الكويت: اقترح رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة إنشاء مركز عربي متطور للدراسات الإستراتيجية الآسيوية بما فيها كيفية تنمية هذه العلاقات العربية الآسيوية.

وأضاف السنيورة في كلمة ألقاها اليوم في الجلسة الثانية للمؤتمر الدولي الأول لمجلس العلاقات العربية والدولية المنعقد في الكويت يومي 11 و 12 شباط (فبراير) الجاري أن إحدى مهام هذا المركز المقترح تعليم اللغات الآسيوية للمتخصصين من العرب بما فيهم الدبلوماسيون العرب الذين يصار الى إرسالهم الى تلك البلدان.

تلمس الواقع الآسيوي

وقال في تلك الجلسة التي خصصت لموضوع quot;الوطن العربي والشرقquot; إن quot;نظرةً سريعة على خارطة العالم تبين لنا الأهمية النسبية لهذا الشرق الآسيوي الذي يمتد من الهند والباكستان وبنغلادش والصين ودول جنوب شَرقيّ آسيا بما فيها ماليزيا وأندونيسيا واليابان وكوريا وأستراليا والفلبين وهي الدول التي تمتد على اتساع محيطين من أكبر محيطات العالم وتضم بين جنباتها قرابة نصف سكان العالم، كما تضم أيضاً قرابة ستين بالمائة من مجموع المسلمين في العالم والذين دخلوا في الإسلام على مدى قرون طويلة ماضية عبر التواصل المعرفي والعلاقات التجاريةquot;.

وأضاف quot;هذه النظرة الى الخارطة كفيلة بأن تردنا الى تلمس الواقع حول أهمية هذة المنطقة حالياً ومستقبلاً من شتى النواحي الإستراتيجية والثقافية والإقتصاديةquot;.

وأكد السنيورة أن quot;المبادرة ولو متأخرين لنسج علاقات عربية شرق آَسيوية متنامية على كافة الصعُد بما يتعدى العلاقات التجارية الهائلة الجارية مع تلك البلدان والتي نمت على مدى العقود الماضية والتي تقتصرعلى التبادل التجاري والى حد بعيد من الجانب العربي على الصادرات البترولية والغازية. إن المبادرات في مجال العلاقات مع آسيا مهمة على كل الأصعدةquot;.

فالتطّورالهائل والنمو الإقتصادي المستدام الذي حققته عدد من بلدان تلك المنطقة من العالم، أدى الى وفرض تحولاً كبيراً نحو الشرق وهو الأمر الذي يعكس الثقل الإقتصادي النسبي المتنامي لهذه البلدان والى ضرورة الإهتمام المتزايد بهذه البلدان نظراً الى أهمية إقتصاداتها ونموّها والتقدم التكنولوجي الكبير الذي تحققه.

ولذا فإنه قد أصبح من الواجب على العرب في هذا الصدد التفكير بما هو أبعد وأعمق مما يفترضه واقع الحال اليوم الى ما ينبغى ومن المقدر أن تكون عليه الحال في هذه المنطقة من العالم في العقود القادمة وما هو الدور الذي ينبغي ان تتخذه الدول العربية في هذا الشأن.

بَيد أن الذي يفكّر فيه عربٌ كثيرون اليوم، سبق الى التفكير فيه أميركيون وأوروبيون، فضلاً عن الأسيويين أنفسهم والذين كانوا السباقين الى ذلك، وبخاصة بعد أن صاروا شركاء كباراً في الاقتصاد العالمي، وفي مستقبل العالم وأمنه وكذلك رفاهيته.

قرن المحيط الهندي

وقال السنيورة، لقد كثُر الحديث الأميركي في السنوات القليلة الأخيرة عن ضرورة الإستدارة بإتجاه آسيا، وهو ما بينته وزيرة الخارجية الأميركية في ورقة قدمتها في شهر نوفمير الماضي بعنوان: (أميركا وقرن المحيط الهادي) والتي تقول فيها: إن السياسات المستقبلية سوف تتقرر في آسيا وليس في أفغانستان او العراق، ولذا على الولايات المتحدة أن تكون في قلب هذا الحدث المستقبلي.

والحجة في ذلك كما يقول روبرت كابلان المصالح الكبرى المتبادلة، والقرب الجغرافي والمفاضلة في الأذهان لهذه الناحية ليست بين آسيا وأوروبا، بل علينا أن نقر أن أوروبا تظل أحد أضلاع المثلث، وإنما المفاضلة ربما بين آسيا والشرق الاوسط.

