أبان فترة الحرب العراقية الايرانية، وعندما إحتلت القوات الايرانية لفترة وجيزة منطقة الفاو العراقية، يومها دأب اعلام النظام الايراني على ذكر عبارة(جارتنا الجديدة)، ويومها تعجبت العديد من الاوساط الاقليمية و الدولية من هذا التصريح السمج و المرفوض وفق أبسط الاعراف و المواثيق الدولية، لكن المطلعين و المتابعين عن كثب لكل مايبدر عن هذا النظام، رأوا فيها إشارة و رسالة خاصة لدول المنطقة بشكل عام و دول الخليج العربي بشكل خاص. عبارة(جارتنا الجديدة) الكويت، التي أطلقتها وسائل أعلام نظام ولاية الفقيه، كانت في الواقع تحذيرا ضمنيا قويا للكويت و دول الخليج العربي الاخرى التي كانت و لأسباب منطقية و واقعية تدعم العراق في حربه مع إيران و تتوجس ريبة من النظام الايراني الذي ماأنفك يدعو الى مفاهيم و افكار غريبة على أمتنا العربية و لاتتماشى مطلقا مع روح التسامح و المحبة و الالفة و الايثار التي تربت و ترعرعت عليها. وعندما أطلقت وسائل الاعلام الايرانية هذه العبارة، كان الاخطبوط(الاطلاعاتي)و(المنظومات الامنية التابعة للحرس الثوري)، قد بدأ ينفذ خطة خبيثة و مشبوهة في مختلف دول الخليج العربي ومنها الكويت، وقد سعت في بداية الامر لإستغلال الايرانيين المقيمين او المتجنسين في الكويت من أجل مآرابها العدوانية الخاصة، وحاولت من خلالهم التغلغل للعمق الكويتي و إنشاء شبكات تجسس و جمع معلومات مختلفة الانواع. وبحسب مصادر استخباراتية إقليمية مسؤولة وقتها، فإن المهمة لم تكن سهلة ولاسيما وان الاجهزة الامنية لدول الخليج بشكل عام قد كانت إتخذت الاحتياطات اللازمة للتصدي لأي محاولة من هذا القبيل، وكان الصراع صامتا و غير مباشرا ولم يحبذ او يرغب أي طرف بنشر أية معلومات متعلقة بهذه المساعي لحساسيتها خصوصا وان نظام ولاية الفقيه كان يومها قد تمكن من التمويه على قطاعات عريضة من الشارع العربي و صور لهم نفسه بمظهر(نصير)و(ظهير)العرب في صراعهم ضد الكيان الصهيوني، ومن هنا، فإن هكذا اجواء كفلت له أرضية مناسبة و ملائمة كي يخدع من خلالها العديدين من الشيعة العرب في أقطار الخليج العربي و قامت بتجنيدهم تحت عناوين و مسوغات متباينة ظاهرها مناصرة الشيعة و الوقوف معهم من أجل نصرتهم، اما مضمونها فلم يكن شيئا سوى خدمة المصالح الايرانية بعيدة المدى في المنطقة. وقد إكتسبت الكويت أهمية خاصة لدى النظام الايراني، خصوصا وان دورها السياسي و الاقتصادي في المنطقة و العالم كان مشهودا و مؤثرا، كما أنها كانت تمتلك شبكة علاقات إقليمية و دولية واسعة بإمكانها لعب دور واضح في صياغة و تصنيع القرار السياسي على ذينكما الصعيدين، ولأجل ذلك، حاول نظام ولاية الفقيه بشتى الطرق و السبل لكي يكون له حضورا إستثنائيا في الكويت ولم يكن ذلك ممكنا له مطلقا عبر الطرق و الوسائل المشروعة و القانونية، ولهذا السبب لجأ الى الطرق و الاساليب غير المشروعة و المخالفة للأعراف و الموازين الدولية و مبادئ حسن الجوار، هذه الحقيقة وان لم يشأ البعض من الاوساط السياسية و الاعلامية العربية الاخذ بها، بل وحتى أنها علاوة على ذلك إعتبرت إثارة الحديث عن نفوذ أمني او سياسي او ماشابه للنظام الايراني في بلدان الخليج ومن ضمنها الكويت، بأنه نوع من التهويل و المبالغة غير المنطقية وان كل ذلك مجرد إشاعات او قرقعة إعلامية من أجل أهداف سياسية محددة.
