يرى سودانيون مقيمون في مصر أن نظام البشير مستبد مستنكرين أن يكون الناس في بلادهم الشهيرة بالخيرات الوفيرة يموتون جوعًا، متوقعين أن تنتقل رياح الربيع العربي إلى السودان لتقتلع الطبقة الحاكمة من جذورها درءًا لانقسامات جدية قد تطال دولتهم.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: فجأة استيقظ العالم على تظاهرات عارمة في السودان، وصفها المسؤولون السودانيون، وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير، بأنها quot;مؤامرة من الخارجquot;، على طريقة جميع زعماء العالم العربي في التعاطي مع مطالب شعوبهم.

بينما رآها مراقبون سياسيون أنها محطة جديدة، زحف نحوها ما بات يعرف بـquot;الربيع العربيquot;، الذي انطلق من محطته الأولى في تونس في نهاية شهر أغسطس/آب من العام 2010، فأسقط الرئيس زين العابدين بن علي، ووصل إلى المحطة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأزاح الرئيس حسني مبارك عن الحكم، وهو الأمر نفسه الذي حصل مع اليمن، ثم سوريا، إلا أن تلك التظاهرات لم تنضج بالشكل الذي يمكن معه تصنيفها، هل هي ثورة جديدة ضمن ثورات الربيع العربي، أم مجرد موجة احتجاجية عابرة، سوف تزول بزوال أسبابها؟.

رياح الربيع العربي
حسب وجهة نظر قرّاء quot;إيلافquot;، الذين عبّروا عنها ضمن الاستفتاء الأسبوعي للصحيفة الالكترونية، فإن التظاهرات التي يشهدها السودان، ما هي إلا ثورة جديدة ضمن ثورات الربيع العربي.

وكانت quot;إيلافquot; طرحت على قرّائها السؤال الآتي: quot;هل وصلت رياح الربيع العربي إلى السودان؟quot;. وخيّرتهم بين الإجابة بـquot;نعمquot;، أو quot;لاquot;. شارك 2215 قارئًا في الاستفتاء، وانحازت الغالبية الساحقة منهم إلى الإجابة بـquot;نعمquot;، وقدّرت بـ1577 قارئًا، بما يعادل 71 %. بينما رأت الأقلية، وعددها 638 قارئًا، بنسبة 29 % من إجمالي القرّاء، أن السودان مازال بعيدًا عن رياح الربيع العربي.

السودانيون في مصر ضد البشير
في قلب العاصمة المصرية القاهرة، وتحديدًا في ممر متفرّع من شارع عدلي، يجلس العشرات من السودانيين، في مقهى ومطعم يحمل اسم بلدهم، وهو مقر تجمعهم. السودانيون في مصر مشدودون لما يحصل في بلدهم، ويجلسون أمام شاشة تلفزيونية كبيرة، يراقبون الأحداث عبر التلفزيون السوداني والقنوات الفضائية الدولية.

قال أحدهم، ويُدعى زين خطاب، ويعمل محاسبًا في مؤسسة دولية في مصر، إن النظام السوداني مستبد. وأضاف لـquot;إيلافquot;، بينما كان يجلس في المقهى ويدخّن الشيشة: quot;الناس في بلدنا يموتون من الجوع، بينما الخيرات فيه وفيرة، ويستمتع بها حاشية البشير فقطquot;. وتابع: quot;الأزمة ليست في زيادة أسعار المحروقات فقط، بل في زيادة معدلات الفقر، رغم أن الخبراء يرون أن خيرات السودان قادرة على إشباع العالم العربي كلهquot;.

الفقر والتقسيم
السودانيون في مصر يتمنون أن تهبّ رياح الربيع العربي على بلدهم بقوة، وتقتلع نظام حكم عمر البشير من جذوره. وقال عبد النعيم عبادي، سوداني يعمل بائعًا للعطور في القاهرة، لـquot;إيلافquot;، إن هذا النظام مستبد وفاسد، مشيرًا إلى أنه تسبب في أن تحط كل المصائب على رؤوس السودانيين.

