رغم تحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيمياوية أو وقوعها في أيدي متطرفين، فإن خيارات الإدارة للتدخل تبقى محدَّدة بما قال مسؤولون في الإدارة إنها عملية حسابية بسيطة تتمثل في أن التدخل سيزيد النزاع تفاقمًا.
أميركا ترى مخاطر في حال قررت شنّ هجوم عسكري على سوريا |
إعداد عبد الإله مجيد: أكد مسؤولون أميركيون مجددًا يوم الثلاثاء أن أية عمليات عسكرية أميركية ستهدد بدفع حلفاء النظام السوري، وخاصة إيران وروسيا، إلى التدخل على مستوى أعلى بكثير من تدخلهما الآن. كما ستتيح للرئيس بشار الأسد تعبئة المشاعر الشعبية ضد الغرب وتشجّع تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الارهابية التي تقاتل نظام الأسد الآن على توجيه اهتمامها نحو ما ستعتبره حملة صليبية أميركية أخرى في العالم العربي، بحسب هؤلاء المسؤولين.
وكان نائب رئيس الحكومة السورية قدري جميل أشار إلى هذه الكوابح على وجه التحديد في موسكو يوم الثلاثاء عندما وصف تحذير أوباما بأنه دعاية انتخابية، معلنًا أن أي تدخل عسكري أجنبي سيؤدي إلى مواجهة تتخطى الحدود السورية.
كما أكدت تصريحات أوباما الحقيقة الماثلة في أن إحجام الولايات المتحدة عن التدخل قد تكون له حدود. ولكن ذلك سيتطلب تهديد مصالح أميركية لا تهددها الحرب الأهلية داخل سوريا نفسها. ويرتدي هذا التهديد شكل هجوم كابوسي باستخدام أسلحة كيمياوية أو وضع هذه الأسلحة تحت تصرف أعداء ألداء للولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل، التي أتى أوباما على ذكرها الاثنين.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول أميركي، طلب عدم ذكر اسمه، quot;نحن نقول ذلك من باب الردع بطبيعة الحال، ولكنه واقع قائم أيضًا. فالولايات المتحدة لن تكون قادرة على الوقوف موقف المتفرج، إذا بدأت سوريا استخدام أسلحة كيمياوية ضد شعبهاquot;.
وكانت وزارة الخارجية السورية تعهدت في أواخر تموز/يوليو ألا تُستخدم الأسلحة الكيمياوية إلا ضد تدخل خارجي، ولن تُستخدم ضد الشعب السوري أو مدنيين خلال الأزمة quot;بأي حال من الأحوالquot;.
ودعا خبراء واعضاء في الكونغرس الأميركي إدارة أوباما إلى عدم الاكتفاء بما قدمته حتى الآن لدعم المعارضة. ومن هؤلاء عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري جون ماكين، الذي طالب بتكثيف النشاط الاستخباراتي، والعمل على إقامة quot;ملاذات آمنةquot; في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. ولكن البيت الأبيض لا يواجه ضغوطًا شعبية أو سياسية يُعتد بها للتدخل رغم استمرار سفك الدماء.
وما زالت العقبات القانونية والدبلوماسية، التي تعترض طريق التدخل، عقبات لا يمكن تذليلها لأسباب، في مقدمها تعهد روسيا والصين بعد التدخل الأطلسي في ليبيا بمنع صدور أي تفويض من الأمم المتحدة يمكن أن يؤدي إلى حملة عسكرية دولية. ويصرّ حلفاء أوروبيون، مثل بريطانيا وتركيا، على أن مثل هذا التفويض شرط لازم للتدخل الدولي.
في غضون ذلك، يواصل القادة العسكريون في البنتاغون إعداد الخطط تحسبًا لصدور أوامر ببدء عمليات عسكرية، من فرض منطقة حظر جوي، كما في ليبيا، إلى إرسال قوات خاصة لتحييد أسلحة النظام غير التقليدية في حال استخدامها أو انتقالها خارج سيطرة النظام. وأشار مسؤولون في البنتاغون إلى أن سيناريو أسوأ الاحتمالات يتطلب إرسال عشرات آلاف الجنود، الأمر الذي قال المسؤولون إنه سيؤجّج الوضع في منطقة متفجرة أصلاً.
