نعرف جميعا بأن الإتحاد الوطني الكردستاني المعروف اختصارا بإسم (أوك) قد ولد بزعامة جلال الطالباني بدمشق العام 1975، وقد كتبت في السابق عن تلك الولادة وبعض من ظروفها في مقالة نشرت لي قبل سنوات، ويعرف من عاش تلك المرحلة ما بعد تلك الولادة للإتحاد الوطني كيف برزت قابليات ومهارات جلال الطالباني في التعامل مع الأوساط العربية الحاكمة على ما موجود من تناقض معلن ومخفي فيما بينها!!، وكذلك التعامل مع أجهزتها الأمنية المسيطرة!!

هذه المقدمة كانت ضرورية كي نؤشر الى المدى العملي الذي استطاع الطالباني توفير أجوائه في تعامله مع قيادة مهمة لعمله السياسي الكردي الخاص وعلى صعيد المعارضة العراقية العام ونقصد تحديدا القيادة الليبية وزعيمها العقيد معمر القذافي والذي قدم الأموال والدعم لجلال ولبقية التنظيمات العراقية العربية والكردية المعارضة لصدام حسين ونظامه في العراق وهكذا أصبح الطالباني وتنظيمه ممن يملكون القدح المعلى كما يقال في ليبيا دعما من الأموال والمواد اللوجستية التي تساعدهم في استمرار عملهم في العراق وخصوصا في شمالي العراق بالذات.


والمثير للإستغراب والإستهجان هذه الأيام أن كيف (زحلق ) الطالباني الدعوة الرسمية التي تلقاها لحضور مؤتمر القمة العربية الذي انعقد قبل أيام في مدينة سرت بليبيا وليصار لتمثيل العراق بوزير الخارجية هوشيار زيباري وليتجه الطالباني بنفس الوقت شرقا الى ايران ويصحب معه نائب الرئيس عادل عبد المهدي في اعلان المشاركة بإحتفالات عيد النوروز (21 آذار) مع تسع دول أخرى تحتفل سنويا بهذه المناسبة، ولم نسمع خلال السنوات الطويلة الماضية عن مثل هذه المشاركة للعراق رسميا في مثل هذه المناسبة وبإيران بالذات،، ومن الجائز أن يضع أي انسان متابع للأمور أسبابا لهذا التحول والإجراء على مستوى العراق وقيادته الراهنة فيما يخص نظرتها للعمل العربي المشترك خصوصا وأن النظام الحاكم في العراق حاليا قد غدا مكروها في أوساط العالم العربي الشعبية قبل الرسمية!!


فكيف إذا كانت قمة سرت الليبية مخصصة لبحث قضية مدينة القدس ومحاولة (اسرائيل) تهويدها بالكامل وتغيير واقعها العربي الإسلامي؟
ومن الممكن الكتابة عن هذا الموضوع بجوانبه الكبيرة والصغيرة والتي تؤدي الى التأشير الى قرار جلال وعزوفه التوجه الى ليبيا لحضور المؤتمر ولقاء صديقه القديم أيام زمان العقيد معمر القذافي!! واستعادة ذكريات العمل والنضال في مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي الا أني تجاوزت النقاط العديدة التي تدين هذا الموقف في عدم المشاركة وقباحة هذا الإجراء كون العراق بلد عربي في غالبيته الساحقة من مواطنيه وأن العراق قطر مؤسس في الجامعة العربية،ألا أني توقفت عند نقطة واحدة جعلتني مقتنع بخلقيات قرار جلال وعدم رغبته السفر الى ليبيا وتلك قصة لها تاريخا ولها حضورها كذلك في التاريخ، حيث أن شخصيها (جلال ومعمر) لا زالا أحياء وهما على رأس السلطة في العراق وليبيا !!


وأما ما يتردد الآن في الأخبار من أن هؤلاء مع ممثلين عن حزب الدعوة موجودون في ايران يبحثون ظروف توافقهم لمجابهة نتائج الإنتخابات التي جرت في العراق يوم السابع من آذار الجاري وأدت الى فوز القائمة العراقية النسبي على الباقين منفردين، فلا تعليق لدي سوى كلمة.. ياللعار كيف رخص الوطن وضاع!!
وفي قصة جلال مع الرئيس الراحل صدام حسين متجه آخر ونكهة أخرى فقد حدثت تلك داخل الوطن العراقي حينما ألهب جلال المشاعر لدى العراقيين المعارضين المتواجدين في الشام أثناء بدايات الحرب العراقية الإيرانية وتحديدا في 1981،وأعلن بأن الطريق الى بغداد لإسقاط صدام ونظامه تمر عبر (ثورة عراقية ) تتفجر من كردستان العراق ولتزحف بإتجاه بغداد !! والتحق به وبقواته عدد غير قليل من المناضلين البعثيين في سوريا وبقية الناشطين العراقيين القوميين والوطنيين وتسلل كذلك الى الداخل العراقي في الشمال اللواء الركن المرحوم حسن مصطفى النقيب ومجموعة من الضباط العراقيين،وفجأة قلب جلال اتجاه الدفة ليتجه الى بغداد رأسا ويقابل صدام حسين بالضم والقبلات!! وبقية القيادة العراقية من عزت الدوري وعلي حسن المجيد وطارق عزيز وغيرهم، قبل أن تنهار المفاوضات مع بغداد.


أن أبرز ما ميز العهد السابق،عهد صدام حسين هو الخوف، خوف المواطن العراقي من كل شيء وأحيانا من الوهم الذي يخلقه وينميه الخوف نفسه !!، وقد كتبت في هذا الصدد وتكرمت (إيلاف ) بنشره بتاريخ 25/7/2009،تحت عنوان ( من ndash;جمهورية الخوف- الى جمهورية الكذب ) حيث بينت كيف أن المحتلين الأمريكان قد أسلموا الشعب العراقي الى طغمة من الكذابين تاريخيا وقلت في نهاية تلك المقالة ما نصه ((.. والمالكي يدرك قبل غيره مدى خيبة الأمل التي تلف الأمريكان الآن بعد إنهائهم لوضع العراق السياسي والقانوني الدولي في 9/4/2003، وفرض بدائل غير حقيقية على الواقع العراقي على أساس تقسيمه العرقي والطائفي وقد تبين لهم وبالملموس المادي بأن تحالفهم مع المجموعات التي نصبوها في حكم العراق لم يضمن لهم الولاءآت التي كانوا يحلمون بها أو ينشدوها فالجيب الإنعزالي المغامر مشغول بما استحوذ عليه من مكاسب مشروعة وغير مشروعة على حساب الدولة العراقية ويسعى الى تفتيتها وشرذمتها طمعا في تثبيت احلامه الذاتية.
فأي حديث حقيقي عن المصالحة العراقية واستحقاقاتها وشروط نجاحها ودوامها لن يدخل في آجندة الحكم العميل ببغداد إلا بشرط واحد ألا وهو أن تكون جزءا وركنا في بناء هيكل الكذب والدجل الذي يلف العراق الحالي.)/.

ومن دون تشاؤم فيما ستؤول له الأوضاع قريبا في تشكل وضع سلطوي جديد في بغداد يبرز وجوها جديدة على حساب وجوه مرشحة للتساقط في سلال الإهمال والنسيان !! تبقى معادلة الوطن العراقي الواحد والشعب الموحد هي الأبقى والأصح في دروب العزة والإستقلال والمقاومة واستعادة العراق لحقه ولدوره الوطني والقومي الإنساني.

لندن في 29/3/2010

[email protected]