التردد سيد مواقف الادارة الأميركية في سوريا، من التسليح إلى الضربة، وهذا يضر بمعنويات مقاتلي المعارضة الذين ما زالوا ينتظرون سلاحًا موعودًا منذ أشهر عديدة.
اصدر البيت الأبيض في حزيران (يونيو) الماضي قرارًا يخول وكالة المخابرات المركزية تسليح فصائل وطنية في المعارضة السورية، في اشارة إلى مقاتليها بأن النجدة قادمة. وبعد ثلاثة اشهر على صدور القرار، ما زال المقاتلون ينتظرون. ويعكس التكلؤ في جانب منه موقفًا اميركيًا نادرًا ما يُناقش في العلن، لكنه يكمن في اساس عملية صنع القرار في الولايات المتحدة، بحسب مسؤولين اميركيين سابقين وحاليين، وهو أن ادارة اوباما لا تريد تغيير ميزان القوى لصالح المعارضة، خشية أن تكون النتيجة اسوأ على المصالح الاميركية من الطريق المسدود الحالي. ويعزو مسؤولون أميركيون التأخير في تقديم أسلحة خفيفة وذخيرة ضمن برنامج وكالة المخابرات المركزية في هذا الشأن، إلى صعوبة إيجاد قنوات مأمونة لإيصال هذه الأسلحة تمنع وقوعها في أيدي جماعات جهادية تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبدلًا من هذا التبرير، يلقي قادة ميدانيون في قوات المعارضة واعضاء في الكونغرس مسؤولية المماطلة على عاتق البيت الأبيض الذي يريد أن يبدو وكأنه يستجيب لاحتياجات فصائل المعارضة الوطنية والمعتدلة، لكنه لا يريد التورط عميقًا في النزاع السوري.
خوف كبير
يتبدى تردد موقف الادارة أكثر في تخطيط البيت الأبيض لتوجيه ضربات محدودة تنتظر الآن موافقة الكونغرس، لمعاقبة الأسد على استخدام اسلحة كيمياوية ضد شعبه. وصدرت توجيهات إلى مخططي البنتاغون لتقديم خيارات هجومية يمكن أن تساعد في اسقاط الأسد، لكن صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن ضابط اميركي ذي رتبة عالية قوله: quot;إن الخوف الكبير هو أن تتمكن الجماعات الخطأ في المعارضة من استغلال ذلكquot;. وامتنعت وكالة المخابرات المركزية عن التعليق على هذا الخوف. وقالت مصادر، حضرت اجتماعات مغلقة عقدها كبار مسؤولي الادارة خلال الأيام الماضية، إن البيت الأبيض يريد تقوية المعارضة لكنه لا يريدها أن تنتصر، وإن الادارة لا تريد توجيه ضربات جوية تغير ميزان القوى لأنها تخشى أن يتقدم إسلاميون لملء الفراغ إذا سقط نظام الأسد، بحسب وول ستريت جورنال، نقلًا عن مشاركين في هذه الاجتماعات، بينهم أعضاء في الكونغرس ومساعديهم. وقال مسؤولون في الادارة والكونغرس إن التوفيق بين هذه المواقف المتضاربة سيكون محور جلسات الاستماع لمناقشة الضربات المقترحة ابتداء من اليوم الثلاثاء، وسيكون وزير الدفاع تشاك هيغل ووزير الخارجية جون كيري بين من سيقدمون افادات في هذه الجلسات.
