في خطوة إلى الوراء، بعيدًا عن الديمقراطية التي نادت بها ثورة يناير، أعادت الداخلية المصرية إلى العمل مباحث أمن الدولة، التي خاف الناس سطوتها أيام مبارك، وأتت الثورة لتحلها.


بيروت: يبدو أن الحكومة المصرية الموقتة لا ترغب في معالجة المشاكل التي سادت في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي ولا سلفه المخلوع حسني مبارك، لا سيما بعد قرارها بإعادة تفعيل وحدات الشرطة السرية المبغوضة من قبل الشعب.

فالحكومة المصرية الموقتة تواجه اتهامات بأنها تسعى إلى إعادة البلاد إلى مرحلة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، بعد إعلان وزير الداخلية المصري عن إعادة تفعيل وحدات شرطة مثيرة للجدل سبق أن أعلن عن إيقافها وحلها بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في العام 2011، وبعد إعطاء رئيس الوزراء الموقت سلطة إعلان حالة الطوارئ.

عادت المباحث!

quot;مباحث أمن الدولةquot; في مصر، التي كانت أحد أقوى أجهزة الشرطة في نظام مبارك ورمزًا للقمع البوليسي، كانت قد حلت في آذار (مارس) 2011 مع وحدات أخرى كانت تتولى التحقيق مع الجماعات الإسلامية ونشطاء المعارضة، وأعيدت هيكلتها ليحل محلها ما يعرف اليوم بجهاز الأمن الوطني. لكن بعد المجزرة التي راح ضحيتها 83 شخصًا على الأقل يوم السبت الماضي، أعلن وزير الداخلية محمد ابراهيم إعادة هذه الوحدات إلى العمل، وأشار إلى جهاز الأمن الوطني باسمه القديم، مشددًا على أن ضباط الشرطة ذوي الخبرة العالية الذين تم تهميشهم بعد ثورة يناير 2011 سيعودون إلى ممارسة مهامهم.

واعتبرت صحيفة غارديان البريطانية أن قسوة ووحشية الشرطة لم تتغير منذ عهد مبارك، ولم يتم التدقيق فيها تحت حكم مرسي، الذي بدوره فشل في إدانة انتهاكات الشرطة المستمرة التي ارتكبت في عهده.
وينظر المحللون إلى خطوة الوزير المصري على انها محاولة لاستخدام الإطاحة بمرسي وما ارتبط بها من تصاعد لمشاعر دعم الشرطة المصرية، كستار لإعادة تقديم ممارسات ما قبل العام 2011 إلى البلاد من جديد. ويشار إلى أن تصريحات إبراهيم أتت قبل ساعات من إعطاء رئيس الوزراء الموقت سلطة فرض حالة الطوارئ على البلاد، وهي العلامة المميزة للحكم في مصر تحت مبارك.

إلى ما قبل الثورة

quot;لقد عدنا إلى مرحلة مباركquot;، قالت عائدة سيف الدولة، الناشطة المصرية في مجال حقوق الإنسان، والمديرة التنفيذية لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وهي جماعة حقوقية تدعم ضحايا وحشية الشرطة.

وأضافت: quot;هذه الوحدات ارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، مثل الاعتقال التعسفي والقتل غير القانوني. كما أن هذه الوحدات كانت مسؤولة عن أعمال القمع والقتل بحق الإسلاميين في التسعينات، وتمثل سلطة بشعة لم تحاسب على فظائعها ولم تمثل أمام العدالة للتحقيق في جرائمهاquot;.

من جهته، قال كريم النارة، وهو باحث في مجال العدالة الجنائية والشرطة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن هذه الوحدات لم تحل أبدًا ليعاد تفعيلها، مشيرًا إلى أن وزير الداخلية يستغل الدعم الحالي للشرطة كذريعة لإعادة تأهيل مباحث أمن الدولة.

وقالت هبة مرايف، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في مصر: quot;لم يتغير أي شيء في أمن الدولة منذ العام 2011quot;، مشيرة إلى أن هذا النوع من النشاط السياسي كان واحدًا من العلل الرئيسة لعصر مبارك، ومجرد إعلان ابراهيم إعادة العمل بالمباحث يعني أن الدولة عادت إلى ما قبل ثورة يناير.

تبييض الصفحة

كراهية الشعب للشرطة كانت أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع ثورة يناير 2011، في حين كان الإصلاح أحد مطالبها الضمنية. لكن حماس الشرطة الواضح لسقوط مرسي ساعد على تبييض صورتهم في نظر الكثيرين، إذ شوهد ضباط يرتدون الزي العسكري يحملون لافتات مضادة لمرسي في الفترة التي سبقت رحيله، في حين لم تقم الشرطة بحماية مكاتب الإخوان المسلمين. يوم الجمعة الماضي، اكتظت الشوارع بمئات الآلاف من المصريين الذين نزلوا في جميع أنحاء البلاد لإظهار دعمهم للجيش والشرطة.

وقال أحد ضابط الشرطة في القاهرة: quot;لقد عادت إلينا كرامتناquot;، مضيفًا أن سمعة أمن الدولة السيئة على خلفية إساءة معاملة المعتقلين معقولة بالنظر إلى أنه يعتقد أن المعتقلين غير أبرياء في كثير من الأحيان. وقال: quot;تسعون بالمئة من الناس الذين أتعامل معهم مذنبون - ولذا فإنني لن أتعامل معهم بشكل جيد، هذه هي الطريقة التي يتصرف بها أمن الدولة لأن 99٪ من المعتقلين ليسوا أبرياءquot;.

وأضاف: quot;من يخاف من الجيش هم الذين يسرقون ويقتلون ويعقدون صفقات مع دول أخرى مثل مرسي الذي تعامل مع حماس وأراد أن يبيع سيناء لأميركاquot;. في حين أن الشرطة والجيش يحظيان بتأييد كبير بين الملايين من المصريين الذين دعوا إلى الإطاحة مرسي، يرفض عدد قليل من معارضي مرسي دعم تدخل الجيش مجددا في الحياة السياسية.

quot;يسقط المرشد، يسقط حكم العسكر، لا للقتلة في أمن الدولةquot;، ردد محتجون مساء الاحد في ساحة اعتصام ثالثة غرب القاهرة، رافضين الحكم الاستبدادي لكل من الجيش والإخوان المسلمين، ودعوا للعودة إلى القيم الديمقراطية الحقيقية لثورة يناير.