أصبحت من المغرمين بمشاهدة الأفلام التي تبحث قضايا المرأه في الدول الإسلاميه بعد قراءتي لكتابي الكاتب الأفغاني خالد حسين quot; لاعب الطيارة الورقيةquot;.. والذي تحول فيما بعد إلى فيلم سينمائي عالمي.. والثاني quot; ألف شمس رائعة quot;.. خلالهما شعرت بعمق تغلغل الثقافة الإسلاميه المستمدة من الدين في ثقافة الشعوب المسلمه وإن تفاوت مدى التزمت الديني بتفاوت الوضع الإجتماعي والثقافي والسياسي وتفاوت تفسيرات الدين وتأويلاته من قبل فقهاء الدين من دولة إلى أخرى... بعدها أصبحت قراءة مثل هذه الكتب ومشاهدة هذه الأفلام إحدى أدوات بحوثي في المواضيع التي أهتم بها، كأثر ثقافات الشعوب والأديان على حقوق المرأه.. وأثر الثقافات على الأديان.. وأثر الأديان على الثقافات.. ومجتمعين مدى إجحافهم بحقوق المرأه..

بالأمس ذهبت لمشاهدة فيلم quot; نجم أفغانيquot;.. والذي عرضته منظمة العفو الدوليه
) في قاعتها بالحي الشرقي من مدينة لندن.. ِAmnesty International

تدور قصة الفيلم حول قيام قناة تلفزيونيه بإستثمار الحريه المتاحه بعد دخول القوات الأميركيه إلى أفغانستان للقضاء على تنظيم القاعده بعد احداث سبتمبر والقضاء على النظام الطالباني المتحجر الذي آواها في أفغانستان.. ومحاولة القوات ألميركيه العمل على نقل الشعب الأفغاني من تحجر وجمود عقلية العصور الوسطى إلى العالم المعاصر.. حيث قامت هذه القناه بتقليد القنوات الفضائيه الأخرى بتنظيم سباق لإختيار أفضل مغني أفغاني ونقله إلى مصاف النجوميه.. في محاولة للترفيه عن المجتمع الأفغاني وإخراجه من همومه السياسيه.. وإحياء تفاعل بين الجمهور والمشاركين.. قد يتخطى الحواجز الطائفيه والمذهبيه خاصة تلك الراسخه بين السنه والشيعه والتي تنطوي على إعتقاد راسخ لصواب واحد منهما دون الآخر ويعبر عنه في السابق بدونية الشيعه.. وإحتقارهم وإعطائهم أدنى الوظائف..

تبدأ الحملات الإعلاميه بالتعبئه لجميع المتسابقين، ونرى بوضوح توق الجيل الأفغاني الجديد إلى حياة طبيعيه وتطلع إلى الحريه التي حرمه منها الحكم الطالباني، الذي نجح خلال سنوات حكمه القصيره بتثبيت قيم مجتمعيه لا ترتبط لقيم أي من الأديان وترتبط بالعصور الحجريه.. ونجح إلى حد كبير بنقل المجتمع الأفغاني من مجتمع كان في طريقه للإنفتاح والتحرر في الثمانينات حيث نرى مشاهد حيه من وجود المرأه إلى جانب الرجل في مقاعد الدراسه.. ووجودها معه في الجامعات.. إلى مجتمع إسلامي ذكوري بالكامل.. نزلت كل مظالمه ومظالم نظامه كلها على رأس المرأه في حرمانها من كل حقوقها التعليمه والإنسانيه وإلى إستعبادها من قبل الرجل الذكر!

حاول المخرج أن يحقق الوحده المنشوده بين الطائفتين السنيه والشيعيه من خلال المسابقه والتصويت لأفضل مغني.. إلا أننا نرى في الفيلم تسابق كل الفئات الطائفيه للتضامن مع مغنيها في هذا السباق بغض النظر عن عذوبة صوته..

