سلطت عملية خطف طيارين تركيين في لبنان قبل نحو شهرين، واطلاق سراحهما السبت، الضوء على علاقات ملتبسة وخطرة لتركيا مع عدد من المجموعات السورية الجهادية، ما اثار مخاوف الحلفاء الغربيين لأنقرة.


اسطنبول: عاد الطياران العاملان في شركة الخطوط الجوية التركية الى اسطنبول مساء السبت بموجب اتفاق معقد للتبادل أفرجت بموجبه مجموعة سورية معارضة عن تسعة لبنانيين شيعة، كما تضمن الاتفاق ايضا افراج السلطات السورية عن اكثر من مئة معتقلة سورية.
وكان الهدف من خطف الطيارين التركيين دفع انقرة الى الضغط على المجموعة المسلحة السورية المعارضة للافراج عن اللبنانيين التسعة. واثر وساطة قطرية تمت عملية التبادل واطلق سراح اللبنانيين مقابل اطلاق سراح الطيارين التركيين مساء السبت.
وسارع وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الى التعبير عن فرحه باطلاق سراح الطيارين مشيدًا بالدبلوماسية التركية في هذا الصدد. وقال quot;إن نجاح هذه العملية يؤكد مرة اخرى الدور الاقليمي المهم لتركياquot;.
الا أن آخرين لا يشاطرونه هذا الرأي، ويعتبرون أن عملية خطف الطيارين جاءت نتيجة لعبة خطرة تمارسها حكومة رجب طيب اردوغان في ما يتعلق بالازمة السورية.
وقال دبلوماسي غربي لفرانس برس quot;لقد دعم الاتراك بعض المجموعات السورية المتشددة مراهنين على سقوط سريع لنظام الاسدquot;، متداركاً quot;الا أنهم يدركون اليوم أن هؤلاء الذين قاموا بتسليحهم يمكن أن يسببوا لهم الكثير من المشاكلquot;.
وبعد أن كانت الدبلوماسية التركية تقيم افضل العلاقات مع نظام بشار الاسد في تركيا استنادًا الى شعار داود اوغلو quot;صفر مشاكل مع الجيرانquot;، انقلب اردوغان ضد النظام السوري بعد اشهر قليلة من اندلاع الثورة عند جاره الجنوبي وتحول الى داعم اساسي للمجموعات السورية المعارضة التي تعمل على اسقاطه.
من الناحية الرسمية تقدم تركيا الدعم الى الائتلاف السوري المعارض. الا أنه ومنذ أشهر قليلة، هم كثر الذين يتهمون تركيا بدعم تنظيمات متطرفة مرتبطة بالقاعدة.
ففي ايلول/سبتمبر ندد رئيس حزب السلام والديموقراطية الكردي في تركيا صلاح الدين ديمرطاش بالدعم الذي تقدمه انقرة الى مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق والشام والى جبهة النصرة في مواجهتهما مع المقاتلين الاكراد السوريين في شمال سوريا.
وفي مطلع تشرين الاول/اكتوبر، نددت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية بما اعتبرته تسامح السلطات التركية مع المجموعات السورية الجهادية المتهمة بتصفية نحو 70 مدنيًا مطلع آب/اغسطس الماضي في قرى علوية غرب سوريا. وقالت هذه المنظمة في بيان إن quot;تركيا لا يمكن أن تكون ملجأ للذين ينتهكون حقوق الانسانquot;.
وفي الاطار نفسه، قال النائب التركي المعارض ايكان اردمير في تصريح لصحيفة زمان quot;إن سياستنا الخارجية لا يمكن أن تكون محصورة بعلاقات مع السكان السنة في سوريا أو مع الاخوان المسلمينquot;، مضيفًا أنه كان quot;حرياً بتركيا أن تقيم فرقًا واضحاً بين جبهة النصرة والجيش السوري الحرquot;.
كما أن الدول الغربية التي لا تزال تمتنع عن تقديم الأسلحة الى المعارضة السورية المسلحة خوفًا من وقوعها بأيدي تنظيمات جهادية متطرفة خرجت ايضاً عن صمتها.
ونقلت الصحافة الاميركية خلال الفترة الاخيرة أن الرئيس الاميركي باراك اوباما اعرب عن قلقه بازاء quot;العلاقات الخطيرةquot; القائمة بين السلطات التركية والمجموعات التي تدور في فلك القاعدة.
وحيال هذه الانتقادات وجدت السلطات التركية نفسها مجبرة على أخذ مسافة من بعض التنظيمات السورية المعارضة والاعلان عن ذلك. وقال وزير الخارجية داود اوغلو قبل ايام quot;إن تركيا لم تأذن ابدًا لمجموعات مرتبطة بالقاعدة بعبور حدودهاquot;.
والدليل الملموس على التوجه الجديد للسياسة التركية قيام المدفعية التركية الثلاثاء الماضي بتوجيه بعض القذائف الى مواقع تابعة للدولة الاسلامية في العراق والشام.
وفي الاطار نفسه، قال سينان اولغن مدير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية في اسطنبول إن quot;تركيا اعادت تقييم سياستها لتجنب الاضرار بعلاقاتها مع حلفائها وخصوصًا خوفًا من أن تتحول هي لاحقًا الى هدف للجهاديينquot;.
واضاف هذا المحلل quot;إلا أن هذه المجموعات تمكنت خلال السنتين الماضيتين من اقامة شبكاتها الخاصة في تركيا وبات من المشروع التساؤل عمّا اذا كان التحول في الموقف التركي قد جاء متأخرًاquot;.