أكد الطبيب القبطي المقيم في واشنطن ناهل نبيل، أنه لا توجد حريات في الولايات المتحدة باستثناء تعاطي الماريغوانا، مشيراً في حديث خص به quot;إيلافquot; إلى أن مؤشرات إفلاس هذا البلد ستظهر عام 2017، وقال إن باراك اوباما لم يكن من البداية يؤمن بأن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري.

القاهرة: رغم أنه في العقد الخامس من عمره، إلا أن إقباله على الحياة وابتسامته العريضة، تنبض حيوية شاب في العشرينيات، فلم يتحفظ في حديثه لـ quot;إيلافquot; حينما أسهب في سرد حقيقة الواقع السياسي والاجتماعي وربما الأمني بالولايات المتحدة، ولم تغب عنه النظرة الفلسفية عندما غلبت عليه روح الفيلسوف حال المقارنة بين حياته السابقة في القاهرة، وبين إقامته الحالية بعد هجرته منذ سنوات للولايات المتحدة.
الطبيب القبطي ناهل نبيل، أستاذ مساعد العناية المركزة بجامعة فاندل بيلت van drbelt بولاية ناشفل تنيسي الأميركية، قرر العودة للقاهرة، ليرتمي في أحضان وطنه لأيام، بينما استرقت والدته كاميليا سمعان لحظات من أيام العودة، عندما لاصقت تنقلاته من مسقط رأسه بمحافظة الشرقية، مروراً بزيارة القاهرة حيث الأهل وفصيل كبير من العائلة، وصولاً لدرجات سُلم الطائرة، التي أعادته من العاصمة المصرية إلى واشنطن.
لم يكن حديث quot;إيلافquot; إلى الطبيب القبطي ناهل نبيل تقليدياً، وإنما انطوى في مجمله على مفارقات وربما محاور متعددة، بدأت من اتخاذه قرار الهجرة خارج الحدود المصرية، وإعادة اكتشافه للولايات المتحدة بعد الإقامة فيها، ثم حديث مستفيض عن تعاطيه مع حالة مصر السياسية منذ ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) وحتى الآن، واضعاً النقاط على الحروف في نفوذ وثقل اللوبي العربي بالولايات المتحدة، وموقف الرئيس الأميركي من ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) في مصر، وعلاقة ذلك بالرأي العام الأميركي، فضلاً عن تأثير الأخير في عدد ليس بالقليل من مواقف وقرارات البيت الأبيض.
والى نص الحوار:
في البداية، لماذا فكّرت بالأساس في الهجرة للولايات المتحدة؟
الحقيقة تؤكد وجود العديد من أسباب تفكيري في الهجرة، فلم تكن الولايات المتحدة هى الهدف، وإنما كان الهدف هو الهجرة في حد ذاتها، إذ إنني كنت استعد في البداية للهجرة إلى لندن، وأعددت الأوراق اللازمة لذلك، لكن الظروف حالت دون خروج الخطوة إلى حيز الواقع، فغيّرتُ وجهتي إلى الولايات المتحدة. ولا أخفيك سراً أن دوافع الهجرة كانت شخصية وعامة، فلم استشعر في وطني تقديراً أو على الأقل تحقيقاً لطموحاتي، فضلاً عن شبح الاضطهاد الذي يطارد معظم الأقباط في مختلف مؤسسات الدولة. أما على الصعيد العام، فكان لغياب النظام وانعدام تكافؤ الفرص دور كبير في قرار الشباب بمختلف طوائفهم بالهجرة من الوطن، إذ شاركني قرار الهجرة عدد كبير من الزملاء والأصدقاء المسلمين.
الحياة كما تحب
وهل وجدت ضالتك بعد الهجرة لواشنطن؟
نعم وجدت ضالتي، وإلا لما كنت أقمت هناك هذه المدة الطويلة، فالنظام هناك يتحكم في كل كبيرة وصغيرة، ويسير العمل في إطار هيكل ديناميكي، يضع الأمور في نصابها الصحيح بغض الطرف عن الهوية أو العرق أو غيرهما.
