منذ اللحطة الأولى للثورة، شارك أطفال الشوارع في التظاهرات، وما زالوا يشاركون حتى اليوم، بعدما خاب أملهم مما جرى بعد سقوط مبارك، يستخدمهم المعارضون وقودًا للعنف اليومي، وتحملهم السلطة مسؤولية التخريب الذي يواكب الاحتجاجات.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تتجه أصابع الإتهام إلى أطفال الشوارع بالمسؤولية عن أعمال العنف والتخريب والحرق التي تتزامن مع أية فعالية إحتجاجية، منذ إحياء الذكرى الثانية للثورة. ويمارس هؤلاء العنف ضد الدولة ومؤسساتها، مقابل المال أو إنتقامًا من الشرطة والمجتمع. وبينما يتهمهم الإخوان والمسؤولين الأمنيون بالضلوع في العنف، ترد المنظمات المدافعة عن حقوق الطفل بإتهام الحكومة بإنتهااك حقوقهم، وباعتقالهم وممارس التعذيب والإعتداء الجنسي بحقهم.

شهدت quot;إيلافquot; تجربة مشاركة أطفال الشوارع في شارع سيمون بوليفار القريب من السفارة الأميركية، أثناء الإشتباكات التي دارت في منتصف شهر شباط (فبراير) الماضي.

قبل الدخول إلى الميدان، وقف شباب وفتيات تبدو عليهم ملامح اليسر بالقرب من مسجد عمر مكرم، وعند الولوج إلى داخل سيمون بوليفار، كانت أرض الميدان مليئة بالحجارة والرماد من حرق الأخشاب من أجل التدفئة،على ما يبدو.

اتنشر في أرجاء الميدان المئات من البشر الذين من الصعب أن يستبين المرء ملامحهم جيدًا، إلا عند الإقتراب منهم، بعضهم يهرول، وبعضهم ثابت في مكانه أو جلس يجهز زجاجات الموتولوف، وبعض ثالث مشغول بتبادل الحجارة والمولوتوف مع قوات الأمن المرابطة في الجانب الآخر من الشارع، خلف مجمع التحرير للخدمات الحكومية.

دمهم... ودمي

كان في المكان ولد لا يزيد عمره على 14 عامًا، وجهه مغبر، وشعره طويل أشعث، وملابسه رثه. إنه أحد أطفال الشوارع، الذين تحولوا إلى وقود للثورة ضد السلطة الحالية، إما عن طيب خاطر، أو نتيجة لمن يدفع لهم، ويستغلهم ليكونوا في الصفوف الأولى من الموجهات مع قوات الأمن.

بدت عليه علامات الإرهاق، والإصرار على المواجهة مع قوات الأمن. وقال: quot;أنا هنا عشان أرجع دم الشهداءquot;، لكنه لا يعرف أي من هؤلاء الشهداء. وأستطرد قائلًا: quot;دم الشهداء في رقبتنا كلنا، ولازم الحكومة دي يموت منها ناسquot;.

يشير إلى جرح في رأسه، ويشير في الوقت نفسه للجانب الآخر على قوات الأمن. يقول: quot;الناس دول ياما ذلونا وعذبونا وقتلوا مننا ناس، مش لازم نخليهم يرتاحوا ولا ثانية، لازم يدفعوا الثمن، وزي ما نزل مني دم، لازم أعورهم هما كمان، دمهم مش أغلى من دميquot;.

تدخل طفل آخر أصغر سنًا في الحديث، وقال بحدة: quot;بيقولوا علينا بلطجية، بس إحنا مش بلطجية، إحنا ثوار، كنا في ميدان التحرير من أول يوم في الثورة، وكنا منهتف مش هنمشي، هو يمشي، ودلوقتي برضه بهتف: مش هنمشي هما يمشوا، الإخوان لازم يمشواquot;.

لكن لم كل هذا الحقد على الاخوان المسلمين؟ أجاب: quot;وهما عملوا أي حاجة غير أنهم خربوا البلدquot;.

أأمن مكان

لا يعترف هذا الصغير بأن التظاهر من أعمال الكبار، وبأن عليه التزام الدراسة والمدرسة. يقول: quot;مدرسة أيه، أنا معنديش بيت أصلًا، يبقى هيكون عندي مدرسةquot;، راويًا طلاق والديه وعيشه وحيدًا في بيت خالته.

