فريد زكريا |
منذ أن رُفع النقاب عن أن laquo;تايمraquo; وlaquo;سي إن إنraquo; علقتا عمل الكاتب والصحافي الهندي - الأميركي فريد زكريا لسرقته مقاطع في إحدى مقالاته من بروفيسيرة في جامعة هارفارد، وردود الفعل تتوالى إزاء أحد أكبر الأحداث الصحافية الأميركية في السنوات الأخيرة.
laquo;تايمraquo; تعلّق عمل فريد زكريا بتهمة السرقة الأدبية |
لندن: ربما تمثل الدليل الأكبر على الشأن العظيم الذي بلغه الأميركي - الهندي فريد زكريا في جائزتين نالهما من حكومة بلاده الأم: الأولى laquo;شخصية العام الهندية العالميةraquo; في 2008، ثم وسام laquo;بادما بوشانraquo; في 2012 تقديرا لمساهمته في عالم الصحافة الدولية.
وقد يقول قائل إن أهمية هاتين الجائزتين تعود، على الأقل،إلى أنهما تكسران مقولة laquo;لا كرامة لنبي في وطنهraquo;، ولن يختلف معه كثيرون. ولكن حتى إذا اعتبر آخرون أن هذا احتفاء هندي طبيعي لأنه يضفي بريقا على صورة البلاد نفسها، فقد نال زكريا (48 عاما) عددا آخر من الجوائز العالمية وأسبغت عليه بعض كبريات الجامعات الأميركية شهادة الدكتوراه الفخرية مثل laquo;هارفاردraquo; وlaquo;جون هوبكينزraquo;. وبالطبع فإن كل هذا يأتي تتويجا لمساهماته الفكرية الواردة في كتاباته وتحليلاته الثاقبة في الشؤون الدولية والسياسة الأميركية الخارجية حتى صار اسمه مألوفا في أي ركن يختاره المرء في الدنيا.
كوكب ساقط
بناء على كل ذلك، يصح للمرء أن يظن أن شخصا مثل فريد زكريا معصوم عن laquo;السرقة الأدبيةraquo; وأنه ليس بحاجة اليها في المقام الأول. ولهذا كانت الصدمة عميقة عندما أوردت الأنباء الأسبوع الماضي أن مجلة laquo;تايمraquo;، التي اختطفته من laquo;نيوزويك انترناشونالraquo; بعد 10 سنوات في رئاسة تحريرها، وlaquo;سي إن إنraquo;، التي يقدم على شاشتها برنامجا اسبوعيا باسمه، علقتا عمله بعد القبض عليه متلبسا بإحدى أسوأ الجرائم الفكرية والأخلاقية وهو السرقة الأدبية.
جيم سليبر | إريك زويس |
وكما أوردت laquo;إيلافraquo; في حينها، فقد قطع زكريا نفسه الشك باليقين فاعترف بذنبه في بيان أصدره فورا وجاء فيه أن الاتهام صحيح بأكمله. ويتعلق هذا الاتهام بمقالة كان يعتزم نشرها في عدد laquo;تايمraquo; المقبل ويتناول فيها مسألة توفر الأسلحة النارية الشخصية في الولايات المتحدة.
اعتراف
كان زكريا قد نقل مقاطع في مقالته من مقالة أخرى نشرتها البروفيسيرة في جامعة هارفارد، جيل ليبور، في عدد 23 أبريل / نيسان الماضي من مجلة laquo;ذي نيويوركرraquo; وتناولت فيها الموضوع نفسه. ولسوء حظ زكريا فقد التقط شخص ما بمجلة laquo;تايمraquo; أوجه التشابه والتطابق بين مقالة زكريا ومقالة البروفيسيرة ليبور. ولدى مواجهته بالأمر، أصدر الكاتب الهندي - الأميركي بيانه الذي جاء فيه:
laquo;تشير تقارير إعلامية الى أن فقرات من مقالتي للعدد المقبل من مجلة laquo;تايمraquo; مشابهة بشكل كامل لفقرات وردت في مقالة كتبتها جيل ليبور في عد 23 أبريل من مجلة laquo;ذي نيويوركرraquo;. هذا زعم صحيح ولا يسعني حياله سوى الإقرار بأنه كان خطأ فادحا. هذا تجاوز خطير ومسؤولية الخطأ فيه تعود بشكل كامل الى شخصي. لهذا أتقدم باعتذار غير مشروط لجيل ليبور ولهيئة التحرير في laquo;تايمraquo; ولقرائي كافةraquo;.
ومن جهتها قالت laquo;سي إن إن raquo; إن مدونة شخصية (بلوغ) يكتبها زكريا على موقعها الإلكتروني احتوت على مواد تستدعي التحقق من منابعها، وإلى ذلك الحين فهي تعلق عمله أيضا. وبعبارة أخرى، فإن نقله من البروفيسيرة ليبور ليس جرم السرقة الوحيد الذي يرتكبه هذا الكاتب وربما كان مجرد حلقة في سلسلة طويلة من أفكار لكتّاب آخرين استحوذ عليها ونسبها الى نفسه.
الثور والسكين
ثمة مقولة - مثل يُعبّر عنها في مختلف رقاع العالم العربي بمختلف الأشكال وتعني أن وقوع الثور يتبعه تكاثر السكاكين على عنقه. ولا شك في أن زكريا كان ثورا ذا صولات وجولات في دنيا الصحافة الدولية. لكنه سقط وإذا بالأنصال التي ما فتئت تُشحذ للناجحين في أي مجال كان، تنهال عليه يمنة ويسرة.
