من مفكرة سلطان القحطاني

28 يناير
1- quot;هنا لندنquot;: نداء استغاثة من كرزاي للحكومة السعودية!
لم تمض سوى ساعات قليلة على نداء الاستغاثة الذي أطلقه الرئيس الأفغاني حميدكرزاي للسعودية كي تتدخل على خط الأزمة الأفغانية، حتى جاء الرد الرسمي على لسان وزير خارجية المملكة وراعي دبلوماسيتها الأمير سعود الفيصل ليقول إن بلاده مستعدة لهذا التدخل ولكن بشرطين لا ثالث لهما: طلب رسمي من أفغانستان، الحكومة، وتخلي طالبان، الحركة، عن العنف.
وبالفعل فقد تحققالشرط الأول، وهو طلب رسمي من الحكومة الأفغانية، رغم أن المراقبين يبدون تشككاً في شرعية، صاحب هذا الطلب، الرئيس كرزاي، وما إذا كان هو الشخص المناسب لإطلاق هذا النداء، خصوصا وانه في نظر كثيرين ليس رئيساً لأفغانستان بقدر ما هو عمدة للعاصمة كابل، وبالكاد يستطيع بسط سيطرته عليها.
إذاً كانت الدعوة موجهة من الشخص الخطأ، كونه نصف رئيس، يجلس على نصف كرسي، بنصف شرعية، وبالتالي فإن الطرف الذي يحق له توجيه طلب مساعدة، هو الطرف الذي يمسك بزمام الأمور فعليا على أرض الواقع، وهو في هذه الحالة ممثل بالولايات المتحدة الأميركية وتحالفها، رغم نجاحها أحياناً، وفشلها في أحايين أخرى، في السيطرة على كامل أفغانستان.
من المؤكد أن السعودية ترحب بالتعاون في أفغانستان لما من شأنه تحقيق السلام والاستقرار في ذلك الركن المغبر من العالم. بيد أن ذلك لا يمكن أن يتم دون تضافر جهود القوى الدولية لجعل السلام والاستقرار ممكنين في بلد اعتاد الفوضى لدرجة انه لا يستطيع العيش من دونها، ما يجعل التحدي الحقيقي على الأرض هو كيفية إدارة هذه الفوضى بدلا من إضاعة الوقت في محاولة إصلاحها.
ولا يمكن تحقيق تقدم يذكر في أفغانستان دون تطبيق نظرية الكرسي ذي القوائم الثلاثة: أميركا، السعودية، باكستان. ومن دونها فإن النجاح سيكون صعبا، وان حدث فسيكون مكلفأً جداً. بالطبع هنالك تضارب في التصورات بين الحلفاء الثلاثة في ما يتعلق بأفغانستان، وسبل حل أزمته الحالية، وكيفية صياغة مستقبله، وهذا أمر طبيعي ومن شأن مفاوضات ثلاثية جادة أن تتجاوز هذه العقبة بسهولة.
إلا أن الصعوبة الكبرى تكمن في كيفية التعامل مع حالة التوجس المزمنة بين باكستان وأميركا في ظل خشية اسلام اباد من توقف أميركا في منتصف الخط وتسليم البلد بأسره إلى الفوضى الشاملة، أو إلى الهند المتربصة. ولذلك فإن الاستخبارات الباكستانية لا تزال تحتفظ بصلاتها القديمة مع قادة طالبان، وتحديث قائمة الاتصال، بين فترة وأخرى، والبحث عن حلفاء جدد داخل طالبان نفسها كي تكون شريكة في المستقبل، لا ضحية للماضي.
من واقع التجربة فإن الثقة بأميركا عملية معقدة جداً، خصوصا وأن المثال العراقي لا يزال راسخاً في الأذهان، وجرس تنبيه مستمر، على حماقة القوة، وكيف أن تحقيق النصر في أي معركة ليس صعباً، بل إن مرحلة ما بعد النصر هي الأكثر صعوبة وتعقيداً.
ومسؤولية كرزاي الآن هي إطلاق عملية مصالحة شاملة وتطبيق مبدأ الواقعية السياسية في البلاد من خلال التعامل مع حركة طالبان بدلا من تجاهلها أو مطاردتها، فهي أمر واقع، ولا بد من إغرائها وإغوائها للمشاركة في الحياة السياسية سلميا بدلا من اللجوء إلى القوة المسلحة، وفي حال تمكنت من الوصول إلى السلطة فلا بد الاعتراف بذلك، ومنحها الفرصة للقيام بدورها.
لا اعتقد أن هنالك مشكلة في أن تتحول أفغانستان إلى دولة دينية طالما أن ذلك هو الحل الوحيد لضمان استقرار البلاد ولو لفترة محدودة، لتمارس بعدها دورها المنتظر في المجتمع الدولي؛ فهكذا بدأت السعودية، وهي الآن تمثل قوة دينية معتدلة لها حضورها الدولي والإسلامي المؤثر. صحراء حارقة تحولت إلى واحة استقرار في منطقة تعج بالحرائق.
من هذا المنطلق يجب إشراك السعوديين في ما يحدث في أفغانستان لضمان نجاح جهود الغرب في سحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة، نظراً لأن الرياض تمتلك خبرة عملية في الملف الأفغاني منذ سنوات الجهاد ضد السوفييت، إضافة إلى أنها الطرف القادر على دفع فاتورة السلام والاستقرار والانتعاش الاقتصادي، وهي باهظة ومكلفة.
حاليا تبدو السعودية مستعدة للتدخل لكنها ليست في عجلة من أمرها. إنها سوف تتدخل في حال كان تدخلها ضرورة، رغم أنها ليست متحمسة نظراً لأن العوامل الموضوعية لجعل تدخلها ناجحا، لم تتوفر بعد في أفغانستان حتى هذه اللحظة.