برأيك، ما الفارق بين نمط حياة الشعب الأميركي والشعوب العربية؟
يمكن اختزال الفارق بين حياة الشعب الأميركي وغيره من الشعوب العربية في نقطة واحدة، وهي أن الأول يعيش حياته كما يحب، بينما تعيش الشعوب العربية حياة مفروضة عليها وروتينية إذا جاز التعبير، فالمواطن الأميركي يمكنه تغيير مسار حياته وعمله، إذا اكتشف أنها لم تعد تتناغم وطموحاته، وتساعده الظروف المحيطة به على الابتكار وتطوير نفسه، بينما يختلف الأمر تماماً في الدول العربية، فالمواطن العربي خاصة في مصر رهين البحث عن توفير احتياجاته، لذلك لا يمكنه الخروج من دائرة العمل المفروض عليه، حتى إذا لم يكن مقتنعًا به، وربما يكون ذلك سبباً في إحباطه، والحيلولة دون تنمية تدفق مواهبه.
لاحظنا تباينًا كبيرًا في مواقف الإدارة الأميركية واوباما على وجه الخصوص في الحكم على المشهد السياسي المصري، فاعتبر الرئيس الأميركي وغيره من صانعي القرار السياسي بواشنطن أن ثورة 30 حزيران (يونيو) انقلاب عسكري، وسرعان ما تراجع عن ذلك، لا سيما في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فما تفسيرك؟
منذ اليوم الأول لاندلاع ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) لم يستطع الرئيس الأميركي أو غيره من الدوائر السياسية في البيت الأبيض تقييم الأوضاع في مصر، رغم ذلك فأوباما كان لا يميل لوصف ما جرى في مصر بالانقلاب، لكنه كان ينتظر توجه الرأي العام، الذي بات يتحكم كثيراً في قراراته، كما أنه آثر التريث والبحث عن الحقيقة عبر تواصله مع مختلف الدوائر السياسية في القاهرة، وحينما وصل إلى الحقيقة أعلن ذلك أمام الجميع.

زوال النظام
لكن الواقع يعكس مدى دعم الإدارة الأميركية لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين؟
لا أتصور ذلك، وربما بدا ذلك بعد تعامل الإدارة الأميركية مع نظام مرسي، وهو أمر حتمي، إذ أن هذا النظام فرض نفسه على الجميع عبر انتخابات حرة، فكان من اللازم التعاطي معه، إلا أنه بعد زوال النظام، كان من اللازم أن تتعامل الإدارة الأميركية مع المؤسسة العسكرية المصرية، لا سيما أنها المؤسسة التي تمثل المصريين حالياً.
وماذا عن موقف الرأي العام في الولايات المتحدة؟
القاعدة العريضة من الأميركيين لا تكترث بما يجري في مصر أو في دول ما يُعرف بالربيع العربي بشكل عام، فمعظم الأميركيين لا يستطيعون تحديد موقع دولة مثل مصر أو سوريا أو العراق على سبيل المثال في الخارطة العالمية، وإنما ينصب اهتمام جل الأميركيين على القضايا الداخلية مثل الوضع الاقتصادي وملف التأمينات الذي لم يحقق فيه اوباما انجازاً يُذكر، فضلاً عن مكافحة الإرهاب، فما يعني الرأي العام في الولايات المتحدة إذا جرى الحديث عن السياسة الخارجية، هو الحيلولة دون توريط الجيش الأميركي في دائرة جديدة من الحروب بعد تجربتي أفغانستان والعراق، ولعل السبب الرئيسي في تراجع الإدارة الأميركية عن التعامل عسكرياً مع سوريا هو رفض الرأي العام في الولايات المتحدة الإقدام على تلك الخطوة.
رغم ذلك فطن أكثرية المثقفين والمهتمين الأميركيين وبعد فترة من ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) إلى أن ما جرى في مصر ليس انقلاباً عسكرياً، وإنما هو ثورة شعبية قادها المصريون وحماها الجيش، للحيلولة دون اندلاع حرب أهلية ربما تعيد إنتاج المشهد السوري في مختلف المدن المصرية.
هل كان للوبي العربي والمصري على وجه التحديد أي دور في نقل حقيقة ما جرى في مصر للرأي العام الأميركي والإدارة الأميركية؟
للأسف الشديد، دور اللوبي العربي والمصري على وجه الخصوص ليس مؤثراً، صحيح أنه اندلعت مظاهرات أمام البيت الأبيض، للتعبير عن أن ما جرى في مصر هو ثورة وليس انقلاباً، كما طالبت التظاهرات بوقف ما وصفوه بدعم الإدارة الأميركية لجماعة الإخوان المسلمين ونظام مرسي المعزول، إلا أنها كانت محاولات محدودة للغاية وربما هامشية.
