جاءت الخطوة التي تسعى من خلالها الحكومة الأثيوبية إلى بناء أضخم سد كهرومائي في قارة أفريقيا على نهر النيل لتهدد بالتأثير على إمدادات المياه الخاصة بمصر، التي تعتمد بشكل كبير على النيل في الشرب والزراعة، وهو ما ترتب عليه نشوب موجة غضب عارمة.


بينما سبق لمصر أن هددت بخوض الحرب حفاظًا على quot;حقوقها التاريخيةquot; بمياه نهر النيل، إلا أن دبلوماسيين من مصر وأثيوبيا قللا أخيرًا من احتمال حدوث صراع.

وقال دكتور محمد بهاء الدين وزير الريّ والموارد المائية المصري quot;الحل العسكري لأزمة نهر النيل مستبعدquot;، وذلك ردًا على ما رددته صحف محلية بخصوص تهديدات الحرب التي كان يطلقها الرئيسان السابقان السادات ومبارك بهذا الشأن.

نسف اتفاق
وكانت أثيوبيا قد بدأت يوم الثلاثاء الماضي في تحويل مسار النهر الأزرق تمهيدًا لبناء سد النهضة، علمًا بأن 85 % من مياه نهر النيل تخرج من هناك، واستفادتها منها تكاد تكون معدومة. وأشارت صحيفة لاس فيغاس صن الأميركية إلى أن القرار الذي اتخذته أثيوبيا أخيرًا جاء ليهدد بنسف اتفاق سبق أن تم إبرامه إبان الحقبة الاستعمارية لمنح مصر والسودان حقوق أساسية بخصوص مياه النهر.

تبلغ حصة مصر بموجب هذا الاتفاق 55.5 مليار متر مكعب، والسودان 18.5 مليار متر مكعب، من أصل 84 مليار متر مكب، يتم إهدار 10 مليارات منها في صورة بخار.

ونوهت الصحيفة بأن هذا الاتفاق، الذي تم التوقيع عليه أولًا في العام 1929، لم يراع باقي الدول الثماني الموجودة على امتداد النهر وحوضه مسافة قدرها 6700 كيلو متر (4160 ميل)، الثائرة منذ 10 أعوام لكي يتم التوصل إلى اتفاق أكثر إنصافًا.

أمن قومي
وبينما جاء هذا التصرف الفردي من جانب أثيوبيا ليشكل تجاهلًا لمبادرة حوض نهر النيل، مضت الصحيفة الأميركية تنقل عن محمد عبد القادر، محافظ الغربية (في منطقة الدلتا)، تحذيره من أن هذا السد الأثيوبي ينذر بـ quot;كارثةquot;، وأنه يجب التعامل مع هذا الملف باعتباره قضية أمن قومي بالنسبة إلى مصر. وتابع المحافظ: quot;يجب التفكير في مسألة حرمان مصر كليةً من حصتها في المياه، فالنيل يعني لنا كل شيءquot;.

عاود بهاء الدين ليشدد على أن مصر تعاني أصلًا من quot;قلة المياهquot;، حيث تبلغ حصة الفرد 640 متر مكعب، أي أقل بكثير من المعدل العالمي الذي يقدر بـ 1000 متر مكعب.

ويؤكد المسؤولون الأثيوبيون على أهمية بناء السد، من أجل توليد الطاقة التي يحتاجونها بشدة لإنجاز العديد من مشروعات التنمية. وعن تأثير ذلك، أشار علاء الظواهري، مهندس سدود في جامعة القاهرة وخبير في اللجنة الوطنية التي تدرس تداعيات السد الأثيوبي، إلى أن مصر ستفقد وفقًا لذلك حوالى 15 مليار متر مكعب من المياه كل فترة الأعوام الخمسة، التي قالت أثيوبيا إنها ستحتاجها لملء السد.

ضرر كارثي
ولفت الظواهري كذلك إلى أن مصر ستفقد ما بين 30 إلى 40 % من قدرتها على توليد الطاقة الكهرومائية. وأضاف في تصريحات أدلى بها لوكالة الأسوشيتد برس: quot;إن كنت سأبدو متفائلًا، فإنني أقول إن هذا السد سيلحق ضررًا بالغًا بمصر. أما إن كنت سأبدو متشائمًا، فيمكنني القول إنه سيكون بمثابة الكارثة الحقيقية على البلادquot;.

وهو الرأي نفسه الذي اتفق عليه خبير سوداني مقيم في إيطاليا يدعى حيدر يوسف حسين، موضحًا أن هذا السد من المحتمل أن يحظى بتداعيات كارثية. وأضاف أن خزان السد سيحجز كمية مياه تقدر بحوالى مرة ونصف مرة متوسط التدفق السنوي لنهر النيل الأزرق، وسيؤثر بشكل كبير على إمدادات المياه والزراعة والكهرباء في دول المصب.

لم تغفل الصحيفة أن تلفت إلى أن أثيوبيا اتخذت قرارها ببناء السد في توقيت تدرك فيه أن مصر تمر بأضعف مراحلها، حيث أعلنت الحكومة عن المشروع في آذار/ مارس عام 2011، أي بعد شهر واحد من الإطاحة بنظام الرئيس السابق، حسني مبارك، على خلفية الثورة التي اندلعت في 25 من كانون الثاني/ يناير من العام نفسه.

كما جاء قرار أثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق في اليوم التالي للقاء الذي جمع بين قادة الدولتين في أديس أبابا، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي، وقبل أيام من قيام أثيوبيا ومصر والسودان بإصدار التقرير الفني الدولي المتعلق بتقويم السد الأثيوبي.