تختلف هموم الساسة في العراق عن هموم المواطن البسيط الذي لا حول له ولاقوة، فهو لايبغي اكثر من حقوق بدائية جدا بالنسبة لعصرنا هذا كالحصول على قنينة غاز ووقود وساعات زيادة للطاقة الكهربائية وماء الشرب مع الاحتفاظ بكرامته عند تحقيق ذلك، كذلك يريد ان تزول مخاوف حصول انفجار مفخخة او اغتياله عند عودته من العمل الى البيت لسبب لاهو يدريه ولا نحن و لا حتى الارهابي!

مسألة تشكيل الحكومة العراقية احتلت الواجهة في الاحاديث اينما تذهب، فهي لدى رئيس الوزراء العراقي رئيس قائمة دولة القانون و من صوتوا لها تشكل القضية الاولى، ولدى قائمة العراقية و ومؤيديها وحتى وزراء الحكومة المنتهية ولايتها كذلك، اما الخارجية الامريكية والبريطانية والامم المتحدة اضافة الى الاخوة في جامعة الدول العربية و دول الجوار، فهم على نار كما يقول المصري، انهم كما نسمع منهم حريصون جدا على كل شىء! على دعم التجربة العراقية الفريدة وعلى سلامة العراق ارضا وشعبا! على وصول القائمتين الى اتفاق وتقريب الآراء وتشكيل الحكومة بالسرعة الممكنة، وعلى انسحاب الجيش الامريكي في العراق في الموعد المقرر وعدم التدخل شرط تقديم المساعدة! و..الخ.

مع ان قضية تشكيل الحكومة في هذه المرحلة، كما اشرنا اصبحت الواجهة لجميع المسائل المرتبطة بالسياسة في العراق ومحط انظار الجميع، لكنها اصبحت ايضا صعب المنال والتحقيق، فمع وجود كل هذه الخلافات و كل هذه الجهات الخارجية التي تساند قائمة على حساب اخرى وكل هذه المواقف ووجهات النظر المختلفة لدى رئيس كل قائمة، لايبدو ان المشهد السياسي في العراق سينتهي في القريب العاجل ويخرج بحكومة وطنية، فبرأيي حتى لو وافق رئيسا قائمتي دولة القانون والعراقية وبمباركة الائتلاف الوطني الذي تحالف مع دولة القانون قبل أيام على توزيع مدة الحكم مناصفة بينهما أي ففتي ففتي (عامين لكل منهما) كما يفضل الجانب الامريكي و شكلتا الحكومة، فلا اعتقد بأنها ستكتب لها النجاح في ظل الوضع العراقي الخاص جدا.

صحيح ان المواطن العراقي قد ادلى بصوته ويتمنى ان تشكل قائمته الفائزة الحكومة، لكن ما لا يريده هو هذا الوضع المربك الذي دخله العراق، فهو لايريد صراعا سياسيا يظهر على الساحة من شأنه ان يشل الحياة المشلولة اصلا، لانه يدرك ان من شأن اي صراع سياسي أو طائفي أو استحقاق انتخابي، ان يضرب هموم ومشاكل المواطن اليومية بالحائط، فالحكومة العراقية عندما تكون في أحسن حالاتها لا تستطيع ان تخدم المواطن لا من الناحية المعيشية ولا الأمنية وحتى الاجتماعية بشكل معقول، اذن فكيف تقوم بذلك عندما تدخل الدوامة السياسية التي تسعى الكل داخلها الى مصالحها الشخصية والحزبية الضيقة!

ما هو موضع القلق والتخوف انه من هنا حتى تشكيل الحكومة، سيتم نسيان المواطن وهمومه التي لا تحصى وكأنه لم يكن ولم يكن له وجود ولم يكن هو من اعطى صوته للقوائم التي تتصارع الآن من أجل تحقيق المصلحة الحزبية والشخصية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا، من المتوقع جدا ان تتراجع أكثر فأكثر الوضع العام في العراق بسبب تعنت القوائم الفائزة ولجوئهم الى الأوساط الخارجية التي صارت الآن مرجعا مهما لبعضهم، وهذا التراجع قد يؤدي بالعملية السياسية برمتها الى الهاوية ويرجع بالوضع الى نقطة البداية، وهذا ما لايتمناه العراقيين الذين يكنون الولاء والاحترام لوطنهم ويخشونها.


كاتب وصحفي كردي
- السليمانية