وذكر أن الأميركيين يذهبون الى القول الآن إلى أن إنغماسهُم في الشرق الأوسط منذ الأربعينات من القرن الماضي، كان لثلاثة أسباب:

- الطاقة وممراتها الاستراتيجية.
- حفظ الأمن بالمنطقة ومن ضمنها أمن إسرائيل.
- منافسة الإتحاد السوفياتي.

ويضاف الى هذه الاعتبارات تطور جديد وهو أن الولايات المتحدة توشك أن تكتفي في مجال الطاقة - على حد ما يقال ndash; وانه ما عادت المنافسة قائمة مع الاتحاد السوفياتي الذي انقضى، ويكون على أوروبا المشاركة في صون الأمن بالشرق الأوسط و إفريقيا.

الأميركيون لن ينسحبوا

وذكر أنه ليس هنا في مجال المقارنة بين أفضلية العلاقة أو العلاقات بالنسبة للعرب، بل إن الذي يراه رغم كثرة الأقاويل أن الأميركيين لن ينسحبوا من الشرق الأوسط لسوء الحظ، وعلى الأخص أن الشرق الأقصى سيظل معتمدًا - وإلى حد بعيد - على الطاقة من الشرق الأوسط كمصدر أساسي.

ويكون علينا نحن العرب الاهتمام بشكلٍ أعمق وأوسع بالإفادة من الشراكة مع آسيا والآسيويين، فهم شريك تجاريٌ رئيسي لنا لناحية استيراد الطاقة من منطقتنا، ونحن معهم لناحية إستيراد السلع المنخفضة الكلفة من جهة أولى، بل وكذلك التكنولوجيا المتقدمة من جهة ثانية.

لابد لنا ان ندرك ونتصرف على هذا الاساس. أن النهوض الآسيوي الكبير الذي يوشك أن يتحول الى القاعدة الرئيسية في الاقتصاد العالمي، يمكن أن يكون أساسياً لنا أيضاً إذا تطور التبادل الكبير الى شراكة كبيرة.

وهذا يتطلب منا وكدول عربية أن نتحول نحن الى تكتل إقتصادي قوي ومؤثر، وأن نتجه أكثر الى المحيط الهندي وسواحله الإفريقية والآسيوية. وكذلك الى المحيط الهادي والقوى الاقتصادية المتعاظمة لتلك الدول.

فالآسيويون، وبينهم مسلمون كبارٌ - كما سبق القول- هم شركاؤنا في التبادل، وينبغي أن نسعى لتكوين شراكات معهم بإعتبارهم نماذج نهوض، ونماذج تعاون، على أكثر من مجال إقتصادي وثقافي.

ولذا فإن هناك مصلحة ثابتة للعرب في إيلاء هذا الأمر أهمية كبرى والعمل على فتح حلقات اتصال وتواصل وتعاون ومشاركة والذي أراه أن هذا التفكير من جانبنا في هذه الأمور، فكٌر الآسيويون أيضاً فيه طويلاً، وليس عبر شركاتهم العملاقة فقط، بل وفي العلاقات السياسية أيضاً.

الانتفاضات والمتغيرات

وقال السنيورة إن حركة الأنتفاضات العربية فاجأت الكثيرين وهى قد جلبت في خضم محاولتها للتغيير ولإيجاد حلول لمشكلات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية كبرى مشكلات من نوع آخر، ولكنها وفي محصّلة الأمر أبرزت أهمية الشروع في التغيير وفي العمل على التلاؤم مع المتغيرات الكبرى الحاصلة في العالم. والعرب في ذلك عليهم التصدي لجملة من المشاكل التي تترواح بين مواجهة مواجات التشدد في وجه دعاة الانفتاح والاعتدال وكذلك الى معالجة المشاكل المتفاقمة والتي تتعلق بقصور النمو والتنمية وتفشي البطالة والفقر والجهل والتعاون مع أصدقائنا في الشرق الأسيوي على هذه الأسس والاستفادة من تجاربهم.

وقد تحدث في الجلسة كل من الأستاذ الدكتور محمد السيد سليم، والدكتورة نجمة هبة الله، و الدتور سمير نوح، والدكتور جعفر كرار. وسيواصل المؤتمر فعالياته غداً الثلاثاء ليناقش موضوع الوطن العربي ودول الجوار، ويختتم فعالياته الذي سيعقبه اجتماع مجلس أمناء العلاقات العربية والدولية.