برغم روعة موسيقى الفيلم التي تمس شغاف القلوب بألحانها.. وكلماتها إلا أننا لا نستطيع كمشاهدين الإنفكاك من متابعة مأساة الفيلم التي تتمثل بمشاركة فتاتين في المسابقه..
. أحدهما إتبعت الغناء الكلاسيكي على أمل الفوز بمبلغ الجائزه الخمسة آلاف دولارلتنتشل نفسها وعائلتها من الفقر المدقع.. والأخرى إتبعت الغناء الحديث مع القليل من الحركه الراقصه..لأنها تعشق الموسيقى والنجوميه من أهم طموحاتها..

كلا عائلتي الفتاتين وقفتا إلى جانبهما لتحقيق هذا الطموح.. ولكن المجتمع الذكوري هو من رفضهما.. وعقد رجال الدين عزمهم على تطويع كلا الفتاتين بالإستناد إلى أن أي تصرف لهما يجب أن يكون مقيدا بما جاء في الشريعه الإسلاميه !!!! متخذا من سلاح هيمنته ووصايته على كل إمرأه حقا له في تحجيمها.. وإعادتها إلى حظيرة الطوع والطاعه الذكوريه.. وبالتاكيد فإن كونهم رجال الدين وفقهاؤه نرى بوضوح مدى سيطرتهم على العقليه الأفغانيه.. والمجتمع الأفغاني.. أصدروا الفتاوي ضد كلا الفتاتين. مؤكدين الهيمنه والتسلط الذكوري على المرأه.. وكله بإسم الدين !!! تأكيدهم بأن الموسيقى حرام.. ومحرمه في الدين.. جعلني أتساءل.. ترى كيف يكون هناك حديث شريف للنبي (سلام الله عليه ) يقول فيه بما معناه..quot;quot; أعلنوا النكاح ودقوا الدفوف quot;quot;.

ولكن وكالعادة الذكوريه التي تختار ما يتناسب مع ما تريد.. لم يستمع الشباب والمجتمع بأسره لهذا التحريم ويعقد العزم على المشاركه في المسابقه.. والإستمتاع بموسيقاها...
نشاهد في أواخر العرض خوف الصغيره من العودة إلى أهلها وبقائها فتره تحت الحمايه الأمنيه في كابول إلى أن تستجمع شجاعتها وتتحدى المجتمع وتعود إلى أهلها في حيرات تسبقها شائعات كثيره..تهدد حياتها..

ينتهي الفيلم عند خسارة كلا الفتاتين في المسابقه.. تحت التبريرات الفقهيه بأن صوت المرأه عوره.. وأن مكانها البيت.. وفوز المغني السني في المسابقه..
وإنتصار المجتمع في رفض تفسير فقهاء الدين بتحريم الموسيقى وإن تضامن معهم في شجبه لإشتراك كلا الفتاتين.. بما يؤكد بأن المجتمعات الذكوريه تؤيد وتمنع تبعا لمصلحتها قبل أي شيء آخر...

إرتباط المشاهدين بمصير الفتاتين كان واضحا في الأسئله العديده التي ألقيت على مخرجة الفيلم. والتي أخبرت المشاهدين بأن هناك الكثير من الشائعات والتي مفادها بأن المطربة الكلاسيكيه قتلت.. أما عن الفتاه الصغيره الأخرى.. فقد تزوجت وحملت ولكن وقفت عائلة الزوج ضدها..وأصرت على تطليقها مما أدى إلى إجهاضها. وهي الآن في طريقها هربا من أفغانستان إلى باريس وبعدها إلى لندن..

أتساءل هنا.. في خضم التنافس الإنتخابي في الدول العربية المسلمه ما بين الأحزاب المختلفه.. ومنها الأحزاب والتنظيمات الإسلاميه.. هل هذا هو ما ستجنيه المرأه من وصول أي من هذه التنظيمات المتدثره بالدين إلى الحكم!!


هل سيكون الركود الفكري والتخلف هو ما ستجنيه هذه المجتمعات حتى بعد سقوط مثل تلك الأنظمه في حال وصلت إلى الحكم كما رأينا الحال في أفغانستان؟؟؟
ولكن السؤال الأهم.. هل القوانين التشريعيه خاصة تلك التي تتعلق بحقوق المرأه في دساتير الدول الإسلاميه تضمن لها حقوقها ومساوتها؟


أحلام أكرم - ناشطه وباحثه في حقوق الإنسان