يبدو أن العراقيين ملوا السياسة ويحاولون النأي بأنفسهم عنها قدر الامكان، لذلك يرفض كثير منهم أن تكون موائد الرحمن التي يقيمها سياسيون في شهر رمضان مُخصصة لأغراض سياسية وانتخابية.


بغداد: تُعدّ موائد الإفطار أحد مظاهر الحياة الجديدة في العراق بعد انقضاء فترات الحروب وايام الحصار الاقتصادي التي حرمت العراقيين من الفرحة الحقيقية برمضان على مدى عقود.

ومع تحسن المستوى الاقتصادي، تبرز في المجتمع الكثير من الفعاليات التي تتيح للفقير تأمين فطور صحي وكافٍ بعد صوم نهار يمتاز بدرجة حرارته العالية.

لكن ما يثير في رمضان هذا العام ، بحسب ابو حيدر ( تاجر )، انحسار الفعاليات الدينية المرتبطة بدوافع سياسية، والتي دأبت عليها بعض الاحزاب في الاعوام الماضية.

ويفسر ابو حيدر ذلك بالقول إن العراقيين ملوا السياسة ويحاولون النأي بأنفسهم عنها قدر الامكان.

مائدة افطار جماعية لأحد السياسيين العراقيين

وتتيح الامكانات المادية الجيدة لأبو حيدر، اقامة مائدة رمضانية كل يوم يقصدها اصحاب الحاجة من الفقراء والأسر المتعففة، اضافة الى بعض الجيران والأصدقاء والأقارب.

لكن حسام حسن الذي ينشغل بخدمة الصائمين وهو من اقرباء صاحب الدعوة يؤكد أن الفقراء يتقدمون اولاً للإفطار ونحن نخدمهم، ويتابع: إنه شعور عظيم أن تشعر أنك تطعم (محتاجًا) صام النهار كله لوجه الله.

ويؤكد حسام أن رمضان يقوي الخصال الحميدة والتعاون ومساعدة الآخرين، مشيرًا الى كل شخص يأثر نفسه ويرفض الجلوس اولاً على المائدة قبل أن يجلس الفقير والمحتاج.

رمضان غير طائفي

قررت السلطات العراقية هذا العام مثلما الاعوام السابقة منع الافطار العلني خلال شهر رمضان وإغلاق محال بيع المشروبات الكحولية والمطاعم والمقاهي ومنع اقامة النشاطات الفنية .

واعتاد سعد البياتي في المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) اقامة مائدة إفطار في باحة الدار يحضرها عشرات المدعوين، مؤكدًا أن حالته المادية الجيدة هي رزق من الله وأن اطعام الفقراء والمحتاجين لاسيما في رمضان واجب شرعي.

وفي مدينة مثل المحمودية تتعدد فيها الطوائف فإن سنة وشيعة يحضرون مائدة البياتي، الذي يؤكد أن هذا تقليد مضت عليه سنوات ولم يتأثر بالفتنة الطائفية التي مر بها العراق، مشيرًا الى أن التكاتف بين ابناء الوطن الواحد يتعزز من جديد.

وكانت المحمودية وريفها من المناطق التي شهدت اعمال قتل طائفية على امتداد السنوات الماضية من قبل جماعات مسلحة.

وكان بيان صادر من الحكومة العراقية دعا الى تعظيم شعائر شهر رمضان المبارك والالتزام بأوامر منع الافطار العلني.

موائد النخب

وفي اغلب مدن العراق يتوافد البسطاء والفقراء على موائد الرحمن في المساجد والجوامع والمراقد المقدسة حيث تفرش الساحات وتقدم شتى صنوف الاكل، وتمتد ساعات العبادة الى ساعات متأخرة من الليل، كما يقيم سياسيون ونواب موائد افطار ، لكنها تقتصر على النخب بحسب احمد سعد (تاجر ) مبررًا ذلك الى الاجراءات الامنية حيث يصعب على الفقير الوصول الى تلك الاماكن، يضاف الى ذلك أن اغلب هذه الموائد غير عامة، وتقتصر على النخب فقط .

ويؤكد احمد عمران ( مدرس) أن اغلب مرتادي الموائد العامة من الفقراء والمحتاجين ، ملفتًا الانتباه الى ناحية ايجابية، وهو قيام مجهولين بتنظيم موائد للصائمين لوجه الله، وتمويلها طيلة الشهر الكريم ، مما يدل على حسن النية لدى هؤلاء في عدم الظهور امام الناس.

ويشير عمران الى أن العراقيين يبدون تذمرًا من أي محاولة لزج السياسة ومحاولة تحقيق منافع شخصية عبر رمضان، ويتابع : السياسيون يدركون ذلك ويتجنبون تسخير الفعاليات الدينية لأغراض السياسة.

ظاهرة ايجابية

وتشير الباحثة الاسلامية زهراء الخفاجي الى ظاهرة ايجابية تنتشر في الكثير من مناطق العراق، وهو قيام بعض الجهات الاجتماعية والجمعيات التعاونية ومنظمات مستقلة بتوزيع الاكل واللحوم على الفقراء، في اسلوب حضاري يجسد حب الكثيرين للخير بعيدًا عن الاهداف السياسية أو الطائفية.

ويقدم التاجر احمد كامل بالاشتراك مع عشرين تاجرًا وعطاراً مساعدات غذائية يقومون بتوزيعها على الفقراء في رمضان.

وعلى عكس الكثير من الدول التي شهدت انتقالات سياسية، مثل مصر حيث يقوم السياسيون بإقامة موائد إفطار للفقراء في رمضان لأغراض انتخابية، فإن تنظيم موائد الرحمن لم يرتبط بالسياسة لاسيما هذا العام، بسبب رفض الناس ذلك وتخوف السياسي من ردود الفعل العكسية لذلك.

ويقول الحاج ابو امين إن رمضان هو شهر العبادات وليس وقت شراء الاصوات.

وفي اغلب مساجد وحسينيات كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) تقام موائد الافطار حيث أن الغالبية العظمى من مرتاديها من الفقراء والذين لا يستطيعون الحصول على الطعام.

ويعترف ابو جاسم (عاطل ) أنه لم يذق اللحم طيلة عام وأن رمضان فرصة لتناول وجبة صحية بعد يوم صيام لا يستطيع أن يوفرها لنفسه.

وتعاني ام حسن ( 70 سنة ) من نفس الموقف، فطيلة عام تعاني أم حسن من شطف العيش وصعوبة تأمين وجبات طعام صحية منتظمة لكنها طيلة شهر رمضان لا تقلق على نفسها من الجوع لأن ثلاجتها تمتلىء بما يقدمه فاعلو الخير.

افطار مجاني

وفي اغلب مدن العراق تلمح في الشوارع الكثير من اللافتات التي ترحب برمضان وتدعو الى افطار مجاني.

ويقوم سعد من بابل (100 كم جنوب بغداد) انك لا تجد صعوبة في أن تقصد الكثير من الموائد لغرض الافطار، وفي المساجد الكبرى يتراصف الصائمون في صفوف منتظرين موعد الإفطار، في جو ايماني يشعرك بالتكافل الاجتماعي والتكاتف.

وفي المناطق المختلطة في بغداد، فإن مواطنين يشاركون في موائد رمضانية يقبل عليها الناس على اختلاف طوائفهم.

واعتاد احمد السامرائي في الدورة في بغداد على تنظيم مائدة افطار يحضرها ابناء المنطقة من سنة وشيعة، وتوقف السامرائي لسنوات عدةعن نصب مائد الافطار بسبب اعمال العنف الطائفي لكنه من العام 2010، شرع من جديد في ذلك.