الفرد باعتبارها شكل وجوده السياسي الوحيد، الذي يتساوى من خلالها مع الآخرين، بغضّ النظر عن تموضعاته الخاصة، على أن لا يبقى هذا كله مقتصرًا على المساواة أمام القانون، وإنما يكون مدعومًا بالمساواة في الواقع، أمام العدالة الاجتماعيةquot;.
الصحافة السورية وquot;القمع العقلي والروحيquot;
في تشخيصه لواقع الصحافة السورية يرى الكاتب والصحافي الذي ذاق عذابات سجون نظام بلده بسبب كتاباته ومواقفه، أن هذه الصحافة كانت quot;دومًا مكلفة بفعل القمع العقلي والروحي، الذي يكمل فعل القمع المادي الموجّه إلى المواطن ولم تتمتع أصلاً بأي هامش حرية إلا ذلك الذي يثير الوهم لدى القارئ بأن نقد الأخطاء متاح، وأن السلطات درجات في النزاهة، أعلاها الرئيس الذي هو فوق النقد، بينما يمكن ويستحسن نقد كل من هو تحته، نزولاً إلى أصغر الموظفين، كي يظن السوري العادي أن هناك حرية ويؤمن بأن الفساد من الصغار التابعين، وليس من فوق، من أعلى الهرمquot;.
في هذا السياق، يذكر كيلو، quot;تحتل الأخبار أهمية خاصة، فإن كانت تتعلق بمكان مقدس من السلطة، كالرئيس وحاشيته أو منطقة من الواقع، يحظر مراقبتها، كان الخبر خطرًا وكان الاقتراب منه قاتلاً أحيانًا. هناك مثال مهم، هو أن جريدة تشرين نشرت صورة للأسد يبدو فيها وكأن له كرشًا كبيرة. أما النتيجة فكانت، سجن محررين ومخرج الجريدة بتهمة تشويه صورة السيد الرئيس، كما سجن صحافي لفترة طويلة لأنه ألمح في خبر إلى أن الأسد ربما يكون زار موسكو سرًاquot;.
وإن كانت المنظمات الإقليمية والدولية تعمل ما فيه الكفاية لدعم الصحافي السوري في تبليغ رسالته الإعلامية، يرد كيلو، بكونها، quot;لا تعمل شيئًا، فالصحافي السوري هو أضعف خلق الله، وهو أكذبهم بالحتم والإكراه. إن كل شيء في سوريا ينتمي إلى مهمة أمنية ما أو هو يكملها، لذلك ليست للصحافي أية حصانة، في نظر الناس أو لدى السلطة التي تستخدمه لنشر أكاذيب هي المادة الوحيدة التي تتعامل من خلالها مع الشعب عامة وقراء الصحف خاصة، التي لا يثق قراؤها بمعلوماتها غالبًا، ولا يتعاملون معها، بدلالة أرقام التوزيع المنخفضة، إذ من بين ألف سوري، قارئ واحد للصحف الرسمية، وملايين القراء للانترنت وفايسبوكquot;.
وأوضح كيلو أن quot;الصحافي السوري كائن هش ومظلوم، يعرف أنه يكذب، لكنه لا يستطيع التوقف إن كان يريد كسب عيشه ولقمة أطفاله. لكن لا يحميه أي أحد أو يساعده، وعندما يتعامل مع الإعلام الخارجي فإنه يتلقى أدنى أجر يتلقاه غيره من الإعلاميين السوريين. لا أحد يشد أزر الصحافي السوري أو يهتم به، وهو متروك للسلطة تجوعه أو تنكل به أو تعامله باحتقار عندما تدفعه إلى ممارسة الكذب. وللعلم، فقد كان هناك في السجون سوريون يعملون في الصحافة على امتداد السنوات الأربعين الماضيةquot;.
وحول تقرير مركز الدوحة لحرية الإعلام الذي وقف في تقرير مدقق عند ضحايا ممتهني المعلومة وهواتها، يقول كيلو، quot;كلما اقتربنا من الواقع اقتربنا أكثر من الحقيقة، لذلك يكون التقرير صحيحًا ومنصفًا بقدر ما يتضمن وصفًا للواقع كما هو، من دون تزيين أو مبالغاتquot;.
التعليقات