عندما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن شيعة معاوية: أكفار هم؟ قال: هم من الكفر فروا... ، رغم أنهم خصومه السياسيين ويهددون كيانه السياسي إلا أنه أنصفهم ولم يألب عليهم قومه بشيء ليس فيهم؛وذلك لأنه رضي الله عنه كان يتحلى بأخلاق الفرسان ،وكان يحترم عقلية شيعته ، ولم يمارس عليهم البروباجندا ، أو الحرب الإعلامية القذرة كما هو معمول به في حروب هذا العصر.
ولعل أبرز ما مورس من حرب قذرة في هذا العصر كان من قبل الاستعمار ضد القبائل الأفريقية ووصفها كذبا بأكلة لحوم البشر بل حتى إنهم يمارسون هذه البروباجندا على أطفالهم فكانت أفلام الرسوم المتحركة تصور كيف أن هذه القبائل تستسيغ لحوم البشر وتتحرى الفرص لاقتناص طفل أبيض لاحم لالتهامه، وبالطبع فقد صُدرت إلينا هذه الفرية ومازلنا ضحية لتلك الحرب القذرة.
ذكرت الأخلاق الفروسية والحرب القذرة لتكون مدخلا لحديثي عن الحراك الفكري السعودي والذي يتسنمه التياران الإسلامي والليبرالي، فالمراقب لهذا الحراك يجد أنه يفتقر أدنى أبجديات أخلاق الفرسان، وأقرب ما يكون إلى الحرب القذرة وكل مايتعلق بها من بروباجندا، وتأليب، وتجييش،ومكارثية، وتحريض، وفجور في الخصومة، وسخرية، واستهزاء.
ولعل أنسب مايناسب هذا الحراك هو نعته بتبني الشعار الجاهلي quot;انصر أخاك ظالما أو مظلوماquot;، فالمتتيرون السعوديون - إن صح الجمع - يفضلون دائما غض الطرف عن أخطاء أتباعهم، ويتفادون توجيههم ونصحهم ؛ حتى لايتصادمون مع عقلياتهم العربية التي تعتبر النقد البناء ضربا من ضروب الهجاء، وحتى لا أعمم يجدر بي أن أذكر ماقاله الناشط محمد سعيد طيب عن أنصار التيار الليبرالي حين قال :quot;الليبراليون الحقيقيون لايتجاوزون أصابع اليد الواحدة بينما الباقي معظمهم دشيرquot;، هنا تحلى محمد سعيد طيب بالموضوعية وأنصف نفسه وتياره ،بينما البقية والذين تنتابهم عقدة النقص يخشون انتقاد أتباعهم حتى لاينفضوا من حولهم،وبذلك هم يكرسون لثقافة القطيع، والآن كم خطر ببالكم من أرباب الفكر من التيارين الذين يتفادون ذلك؟!
أما بالنسبة لبضاعة التيارين فهي ليست كاسدة بالكلية ولا صالحة بالكلية ، ومع ذلك لانرى أيا من المتتيرين يثني على بعض طروحات الطرف المقابل أو يشيد ببعض المبادئ التي لدى الآخر،والمحبط أيضا أن أكابر المتتيرون - على حد معرفتي ndash; هم في خصومة شخصية فيما بينهم ولايقابلون بعضهم البعض أو يتحاورون إلا من خلال وسائل الإعلام فقط ، فأنا أعتقد أنه من الضروري يترفعوا عن هذه الصبيانية وأن تكون هناك لقاءات شخصية أو اتصالات هاتفية على الأقل حتى يكون هناك مناخ صحي غير متشنج ، وخالي من الأحكام المسبقة، على عكس مايفعلون الآن عندما يخرجون في وسائل الإعلام أمام أتباعهم وكأنهم في حلبة مصارعة.
الذي أحببت أن أقوله الآن هو أنني لا أعول كثيرا على المتتيرين الحاليين الذين افتقروا إلى أخلاق الفروسية وتعاملوا مع خصومهم المحليين بكل وضاعة،فيحق لي أن أتسائل كيف سيتفاعلون مع محيطهم الفكري الخارجي أو الإقليمي،فربما سيعودون بنا إلى العصر الحجري، عندها سيكون أكثرهم رقيا من يكيل السباب والشتام للآخرين.

وفي الختام خلصت إلى هذه المعادلة:

مسعر حرب+قطيع مجيش=حراك فكري محلي