الغارة التي لم تعترف إسرائيل بعد بتنفيذها على سوريا، يرى مراقبون فيها حصة تدريبية لما هو أكبر بكثير خاصة إذا كان الحديث عن استعدادات إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، فيما يرى آخرون أن الغارة خدمت نظام الأسد خاصة عندما يروج أنه مقاوم لإسرائيل.


ما حدث يوم الأربعاء كان بروفة مصغرة للمواجهة بين اسرائيل وايران التي اشارت فيها اسرائيل منذ زمن طويل الى استعدادها لضرب المنشآت النووية الايرانية إذا اقتربت من إنتاج سلاح نووي. إذ هاجمت الطائرات الاسرائيلية هدفا داخل سوريا. وأثار الهجوم ما هو معهود من ادانات اطلقها النظام السوري وايران وروسيا وحزب الله اللبناني فضلا عن التوجسات المرافقة من الرد على الغارة.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن اسرائيل وايران على السواء تتابعان عن كثب الآن ردود الأفعال على الهجوم لتكوين فكرة عن التداعيات الإقليمية التي ستترتب على هجوم اسرائيلي يستهدف منشآت ايران النووية. ويرى مراقبون ان من السابق لأوانه التكهن بما يمكن ان تتعلمه الدولتان ، إن كان هناك ما تتعلمانه ، من درس الأربعاء. ولكن امكانية استخلاص استنتاجات عن امكانية اشتعال مواجهة اسرائيلية ـ ايرانية تضفي أهمية اضافية، ومخاطر اضافية، على كل فعل ورد فعل خلال الساعات والأيام المقبلة.
وبما ان اسرائيل لا تعرف بصورة مؤكَّدة كيف سترد طهران وقادة دول المنطقة على ضربة توجهها الى ايران فإن تصوراتها عن ردود أفعالهم المحتملة يمكن ان تقوم بدور كبير في حسم قرارها بمهاجمة ايران أو العدول عن الفكرة. والمرجح ان طهران من جهتها ستعجل ببرنامجها النووي لأسباب منها الاقتناع بقدرتها على تحقيق ذلك قبل ان تصيبها ضربة اسرائيلية أو اميركية. وبالتالي فإن الهجوم الاسرائيلي داخل الأراضي السورية يوم الأربعاء قد يكون فرصة لإسرائيل وايران على السواء كي تختبرا إرادة احداهما الأخرى. كما تريد كل من إسرائيل وايران ان ترى إن كان بمقدورها تغيير حسابات المخاطر مقابل المكاسب في ضوء ما حدث وردود الأفعال.
حرب إشارات
وكان نزاع نفسي ومعنوي نشأ بين اسرائيل وايران في اطار هذه المواجهة ، أو حرب إشارات. فان طهران تريد إيصال رسالة الى اسرائيل بأن ضرب منشآتها النووية سيكلفها غاليا ويكون عديم الفاعلية بحيث لن تكون له أي قيمة ، بسبب الهجوم المضاد، على ما يُفترض، من حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة ، مثلا. وتريد إسرائيل إفهام طهران بأن ارادتها ، ودفاعاتها ، قوية منيعة ويحسن بايران ان تتخلى عن برنامجها النووي الآن.
ويمكن ان يمنح الهجوم الاسرائيلي على سوريا كلا من اسرائيل وايران فرصة لتأكيد هذه الرسائل مجددا ، حتى لو اقتصر ذلك على التهديدات الخطابية أو الضمنية ، وبذلك تحديد اتجاه تفكيرهما. هل تراوغ اسرائيل بشأن توجيه ضربة احادية الى ايران أم انها حقا ستمضي قدما بمفردها؟ ما مدى استعداد ايران للمخاطرة من اجل برنامجها النووي؟ وفي حالة توجيه ضربة هل سترمي ايران بكل ثقلها في شن هجوم مضاد أم انها ستقر بعقم الانجرار الى مواجهة شاملة؟
انها لعبة مديدة ومعقدة من التهديدات والتهديدات المضادة ، وربما الغش والكذب ايضا.
تعزيز واقع المتشددين
وهذا على وجه التحديد ما يزيد المواجهة تعقيدا. فان جزءًا كبيرا من الرقص الاسرائيلي ـ الايراني يدور حول تفادي مواجهة شاملة. وان بعض الأخطار التي ربما منعت اسرائيل وايران من تنفيذ تهديداتهما ، مثل خطر تصعيد لا يريده أحد ووقوع خسائر كبيرة بين المدنيين وخوض معركة باهظة الكلفة ستعزز في النهاية مواقع المتشددين في الدولتين ، كانت كلها حاضرة في الهجوم على سوريا ايضا. ومثلما ان لدى الطرفين مصلحة في استعراض عضلاتهما لردع احدهما الآخر فانهما حريصان بالقدر نفسه على عدم استفزاز الآخر الى حد دفعه لاستخدام القوة بلا داع.
وغني عن القول ان الفارق سيكون كبيرا بين غارة اسرائيل يوم الأربعاء والهجوم المفترض على منشآت ايران النووية. إذ سيكون على الطائرات الاسرائيلية ان تغطي مسافة ابعد بكثير ، ربما يتطلب قطعها مساعدة من دول أو سكوت الدول التي ستحلق في مجالها الجوي. كما سيتعين ان تكون العملية أوسع بكثير نظرا لتعدد الأهداف وحجمها وحقيقة انها توجد في مواقع محصنة.