كما أن هذا الصبي لا يخاف أن يشارك في العمليات الاحتجاجية، فهنا quot;أأمن مكان في مصر، الناس كتيرة، ومحدش بينام، والأكل موجود 24 ساعة، فيه ناس محترمة بتجيب لنا أكل وعصير وبتعطينا فلوس كمان، الصبح وباليل، ولما الواحد بيتعب بينام في أي خيمة في ميدان التحرير وهو مطمن على نفسه، وبالمرة نقرف ولاد (...) زي ما قرفونا السنين اللي فاتتquot;، وأشار بيده ناحية قوات الشرطة المتمركز في الطرف الآخر.

إنصرف الطفل، وذاب في الزحام والظلام، وحضر طفلان أخران، طلب أحدهما جنيهًا وقال: quot;جعان وعاوز أشتري سندويتشquot;،
في تلك الأثناء سقطت قنبلة من الغاز المسيل للدموع على الميدان، وجرى كثيرون في مختلف الإتجاهات.

وقود العنف

سياسيًا، يحمل البعض هؤلاء الأطفال مسؤولية العنف في التظاهرات، ويتهم المعارضة بإستغلالهم وقودًا لهذا العنف المتصاعد منذ الذكرى الثانية لثورة 25 يناير.

وقال الخبير الأمني اللواء جمال الرفاعي لـquot;إيلافquot; إن أطفال الشوارع تحولوا في الفترة الأخيرة إلى وقود للتظاهرات وأعمال العنف بالفعل، quot;فهناك جهات تستخدمهم في الأعمال غير المشروعة مقابل أموال بسيطة أو حتى مقابل الطعام، خصوصًا أن لديهم ميول عدوانية وعداء للسلطة، وخاصة للشرطةquot;.

ولفت إلى أن إيداعهم دور الرعاية الإجتماعية لم يعد حلًا مجديًا، بل تمثل خطورة أشد على حياتهم، وتزيد من سلوكياتهم الإجرامية، لاسيما في ظل إختلاطهم مع بعضهم البعض، وتبادلهم الخبرات في عالم الإجرام.

ونبه إلى ضرورة أن تتنبه الدولة إلى مشكلة أطفال الشوارع وتبحث عن حلول غير تقليدية لها، ويقترح تنظيم وحدات رعاية متنقلة بالتعاون بين وزارة الداخلية والمجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة الصحة، وتكون عبارة عن سيارة فيها ضابط شرطة ومختص أجتماعي وطبيب، تجول في أماكن تجمعات أطفال الشوارع، تقدم لهم الطعام والخدمات الطبية والرعاية الإجتماعية لبث روح الثقة بينهم وبين المجتمع أولًا، ثم إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

خاب أملهم

حقوقيًا، تتهم المنظمات الحقوقية السلطة بإنتهاك حقوق أطفال الشوارع. وقال هاني هلال، مدير المركز المصري لحقوق الطفل، لـquot;إيلافquot;: quot;تستهدف الشرطة أطفال الشوارع على خلفية مشاركتهم في التظاهرات، وقد اعتقلت منهم المئات، ووصل الرقم إلى 452 طفلًا في أحداث السفارة الأمركية في نهاية العام الماضي، وكان بينهم كفيف، وآخر مصاب بالسرطانquot;.

وأشار هلال إلى أن عدد الأطفال المعتقلين منذ إحياء الذكرى الثانية للثورة وصل إلى 125 طفلًا، يتعرضون لشتى أنواع الإنتهاكات، منها التعذيب والإعتداء الجنسي.

أضاف: quot;كان أطفال الشوارع جزءًا أصيلًا من الثورة التي أندلعت في 25 يناير، وأطاحت بنظام حكم حسني مبارك، فإحتكوا بالمتظاهرين وشاركوا المصريين أحلامهم في حياة أفضل وفي عيش حرية كرامة إنسانية وعدالة إجتماعية، ثم شعروا بخيبة أمل وإحباط شديدين، شأنهم في ذلك شأن جميع المصريين، لاسيما أن أهداف الثورة لم تتحقق، ولم يشعروا بأي تحسن في أحوالهم، بل زدات مشاكلهم عندما حملتهم السلطة مسؤولية العنف والبلطجة والتخريب التي تتزامن مع المظاهرات منذ إحياء الذكرى الثانية للثورةquot;.

وأشار إلى أن الدولة غير جادة في التعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع، quot;فهذه أزمة تحتاج إلى تكاتف الجميع لإيجاد حلول جذريةquot;.