سلطان القحطاني من الكويت: بدأت فكرة الاتحاد الخليجي بين الدول الست المتجاورة، والمتشابهة نُظماً وشعوباً، بمقترح كويتي أوائل الثمانينات، ثم تحول إلى معركة دبلوماسية ضروس مع كل من إيران والعراق، الجارين اللدودين لدول الخليج، حسب ما يتذكره سياسي كويتي بارز، خلال حديث تم في دارته الواسعة ذات السقوف العالية، والثريّات الضخمة المضيئة.
وخلال حديث مع الشيخ محمد الصباح، وزير الخارجية الأسبق، طاف بنا فيه حول بعض من ذاكرته السياسية، أشار إلى أن العراق شعر بالغضب الشديد من فكرة الاتحاد الخليجي، بمجرد إعلان الكويت عنها، إذ اعتبرها صدام آنذاك أنها تهديد مباشر لبلاده، وهي في حرب مستعرة مع إيران، وأن سياسة المحاور تحمل تهديدًا للعراق والمنطقة.
وعلى المقلب الآخر من الخليج، استشاطت إيران غضباً من أن يكون هنالك مجلس يحمل إسم quot;الخليج العربيquot;، وثارت ثائرة الدبلوماسيين في طهران، وجرت حركة دبلوماسية مرهقة على الضفتين لحل الأزمة، تحركت فيها الطائرات، والرُسل، وأسلاك الهواتف، وما تيسر من مخطوطات الرسائل الرسمية المتبادلة بين الفريقين.
ولكن كيف تم الحل؟
يقول الشيخ محمد الصباح، خريج هارفارد، وأستاذ الاقتصاد البارز في جامعة الكويت، خلال حديث حضرته quot;إيلافquot; عن هذه المسألة: quot;إرضاءً للعراق تم إلغاء كلمة quot;اتحادquot; وتحولت إلى quot;مجلس تعاونquot;، وإرضاء لإيران تم إلغاء quot;الخليج العربيquot; وأصبحت quot;دول الخليج العربيةquot;، وبذلك عبرنا تلك الأزمةquot;.
وتأسس المجلس في 25 مايو 1981 بالاجتماع المنعقد في الرياض، المملكة العربية السعودية، وكان كل من الشيخ جابر الأحمد الصباح، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من أصحاب فكرة إنشائه، حتى تحول مع مرور الوقت إلى كتلة مهمة، ذات دور اقتصادي لافت في المنطقة والعالم.
ويمضي الشيخ المستنير، في حديثه، مداعباً مسبحته التي لم يتركها طوال اللقاء: quot;التسمية تغيّرت لكن الهدف هو تعزيز اللجان الداخلية في المجلس. كانت فيه أفكار للتطوير ولابد المضي فيها لكن بحدود. هناك مثل إنجليزي يقول لا تصلح ما ليس مكسوراً... ذلك خوفًا من أن تدخلك في أي شيء لإصلاحه قد يكون له مردود عكسي. أصلح من الداخل، وأكمل على ماهو موجودquot;.
ويدور الحديث حول الطموحات الخليجية لهذه الفكرة: quot;الطموح الآن أعلى. في أوروبا الحكومات مندفعة والشعوب مترددة في قضية الاتحاد الأوروبي، وخائفة من فكرة الاتحاد. نحن لدينا النقيض، أنت ترى الشعوب تتكلم بقسوة عن حكوماتها لأنهم بطيئون في مشروع الاتحاد الخليجي. في الخارج الصورة مختلفة. هناك مظاهرات واضرابات رفضًا للوحدة، ولكن لدينا رغبة شعبية كبيرة في الاتحادquot;.
ويشير إلى حالة خليجية واحدة في أكثر من عاصمة حول بطء فكرة الوحدة الخليجية: ldquo;هنا حديث في الكويت مثل كل دول الخليج عن الحكومات الخليجية من أنها بطيئة في تنفيذ الاتحاد... هذا يعطي التزام للحكومات بالقيام بهذا الاتحاد لأنه رغبة شعبية كبيرةquot;.
ويطوف الصباح في قصة الوحدة الأوروبية: quot;الأوروبيون توحدوا رغبة في إبعاد شبح الحرب للأبد عن أوروبا من خلال اشتراك الكل في أن يكون جزءًا من كتلة اقتصادية دولية كبيرة، نحن في الخليج ليس لدينا هذا الشيء، لكن الشأن الأمني، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، واحدة من الأسباب التي ستعزز هذا الاتحاد الخليجيquot;.
وخلال اللقاء المفتوح، مع الشيخ محمد الصباح، الذي قد يعود قريباً إلى العمل السياسي الداخلي، دارت حوارات، ومقابسات خاطفة، على مدار نحو ساعة من حوار موسع، تم بحضور ألمع الأكاديميين الخليجيين: أحمد عبد الملك، وسعيد حارب، وحسن مدن، وأحمد باتميره.
وقبيل انتهاء الحوار برقت هذه الفكرة كشعاع خاطف: quot;انظر مثلاً تجربة الإمارات، كيف تحولت من إمارات متفرقة، إلى أن أصبحت دولة متوحدة، وهذه قد تكون هي التجربة الأقرب لطريقة الاتحاد الخليجي. نحن لدينا مجتمعات متقاربة، واقتصاد متقارب، ونظم سياسية متقاربة، لذلك نحن مؤهلون أكثر لمشروع الاتحاد الخليجيquot;.
التعليقات