ورغم ذلك سيكون من الصعب على قادة الشرق الأوسط ألا يروا أوجه مقارنة بين غارة الأربعاء وامكانية توجيه ضربة اسرائيلية الى ايران كانوا يتوقعونها منذ سنوات.
كيف يمكن للغارة الاسرائيلية ان تساعد النظام السوري؟
لا ريب في ان غارة الأربعاء كانت في غاية الأهمية بنظر القادة الاسرائيليين في وقت بدأت الادانات تتوالى من حلفاء النظام السوري الثلاثة ، ايران وروسيا وحزب الله. وفي حين ان من الجائز تماما ان تكون كلماتهم جعجعة بلا طحين فان هناك امكانية ان يسهم الهجوم في تجديد قضيتهم المشتركة مع الرئيس بشار الأسد.
وبعد عامين صعبين من القتال بين قوات المعارضة والنظام السوري أخذ المحللون الغربيون يبحثون عن تصدعات في شبكة تحالفات الأسد ، الصغيرة لكنها رغم ذلك عززت قواته وساعدت في حمايته من اجراءات أشد حزما يتخذها المجتمع الدولي بحقه. وتتمثل وجهة النظر القائلة ان موسكو أو طهران أو حتى حزب الله قد ينفضون أيديهم من الأسد ذات يوم في ان حملته الوحشية ضد شعبه جعلته مكروها في الداخل وعبئا ثقيلا على حلفائه في الخارج. يضاف الى ذلك ان المنفعة من المجاهرة بدعمه تأخذ بالتناقص مع استمرار القتال وتلاشي احتمالات الحسم لصالحه ولكن هجوم الأربعاء يتيح للأسد وشركائه ، في الوقت الحاضر على الأقل ، أن يؤكدوا وجود هدف واحد يجمعهم هو quot;الممانعة والدفاع عن النفسquot; ضد اسرائيل.
وبالنسبة لكل من ايران وحزب الله فان هذا سبب أكثر وجاهة بكثير لمساعدة الأسد من مهمة انقاذ نظامه في مواجهة انتفاضة شعبية تحولت حربا اهلية ، كما ترى صحيفة واشنطن بوست.
دعم يقتصر على المظاهر
والأرجح ان أي دعم يمكن ان تناله تحالفات الأسد بسبب الغارة الاسرائيلية سيقتصر على المظاهر دون ان يلامس جذور النزاع. فالحرب الأهلية ما زالت حربا دموية بشعة ومكلفة. ولكن هذه العوامل يمكن ان تكون فاعلة في الشرق الأوسط المشحون ايديولوجيا. ورغم ان نظام الأسد وحزب الله مثلا ما زالا يتعاونان بصورة وثيقة ، سيتعين على الحزب في نهاية المطاف ان يبرر دعمه أمام قواعده وجماهيره الشيعية في جنوب لبنان. ولعل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ما زال يتخذ تجاه الأسد الموقف نفسه الذي كان يتخذه قبل الغارة الاسرائيلية. ولكن من الأسهل عليه الآن ان quot;يسوُّقquot; حملة الحزب باهظة الكلفة في سوريا على جماهيره اللبنانية بعدما كان من التحديات التي تواجه نصر الله تفسير التناقض بين ايديولوجيته الشعبوية المعادية لاسرائيل وحملته لدعم دكتاتور بلا شعبية ونظام ارسل قواته بعيدا عن خطوط المواجهة مع اسرائيل.
ومن المرجح ان يكون المنطق نفسه وراء موقف ايران لا سيما إزاء مخاوفها من إقدام اسرائيل على شن ضربات جوية تستهدف منشآتها النووية.
ولكن ما هو ليس بالقدر نفسه من الوضوح تأثير الغارة الاسرائيلية على علاقة الأسد مع موسكو. فان المسؤولين الروس استنكروا الهجوم الاسرائيلي بشدة ولكن اسرائيل ليست قضية كبيرة في موسكو مثلما هي في الشرق الأوسط. ورغم ان صواريخ روسية الصنع من نوع أس أي ـ 17 كانت بين المعدات التي دُمرت ، على ما يُعتقد ، في هجوم الأربعاء فان من غير المعروف ما إذا كان هذا يعني ان اسلحة كانت تُنقل بموافقة موسكو ، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.
ومن اللافت في تفاصيل واقعة الأربعاء الفارق الزمني بين الهجوم الاسرائيلي والادانات التي تعاقبت من حزب الله وايران وروسيا. إذ التزمت جميع هذه الأطراف جانب الصمت بشأن الهجوم دافعة بعض المحللين الى الظن بأن اسرائيل والنظام السوري قررا ان من مصلحتهما السكوت بدلا من لفت الانتباه الى الغارة. وإذا كان الأسد وحلفاؤه قرروا خلاف ذلك فربما لأنهم رأوا في الاعلان عن وقوع الغارة مكسبا. إذ لا شيء يقرِّب بين حلفاء تعبوا من بعضهم بعضا مثلما يقربهم عدو مشترك.