لم يذهب أوباما إلى حد التهديد الصريح برد عسكري في حال استخدام الأسلحة الكيمياوية، ولكنه وصف ذلك بالخط الأحمر، الذي سيغير حساباته بشأن الرد الأميركي. وقال مسؤولون أميركيون إن الهجوم بأسلحة كيمياوية سيغير مواقف دول أخرى أيضًا، بينها روسيا، ويزيد احتمالات الرد الدولي.
تنحصر سياسة الإدارة الحالية أساسًا في تشديد الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على نظام الأسد من خلال العقوبات وتقديم مساعدات إنسانية للسوريين في الداخل والخارج، و25 مليون دولار من المعونة quot;غير الفتاكةquot; للمعارضة، بما في ذلك إلى الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة.
واستُخدمت هذه المعونة لشراء معدات اتصالات تمكِّن المعارضة المسلحة وغير المسلحة من تنسيق الهجمات بصورة أفضل والتخطيط لتسلم مقاليد السلطة. كما استبعدت الإدارة الأميركية تسليح المعارضة للسبب نفسه عمومًا، كما يقول المسؤولون الأميركيون، أي إن زيادة تسليح المعارضة سيزيد الحرب استعارًا.
على سبيل المثال فإن بعض المقاتلين طلبوا تزويدهم بصواريخ أرض ـ جو تُطلق من الكتف، يقول خبراء إنها ستقلب موازين القوى في القتال بالتصدي لهجمات الطيران الحربي. لكن المسؤولين يشيرون إلى خبرة أفغانستان في الثمانينات عندما قدمت وكالة المخابرات المركزية صواريخ ستنغر إلى المجاهدين ضد القوات السوفيتية، ثم أنفق الأميركيون ملايين الدولارات، محاولين رصدها واستعادتها بعد انسحاب السوفييت وصعود طالبان.
وقال ملتون بيردن، الذي كان له دور في الدعم السري الذي قدمته وكالة المخابرات المركزية للمجاهدين الأفغان إبان الثمانينات، بما في ذلك تسليحهم بصواريخ ستنغر، لصحيفة نيويورك تايمز، quot;إن عقدة سوريا اليوم تجعل أفغانستان عام 1985 تبدو في غاية البساطةquot;. وأضاف متسائلاً quot;من هم المعارضة السورية؟ لمن ستؤول هذه الأسلحة؟quot;.
من جهة أخرى يتمثل الخطر المترتب على الامتناع عن عمل المزيد لدعم المعارضة في أن واشنطن يمكن أن تفقد صداقة أولئك الذين يناضلون من أجل إسقاط نظام الأسد على النقيض من موقف قادة ليبيا الجدد، الذين يتخذون موقفًا إيجابيًا من الولايات المتحدة.
كما تُساق وجهة نظر أخلاقية تقول إن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي تدخّلا في ليبيا، لأن التدخل فيها كان سهلاً، ولكنهما لا يتدخلان في سوريا لأن التدخل فيها أصعب. وفي حين أن مسؤولين في الإدارة الأميركية يعبّرون في مجالسهم الخاصة عن شعورهم بالإحباط، لأن النزاع يخرج من نطاق السيطرة، فإنهم يقولون إن هذا وحده يؤكد خطر الانجرار إلى نزاع إقليمي أو حتى نزاع دولي أوسع.
وقال خبير الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أندرو تابلر في اتصال هاتفي مع صحيفة نيويورك تايمز من بيروت quot;إن المعارضة بحاجة ماسة إلى السلاح إذا كنا لا نريد لهذا النزاع أن يطول، كما هو مساره الآنquot;. وأضاف تابلر أن الإدارة الأميركية إذا كانت لا تريد أن تعتمد خيار التدخل فعليها أن تسلح المعارضة بالقدرة على إنهاء النزاع بنفسها.
وتقول الإدارة الأميركية إنها تفعل ما بالوسع لتسريع نهاية نظام الأسد، فيما تخطط وزارتا الدفاع والخارجية للانتقال السياسي، الذي سيعقب سقوط النظام، بمعالجة قضايا، مثل تأمين ترسانة الأسلحة الكيمياوية. كما تُنَفذ عمليات خفية أخرى رغم أن حجمها غير معروف. وقال مسؤول أميركي إنه يرفض المعادلة الصفرية التي تذهب إلى quot;أنك إما تتدخل عسكريًا أو أنك لا تفعل شيئًاquot;.
التعليقات