قناة بطيئة
وأثار الاستياء من تباطؤ وكالة المخابرات المركزية في تنفيذ برنامج التسليح والتدريب الذي وعدت به دعوات من اعضاء في الكونغرس ومن قادة عرب إلى أخذ مسؤولية البرنامج من الوكالة وتسليمها للبنتاغون، كما قال مسؤولون في الكونغرس يؤيدون مثل هذه الخطوة. وقال زعيم الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر إن تكليف البنتاغون بالمسؤولية سيمكن الولايات المتحدة من تسليح المعارضة وتدريبها على نطاق واسع. واتهم اعضاء في الكونغرس البيت الأبيض بالنكوث بوعوده لأنه لا يريد أن يُلام إذا لم يسفر ما وعد به عن النتائج المنشودة، ولأنه يخشى وقوعه في مصيدة حرب بالوكالة يخوضها الأسد مدعومًا من ايران وروسيا وحزب الله ضد فصائل متنوعة من المعارضة، بينها جماعات ترتبط بتنظيم القاعدة، وأخرى تدعمها الولايات المتحدة ودول خليجية. وقال كروكر إن هناك انفصامًا كبيرًا بين ما قالت الادارة إنها تفعله لمساعدة مقاتلي المعارضة وما يحدث فعلًا. وأضاف كروكر، الذي التقى قادة في المعارضة السورية في تركيا أخيرًا، أن قناة وكالة المخابرات المركزية لإيصال السلاح بطيئة إلى حد لا يُصدق، وتضر بمعنويات المقاتلين السوريين.
تقاتل الأعداء
يقول العديد من القادة العسكريين للمعارضة إن هدف السياسة الاميركية في سوريا هو فترة مديدة من حالة التعادل، تشتري للولايات المتحدة وحلفائها مزيدًا من الوقت بهدف تمكين المعتدلين واختيار من تريد أن تدعمهم. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن العميد قاسم سعد الدين، المتحدث باسم المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، قوله: quot;اللعبة واضحة للجميع، فحين يتعلق الأمر بمصالح القوى العظمى يأتي الانسان السوري البسيط أخيرًاquot;.
وقال مسؤولون في الكونغرس إنهم قلقون لأن الادارة تقترب من موقف تدعو إليه اسرائيل سرًا، فإن مسؤولين اسرائيليين أبلغوا نظراءهم الاميركيين بأنهم سيكونون سعداء برؤية أعدائها ايران وحزب الله والقاعدة يتقاتلون، إلى أن يضعف بعضهم البعض، وتكون هي الرابحة في المحصلة النهائية. وكان الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الاركان المشتركة، صريحًا مع اعضاء الكونغرس حين اعرب عن مخاوفه من أن يؤدي الامعان في إضعاف الأسد إلى تغيير ميزان القوى لصالح مقاتلي الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
شراء الوقت
وقال مسؤولون أميركيون إن لجان الكونغرس التي تشرف على نشاط وكالة المخابرات المركزية وميزانيتها أثارت في البداية تساؤلات عن برنامجها لتسليح المعارضة، وإن هذا تسبب في تأخر التمويل المطلوب لانطلاق البرنامج. وبدت الوكالة نفسها غير واثقة من جدوى برنامجها. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين في الكونغرس قولهم إن قادة الوكالة اشاروا في إفادات أمامهم إلى أنهم يعتقدون أن الأسلحة الاميركية لن يكون لها إلا تأثير محدود في بلد يعج بالسلاح. كما قالوا للكونغرس إن الولايات المتحدة لا تقدم الكثير بالمقارنة مع ما تقدمه ايران وحزب الله. لكن مسؤولين في وكالة المخابرات المركزية قالوا لأعضاء الكونغرس إن التسليح على علاته من شأنه أن يساعد الوكالة في إقامة علاقات مع قوات المعارضة، ويضع بيدها ورقة في تعاملها مع دول حليفة تنهض بالعبء الأكبر في تسليح المعارضة وتمويل شحنات السلاح، وخصوصًا دول خليجية كبيرة. ورفض مسؤول رفيع سابق في الادارة، له دور في جهود تسليح المعارضة، وجهة نظر وكالة المخابرات المركزية، واصفًا برنامجها بأنه يهدف إلى شراء الوقت من دون اقحام الولايات المتحدة بصورة أعمق في الحرب الأهلية.
التعليقات