حرية أميركا
إذا كانت الولايات المتحدة تنادي بحرية الشعوب، فما حال الحريات فيها؟
لن تصدق وربما سيكون ذلك انطباع كل من يطالع كلماتي، حينما أقول إنه لا توجد حريات في بلد الحريات وفقاً لما يشاع عنها، فحرية الشعب الأميركي باتت مختزلة في أمور هامشية فقط مثل تدخين الماريغوانا وممارسة الحب، وكذلك في إبداء الرأي طالما أنه بعيد عن التأثير في الخطوط العريضة لسياسة الإدارة الأميركية، فخلال السنوات القليلة الماضية ومنذ أحداث الحادي والعشرين من أيلول (سبتمبر) عام 2001 على وجه التحديد، باتت الولايات المتحدة تُدار بسياسة الدولة البوليسية، إذ تسيطر شركات الأمن الحكومية المعروفة بـ (NSA) على كل كبيرة وصغيرة في مختلف الولايات، فتحركات واتصالات وأدق تفاصيل رسائل البريد الالكتروني للأميركيين وغيرهم مرصودة بداعي الحفاظ على الأمن، وتجنب ويلات الهجمات الإرهابية، كما أن الإدارة الأميركية تخصص أموالاً ضخمة لميزانية الـ (NSA)، لدرجة أن ميزانية تلك الشركات أضحت تفوق وكالة الاستخبارات المركزية الـ (CIA)، وربما كان للـ (CIA) دور مباشر في تسريب الكم الزاخر من المعلومات حول الحياة الخاصة للأميركيين، لفضح ما يجري في الداخل الأميركي على الصعيد الأمني وتأليب الرأي العام ضد ما يجري، ولعل ما يؤكد ذلك تراجع رئيسة البرازيل quot;ديلما روسيفquot; عن زيارة للولايات المتحدة بعد انكشاف تجسس شركات الأمن الحكومية في الولايات المتحدة على اتصالات سفارة بلادها لدى واشنطن.

كأنك تحاول التلميح إلى وجود صدام بين المؤسسات الأمنية في الولايات المتحدة؟
هذا صحيح إلى حد كبير، فشركات الأمن الحكومية توغلت في كل كبيرة وصغيرة من حياة المواطن الأميركي بداعي حمايته من الضربات الإرهابية المتوقعة، وربما تُمنح تلك الشركات صلاحيات على حساب المؤسسات الأمنية الأخرى، ويتوغل عملاؤها في مختلف الهيئات والشركات الضخمة مثل مايكروسوفت بذريعة أنهم مستخدمون، لكنهم في الحقيقة عملاء لشركات الأمن الحكومية.

وهل تعطي الحكومة الأميركية صلاحيات واسعة لشركات الأمن الحكومية لمجرد الحماية من موجات إرهابية متوقعة؟
هذا هو الغطاء المُعلن، لكن الحقيقة تؤكد أن الحكومة الأميركية تخشى ثورة الأميركيين، فالأوضاع الاقتصادية باتت متردية للغاية، وعجزت إدارة اوباما وغيرها من الإدارات السابقة في التعاطي مع أزمات اقتصادية واجتماعية ليست بالقليلة، مثل ملف التأمين الصحي وغيره، فضلاً عن وصول الدين الخارجي الأميركي إلى 17 ترليون دولار وفقاً لتقديرات موثقة، ما يعني أن الولايات المتحدة مقبلة على انفجار وثورة غير مسبوقة في تاريخها، وتؤكد تقديرات أميركية أن إفلاس الولايات المتحدة وربما سقوطها سيكون في عام 2017 المقبل، أي بعد نهاية فترة ولاية اوباما ودخول رئيس جديد للبيت الأبيض.
وما الاستعدادات التي اتخذتها شركات الأمن الحكومية التي يدور الحديث عنها لثورة الأميركيين المتوقعة؟
تلك الشركات تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة، ولا يقتصر ذلك على الأسلحة الخفيفة فقط، وإنما تمتلك مدرعات ودبابات ومروحيات، ويؤكد ذلك أن دورها سيكون قمعياً لأقصى درجة، إذا ما سادت الفوضى البلاد نتيجة للفقر والجوع الذي يهدد الولايات المتحدة بفعل انهيارها الاقتصادي. وفي الوقت الذي ينص فيه الدستور الأميركي على أنه ليس من حق الحكومة جمع السلاح من المواطنين لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، تسعى دوائر فاعلة في الولايات المتحدة إلى تعديل هذا البند، حتى لا يدخل الأميركيون في صراع مسلح مع شركات الأمن الحكومية في المستقبل المنظور.