والواقع أن معظم الأقلام التي تناولت مآل زكريا تعرضت بشكل أو آخر الى نوع الالتزامات التي ألقاها على نفسه ما إن عثر على نوع الشهرة الذي يحلم به سائر الكتّاب والمحللين. وكانت الزاوية التي انطلق منها العديد ممن تناولوا النبأ (بأقدار متفاوتة من الأسف والشماتة) تصب في خانة أن الكاتب المطلوب ينال الشهرة والمال المتعاظمين. وهو يصبح بحاجة دائمة إلى المزيد من كل منهما لأن المال والشهرة لا يتعاظمان الا بالمزيد من كل منهما. والسبيل الوحيد الى هذا الوضع، الذي يتخذ من نفسه وقودا لنفسه، هو كثرة الالتزامات.
خياران
زكريا يحاور الرئيس اوباما في البيت الأبيض |
من بين الذين تناولوا مصيبة زكريا هذه كاتب العمود في مجلة laquo;فورين بوليسيraquo; دانيال دريزنر. فيقول إن الالتزامات العديدة التي غرق فيها زكريا (وتشمل إضافة الى laquo;تايمraquo; وسي إن إنraquo; كتابته زاوية ثابتة في laquo;واشنطن بوستraquo; وكرسيه في مجلس أمناء جامعة ييلraquo; على سبيل المثال وليس الحصر) ربما دفعته إلى ترك عدد من مسؤولياته في أيدي فريق من الباحثين والمعاونين هم الجنود المجهولون وراء العديد من إنجازاته.
لكن دريزتنر يتساءل: laquo;إن كان زكريا ليس هو السارق وإنما أحد معاونيه أو الباحثين العاملين سرّا له، فإن السؤال الذي يبقى معلقا هو: لماذا نشر باسمه شيئا لم تختطه يده شخصياraquo;؟ ويمضي هذا الكاتب الى القول إن نوع الالتزامات التي أحاط بها زكريا نفسه - وهي كثيرة على بشر واحد - وضعته أمام خيارين: إما الاستعانة بجهة أخرى تنجز له بعضها أو كلها، أو توليها بنفسه ولكن بالالتفاف على ضيق الوقت ومحدودية الطاقة للوصول الى إنجازها (أي بالسرقة)!
مفارقة
من جهته يقول جيم سليبر في laquo;هافينغتون بوستraquo; إن من المفارقة أن يكون زكريا عضوا في مجلس أمناء جامعة ييل. فهذه الجامعة - كغيرها من المنارات الأكاديمية الرئيسة - لا تنظر بعين الشفقة الى أي تجاوز يتعلق بالأمانة الأكاديمية. ولهذا فلا يظنن أي من طلابها أن بوسعه سرقة مجهود غيره ونسبه الى نفسه، لأن غطاءه سيُكشف وسيتنهي به أمره الى الشارع من دون الكثير من الأخذ والرد.
ويمضي الكاتب قائلا إنه في حال طبّقت هذه الجامعة معاييرها الأخلاقية الصارمة على زكريا نفسه، صار مصيره مثل أي طالب يطلب النجاح على أكتاف الآخرين. ويضيف قائلا إن التباكي عليه ليس في محله أصلا وأنه ليس الوحيد الذي يحمل هذا الرأي. فيستشهد بأن مجلة laquo;نيو ريبابليكraquo; وصفت زكريا بأنه laquo;ليس أهلا للهالة الفكرية المحيطة بهraquo; في المقام الأول.
حارس المؤسسة الارستقراطية
على صفحات laquo;هافينغتون بوستraquo; أيضا يتناول المؤرخ والمحلل السياسي إريك زويس الأمر من عدد من الزوايا التي تصب في أن زكريا لدغ نفسه بنفسه فصار ضحية الشبكة العنكبوتية التي ساعد هو نفسه في خلقها.
ومن أبرز الزوايا التي يطل منها هذا الكاتب على الموضوع أن زكريا laquo;ارستقراطي هنديraquo; نشأ في كنف السلطة وفسادها الحتمي. وعندما يتعلق الأمر بنشأته، فقد ولد (في مومباي) لأب ذي مكانة مرموقة في laquo;حزب المؤتمر الوطنيraquo;، ولأم كانت تترأس تحرير laquo;صنداي تايمز اوف إندياraquo;.
دانيال دريزنر |
وفي هذا الجو تعلم زكريا أن السلطة لا تكتمل الا بـlaquo;الخدمraquo; (الباحثون والمعاونون في حالة الكاتب) الذين يؤدون المهمة الحقيقية بينما يعود الثناء والعرفان laquo;للمخدِّمraquo; الذي قد يلقي الى الخدم بفتات مائدته. ويخلص زويس الى أن الارستقراطية laquo;شبكة كلنا ضحايا لها، وعنكبوتها يلتهمنا شيئا فشيئا. ولكن (لحسن حظ زكريا) فهو جزء من الشبكة وليس من الوجبة... ولذا فسينهض على قدميه مجددا في وقت قريب آتraquo; ليواصل مهمته كحارس أمين لمؤسسة الارستقراطية!
التعليقات