وأكد أنه حاصل على ليسانس حقوق، ولم يستطع أن ينال حقه في بلده. واتهم عبادي نظام البشير بتقسيم السودان إلى دولتين، الجنوب والشمال، بسبب سياساته الإقصائية، والتي تتسم بالغرور والاستعلاء على السودانيين، منوهًا بأن البشير تسبب في اندلاع حروب في الشرق في دارفور، واتهم البشير بارتكاب مجازر ضد السودانيين، متوقعًا أن ينفصل إقليم دارفور في النهاية، ويتبع ذلك انفصال أقاليم أخرى، ليتم تقسيم السودان إلى دويلات بسبب هذا النظام.

كبت سوداني
ووفقًا لتصريحات بكري عبد العزيز، المنسق الإعلامي لحركة quot;تمردquot; السودانية، فإن ما يحدث في السودان ثورة. وأضاف في تصريحات له أن quot;الشعب السوداني مكبوت بسبب الحكم العسكري وحكم جماعة الإخوان المسلمين في السودانquot;. ولفت إلى أن مطالب الشعب هي إسقاط نظام البشير، الذي قسّم السودان، متوقعًا أن الشعب السوداني سيعيد دولته موحدة مرة أخرى.

واتهم عبد العزيز quot;النظام الحالي في السودان بتفرقة الشعب السوداني تفرقة عنصريةquot;، كما اتهم المعارضة السودانية التقليدية بـquot;المشاركة في المسؤولية مع النظام عن الفقر والاستبداد والتقسيم، الذي حلّ بالسودانquot;.

ثورة رغم الحروب الأهلية
تتوقع صحيفة الغارديان البريطانية أن تتطور التظاهرات الشعبية إلى ثورة، رغم أن السودان يعاني من حروب أهلية وصراعات عرقية، مشيرة إلى أن سياسة الإنكار، التي يتبعها نظام حكم البشير في ما يخص أزمات الفقر والتقسيم، إضافة إلى صدمة السودانيين من أعداد الضحايا، واليأس من الإصلاح السياسي والاقتصادي، أفسحت الطريق أمام موجة الغضب لتتصاعد وتتسع رقعتها.

أحزاب كرتونية
إنها إنتفاضة شعبية، سوف تفضي إلى ثورة شعبية تطيح بالنظام، إذا إستمر في عناده واستبداده. وقال الدكتور محمد فتحي، الخبير في الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات العربي، لـquot;إيلافquot;، إن تلك الانتفاضة كانت لها مقدمات منذ سنوات، مشيرًا إلى أن تظاهرات خرجت ضد الفقر، وأخرى من أجل حرية التعبير وحرية المرأة.

وأضاف أن نسبة الفقر في السودان تصل إلى نحو 80 أو 90%، بينما يسيطر على ثروات البلاد النسبة الباقية، وهم رجال الأعمال وقيادات وضباط الجيش والأمن الداخلي. ولفت إلى أن الأحزاب في السودان quot;كرتونيةquot;، شأنها شأن جميع الأحزاب المعارضة في الأنظمة الإستبدادية، مشيرًا إلى أن نظام البشير يقتات على القمع، سواء قمع حرية الرأي والتعبير أو قمع حرية المرأة، وضرب أمثلة بتعرّض النساء للجلد بالسياط، عقابًا على ارتداء البنطلون.

وذكر فتحي أن البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السودان مهيأة لثورة شعبية قوية على غرار ثورات الربيع العربي، منوهًا بأن تلك الثورة لو قدّر لها النجاح، لن تكرر أخطاء باقي دول الربيع العربي، بل سوف تستفيد منها، غير أنه أعرب عن قلقه من أن تؤدي إلى المزيد من التقسيم لدولة السودان.