لا يمكن تفسير صمت المجلس الأعلى للاتصال في تونس، عن ما يحدث في المشهد السمعي البصري،حسب رأي، إلا إذا كان أعضاءه، إما نيام و بالتالي لم يتابعوا الضجة التي أحدثتها مؤخرا قناة نسمة الخاصة، بتقديمها لسكاتش فيه عبارات خادشة للحياء، وربما أيضا لم يسمعوا بالتهجم و التهكم الذي تعرضت له الزميلة سميرة الدامي من قبل أحد quot;منشطيquot; القناة ذات البعد المغربي. كما يبدو ان مجلسنا الموقر، و أعضاءه لم يقرأوا بيان فريق النجم الساحلي لكرة القدم، على اثر تطاول محلل رياضي بالقناة الرسمية التونسية على رئيسه،و ما خلفه من ردود فعل كان يمكن ان تتطور الى ما لا يحمد عقباه... و إما ان مجلسنا لا يعتبر ما حدث quot;تجاوزاquot; يجب التنبيه إليه، او ربما لأنه غير مخول قانونيا للقيام بذلك الدور، وهو ما يخالف للقانون الصادر في 2008، و الذي بموجبه تم توسيع صلاحيات المجلس ليتمكن من quot;متابعة أداء مؤسسات الإعلام و الإتصال العمومية و الخاصة و دراسة أدائها و تقويم برامجها...quot;لكن مجلسنا الموقر لم يصدر ولو بيان يتيم، فاسحا المجال مثل كل مرة الى كل صنوف التأويلات و التكهنات و الإشاعات.وكالعادة دلى كل بدلوه، و سارع المنظرون و quot;المختصونquot; الى تحليل الخطاب الإعلامي و ما له و ما عليه. كما كتب عدد من الزملاء، في المعارضة و مستقلون، عن الموضوع كل من وجهة نظره، في حين سارع المسؤولون الى رأب الصدع،حتى لا تتفاقم الأزمة، عدى quot;مجلسناquot;، فهو كما يقول المصريونquot;لا حس و لا خبرquot;.


للأسف لم يحرك مجلسنا الموقر ساكنا، و كأن ما تعرضت له الزميلة سميرة الدامي، من ثلب و تهجم مجاني، حدث في كوكب آخر غير تونس، و لم تلق نقابة الصحفيين، quot;برأسيهاquot;، بالا لما حدث، و لا الهيئات المدافعة عن الصحفيين، التي تكاثرت في تونس كالفطر، رأت ان من واجبها quot;دمقرطةquot; احتجاجاتها، و عدم حصرها في حفنة من الإعلاميين من ذوي quot;الخمسة نجومquot;، بل تعميمها على كل الصحفيين.


جميل ان يساهم كل من موقعه في نقد المشهد الإعلامي، و جميل ان تساهم كل الأطراف في صياغة خطاب أعلامي متطور، قريب من المواطن التونسي، فاليد لوحدها، كما يقول المثل الشعبي التونسيquot; لا يمكم ان تصفقquot; quot; لكن الأجمل من ذلك كله، ان تكون هناك جهة، لها الكلمة الفصل، مثلما هو الشأن في فرنسا حيث يصدر المجلس الأعلى للسمعي البصري، من حين لآخر بيانا او تنبيها يشير فيه الى تجاوزات وقعت و من ثمة أخذ القرار المناسب بشأنها.


أتذكر ان إشاعة السنة الماضية حول خطف الأطفال في تونس و المتاجرة بأعضائهم، سرت بين التونسيين كسريان النار في الهشيم، و لم يصدق التونسيون ان الأمر لم يكن سوى مجرد إشاعة، إلا حين نفى وزير الداخلية ذلك رسميا...


لنعترف ان المشهد السمعي البصري في تونس، يعيش نوع من quot;الفوضى الخلاقةquot;، فقبل سنوات أدخلت إذاعة موزاييك الخاصة و قناة quot;حنبعلquot; بلبلة في المشهد الإعلامي بتقديمها لخطاب مغاير للسائد، تجاوز في أحيان كثيرة و ما يزال الخطوط الحمراء و الضوابط المهنية، فانهالت عليها الانتقادات من كل حدب و صوب، لكن و بمرور الوقت بدأت هذه الفوضى في التنظيم، و في إصلاح ذاتها، بنفسها نتيجة استيعاب الانتقادات، و بروز منافسين جدد.
و قبل سنة تقريبا، انطلقت صحيفة quot;الصباحquot; التونسية، في حلة جديدة، و دخلت في البداية في تلك quot;الفوضى الخلاقةquot; نتيجة تراكم الأخطاء و لأن الصحيفة كانت ما تزال تبحث عن طريقها الجديد، لكنها في النهاية أدركت مبتغاها، و أصبحت أكثر اجتذابا للقراء.


هذه quot;الفوضى الخلاقةquot;، سببها، الأساسي تأخر القوانين الخاصة بالصحافة و الإعلام عن مواكبة المستجدات الداخلية، و الخارجية، (أكثر من 400 قناة)، من جهة، و غياب الهياكل الفاعلة التي يمكن ان تتدخل، لتنظيم القطاع، و خلق نوع من quot;خارطة طريقquot; تقتاد بها كل وسائل الإعلام، و تلتزم بتطبيقها من جهة أخرى.
هذه المهمة لا تقع على عاتق الوزارة وحدها، و إنما يجب على كل الأطراف ان تساهم فيها، حتى نخرج من حالة quot; الفوضى الخلاقةquot; الى بناءquot; إعلام خلاٌقquot;.


تونس
[email protected]