على الرغم من الانقسامات التي يعيشها العراقيون، إلا أنهم توحّدوا خلف منتخبهم في فوزه، فأطلقوا الأعيرة النارية، وفي خسارته انتحر بعضهم، ما ينمّ عن تطرّف عاطفي يواكب الهمّ الكروي.


وسيم باسم من بغداد: تلقى العراقيون نبأ خسارة منتخبهم الوطني في مباراته النهائية أمام الإمارات في بطولة خليجي 21 بهدفين مقابل هدف واحد، بعاطفية وتلاحم، لم يتوقعه كثيرون، بحكم الخلافات السياسية والظروف الأمنية التي تجتاح بلدهم. لكنهم بدوا في الوقت نفسه أكثر عنفًا.

يعتقد الباحث الاجتماعي والناشط الكروي كريم محسن أن هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها حوادث بهذا الحجم في العراق، كحوادث الانتحار والعنف، التي رافقت المباريات، إضافة إلى المتابعة المليونية للدورة، ناسبًا أسباب ذلك إلى الانفتاح الإعلامي وانتشار الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، وإلى أن العراقيين يبحثون عن الجامع المشترك في ما بينهم، بعدما نشبت الخلافات السياسية المستعصية على الحلّ، إضافة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة، التي جعلت أمزجة الناس متباينة ومتنافرة.

عواطف جياشة
بسبب الخوف من العنف، والعواطف الجيّاشة المتطرفة، وأصوات الطلقات النارية والمفرقعات، تمنّى بعض المواطنين، كالمدرس حميد حسين، لو أن المنتخب العراقي خسر كل مبارياته، تخلّصًا من العنف.

يضيف: quot;الانتحار وإطلاق العيارات النارية تعبير عن السأم من الأوضاع المتردية، ليصبح التعبير عن ذلك كله مكرّسًا في حادثة خسارة المنتخبquot;. ويقول النقيب في الشرطة محمد فاروق إن الإحصاءات والوقائع تشير إلى ارتفاع وتيرة الشغب، التي ترافق مباريات كرة القدم، بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

يضيف: quot;يعتقد المواطن أن النظام الديمقراطي يوفر له حرية التصرف، وفق ما يحلو له، من دون رادع، فلا يحسن التصرف في مثل هذه الظروف، أو حتى يظنّ أنه فوق القانونquot;.

انتحار شابين
بعد خسارة المنتخب العراقي السبت الماضي، أقدم إياد عطا الله خلف (24 عامًا) على الانتحار شنقًا حتى الموت، بعدما لفّ حبلاً حول رقبته، يتدلى من مروحة سقفية في منزله في منطقة البو ذياب في محافظة الرمادي. وفي الوقت نفسه، انتحر علي محمد من منطقة الخليلية في البصرة بإطلاق رصاصة على رأسه.

وذكر جعفر الطائي من محافظة بابل أن شابًا حاول إحراق نفسه، لكن تحلّق الناس من حوله حال دون ذلك. كما سعى عدد من الشباب إلى تكسير سيارات متوقفة في كراج العلاوي في العاصمة بغداد، في دلالة على الاستياء الشعبي مما حدث.

ثأر قديم
يؤكد عادل علي، من طوارئ مستشفى الحلة في محافظة بابل، أن المستشفى شهد العديد من الحالات المرضية النفسية بسبب الخسارة. أضاف: quot;استقبل المستشفى مصابين جراء أعمال شغب، وحالات ارتفاع ضغط وسكرquot;.

وقتل جبار علي الكناني (24 عامًا) إثر إصابته بطلقات نارية من مسافة قريبة، أطلقها عليه ابن عمه، الذي استغلّ الفوضى العارمة التي أعقبت فوز المنتخب العراقي وتأهّله لمباراة الختام في بطولة خليجي 21 على حساب نظيره البحريني، لتسوية ثأر قديم، بحسب ما أفاد مصدر أمني.

إطلاق نار طائش
أدت حادثة أخرى في المحمودية إلى إصابة جعفر حسن (26 عامًا) في ذراعه، بسبب إطلاق نار طائش بعد انتهاء مباراة بين العراق والبحرين.

يروي حسن: quot;خرجت مع العشرات بعد انتهاء المباراة، وكان بعضهم يحمل أسلحة نارية، وكانت تسمع أصوات إطلاق نار من كل مكان، فأصبت في يدي، ما استدعى نقلي إلى المستشفىquot;. واشتعلت سماء بغداد وبقية مدن العراق، بسبب كثافة إطلاق النار في الهواء، وبشكل عشوائي، بعد تأهّل العراق إلى نهائي كأس الخليج.

يقول أمين حسن، من شرطة بغداد، إن مستشفيات بغداد استقبلت مئات الإصابات خلال دورة خليجي 12. ويذكّر حسن بما حدث في ملعب مدينة دهوك قبل سنوات، حين نشبت أعمال عنف وإطلاق أعيرة نارية خلال المباراة التي جمعت فريقي زاخو ودهوك، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف المشجّعين.

يقلدون الغرب
يحثّ الحكم الرياضي وليد علاوي على فرض القانون، الذي ينظم فعاليات المشجّعين داخل الملاعب وخارجها، مترافقًا مع نشر الوعي حول ضرورة الفعاليات السلمية والتعبير عن العواطف بهدوء وعقلانية.

وبحسب علاوي، فإن عددًا كبيرًا من المشجّعين العراقيين يقلِّدون ما يحدث من أعمال شغب في بعض الملاعب الغربية. يتابع: quot;يسعى المشجعون إلى إظهار شجاعتهم في تحمّسهم للفريق الذي يناصرونه، حتى وإن سبب ذلك خسائر معنوية وماديةquot;.