ولم تكن اوساطا سياسية و اعلامية عربية و اقليمية لوحدها من تثق ببراءة النظام الايراني من أي تدخلات او عبث بالامور و الشؤون الداخلية لدول المنطقة(دول الخليج العربي بشكل خاص)، وانما حتى أن اوساطا سياسية و اعلامية دولية كانت أيضا للأسف تردد مقولة براءة نظام ولاية الفقيه من أية شبهات بحقه بخصوص تدخله بالشأن الداخلي لدول أخرى، لكن، تواتر و توالي التقارير الخبرية و السياسية(والاستخبارية)عن تدخلات إيرانية في العراق و اليمن و البحرين و السعودية و الامارات العربية ومصر جعلت من موقف الاوساط السياسية و الخبرية آنفة الذكر في غاية الضعف بل وحتى إن البعض منها طفق يسعى للتنصل من ذلك الموقف او على الاقل طرحه لموقف جديد يتميز بشئ من التوازن و فيه خيط ما من المصداقية.
وقبل بضعة أيام، وعشية إفتضاح شبكة تجسس تابعة للنظام الايراني في الكويت و تفكيكها واعلان ذلك بصورة رسمية، توضح للعالم بشكل عام و لدول المنطقة و دول الخليج العربي بشكل خاص، زيف و كذب و دجل كل الادعائات الواهية لملالي طهران عندما يؤكدون عبر وسائل الاعلام فقط عن رفضهم للتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وانهم متمسكون بأمن و استقرار و سلام المنطقة. ان كشف هذه الشبكة، هو بالحقيقة برهان رسمي و عملي موثوق بالدور التخريبي و المشبوه للنظام الايراني بحق دول الخليج العربي و سعيه المفرط من أجل زعزعة أمنها و استقرارها في سبيل بلوغ غايات و مرام سياسية و امنية معينة، واننا كمرجعية سياسية للشيعة سبق لنا وان أكدنا وفي الكثير من المناسبات المتباينة على الدور المريب و المشبوه و التخريبي لهذا النظام و دعونا شعوب و حكومات و قادة دول المنطقة و العالم، الى توخي أقصى درجات الحيطة و الحذر من هذا النظام و أكدنا بأنه لايتوانى من اللجوء الى مختلف الطرق و الوسائل مهما كانت ملتوية او بعيدة كل البعد عن كل الاعراف و الموازين المتعارف عليها من أجل بلوغ غاياته و اهدافه، فإننا نؤكد اليوم أيضا بأن خبث هذا النظام يتجاوز كل الحدود المألوفة حيث أنه وكلما أفتضحت له عملية او مكيدة مشبوهة سرعان مايلجأ لأخريات أحط و أقذر منها واننا في الوقت الذي نبارك فيه وبكل قوة للأجهزة الامنية في دولة الكويت على عملها البطولي و الجبار هذا، فإننا ندعوها للإستمرار بعملها وفق هذا السياق من أجل كشف كافة أوكار و مخابئ و دهاليز هذا النظام العدواني في الكويت حتى القضاء على آخر تواجد مشبوه له هناك مثلما أننا كمرجعية سياسية للشيعة العرب ندعو أخواننا من الشيعة الكويتيين الى المزيد من الحيطة و الحذر و عدم السماح لأزلام و أذناب نظام ولاية الفقيه من التغلغل بينهم و جعلهم جسرا و معبرا لغاياتهم الاجرامية وندعو اولئك الذي تورطوا بشكل او بآخر مع هذا النظام الى الاسراع في نفض غبار و دنس هذا التورط عن أنفسهم بالاتصال بالاجهزة المختصة في بلدانهم من أجل تبرئة ذمتهم أمام الله سبحانه و تعالى اولا و امام الشعب و الحكومة الكويتية ثانيا، ذلك أن كيد هذا النظام مآله الى الزوال و التلاشي وان ساعة الحسم آتية و لاريب فيها وقد أعذر من أنذر.

محمد علي الحسيني
المرجع السياسي للشيعة العرب.