بالتأكيد سوف يتبادر للذهن من هو كارل بيرتيل؟ كارل بيرتل ليس رئيسا ً لوزراء أحدى الدول ولا ناشط سياسي يقبع في أحد سجون دولة من دول العالم الثالث. كارل بيرتيل هو بطل أحدى القصص للكاتب السويدي (تاكه دانيلسون). هي قصة للأطفال فوق الثامنة عشر، أي لمن يعيشون طفولتهم بعد الثامنة عشر. لقد تحولت القصة إلى فلم وفلم كارتوني عدة مرات ليعرض كل رأس سنة في التلفزيون السويدي للعبرة.

كارل بريتيل شاب صغير يعمل في دائرة البريد، متأثر جدا ً بروبين هود حيث تؤلمه مشاهدة الفقراء في طريقه للعمل كل يوم. والده رجل بيروقراطي ويعمل كمدير لمتجر يبيع السلع المنزلية. في رأس السنة الميلادية قرر كارل قرارا ً خطيرا ً وشجاعا ً. لقد قام بجمع كل الهدايا التي يبعثها الأغنياء لبعضهم ومن ثم بدأ بالبحث عن عناوين الأشخاص الأكثر فقرا ً في سجلات الضريبة في دائرة البريد. بعد أن جمع الهدايا وضعها بأكياس وإرتدى زي بابا نؤيل وقام بتوزيعها على فقراء مدينة ستوكهولم. لقد كانوا فرحين جدا ً وهو كان أكثر فرح منهم. وفي اليوم التالي جاء أصحاب الهدايا إلى البريد لمعرفة ماحصل لهداياهم التي لم تصل. وبعد أن عرف أبوه بالموضوع جن جنونه ودار بإبنه على كل البيوت التي بعثت هدايا من خلال البريد. ولكن، وبعد أن عرف الأغنياء أن هداياهم ذهبت لفقراء هم بحاجة إليها صاروا أكثر فرحا ً وسعادة ً وسامحوا كارل بيرتيل على فعلته هذه.

أقول ماذا لو كان رئيس الوزراء العراقي مثل كارل بيرتيل بإتخاذ قرار شجاع بتقديم إقتراح للبرلمان العراقي يطلب فيه تخفيض رواتب السياسيين والبرلمانيين بالخصوص لدرجة تناسب سلمهم الوضيفي ويقوم بإلغاء فقرة المنافع الإجتماعية التي لم يعرف إلى الآن قيمتها. هذا على الصعيد الخاص، أما على الصعيد العام فهناك سؤال يطرح نفسه، هل المجتمع العراقي بحاجة للعدالة الإجتماعية؟ السؤال الكلاسيكي القديم يعود مرة أخرى بحلة جديدة، هل يسرق الأغنياء أموال الفقراء في العراق؟

إن موضوع رواتب السياسيين العراقيين، والبرلمانيين بالخصوص، ومنافع الرئاسات الثلاث سوف لن يتغير مادامت هناك رغبة عند الكثير من السياسيين بإبقاء الوضع كما عليه للإستفادة من الإمتازات المادية قدر المستطاع، فالموضوع عبارة عن صفقة تجارية عند الكثيرين. إذن، وفي مثل هذا الوضع لايتم الإصلاح إلا بقرار شجاع من رئيس الوزراء كقرار كارل بيرتيل. إما ما يخص موضوع العدالة الإجتماعية وأموال الفقراء التي تذهب للاغنياء، بشكل قانوني أو غير قانوني، فتلك قصة لايرويها ولا يخوض غمارها إلا رجل مثل روبين هود.

فبعد التحول الديمقراطي في العراق، وبعد إتجاه العراق نحو إلاقتصاد الحر، لابد أن نقبل مساوئ تلك التوجهات ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لها. إن من مساوئ الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر هو إرتباطهما بالنظام الرأسمالي الذي يجعل الفقير أكثر فقرا ً والغني أكثر غنى. وفي هذه الحالة فلابد للحكومة من التدخل بجرئة وشجاعة مثل كارل بيرتيل. حيث لابد لتلك الحكومة من أن تدعم الطبقات الضعيفة بالمجتمع لجعلها تصمد أمام التحديات الكبيرة. فهي تحتاج لقوانين تقوم على أساس التمييز الإيجابي لتلك الطبقات الضعيفة وذلك لتحقيق جزء من العدالة الاجتماعية. وإن لم تفعل الحكومة ذلك فعليها مواجهة تحديات كبيرة لمجموعات تقوم بدور روبين هود،أي تقوم بسرقة أموال الأغنياء لتعطيها للفقراء. لكن المشكلة هي إن ظهر شكل من أشكال روبين هود الذي يسرق من الأغنياء ولا يعطي الفقراء، أو من يسرقهما معا ً، بالخصوص أن كان روبين هود صاحب مليشيا أو تدعمه جهات متنفذة بالحكومة.

إذن، المطلوب هو البدأ في الفكير لتخفيض الرواتب والمنافع إلاجتماعية للسياسيين العراقيين والذي يحتاج لقرار شجاع من رئيس الوزراء وذلك بطرح مشروع القرار في البرلمان العراقي لمناقشته. أما موضوع العدالة الاجتماعية فهو بحاجة لإعادة النظر بالنظام الديمقراطي الليبرالي والتفكير بالنظام الديمقراطي الاشتراكي الذي يسمح بالتمييز الإيجابي للفئات الضعيفة للمجتمع. وذلك أيضا ً بالنسبة لنظام الاقتصاد الحر، أي التفكير بتقييده قليلا ً بشروط تمنع الإستغلال للمواطن البسيط ودعم الكثير من المشاريع لمحدودي الدخل أو دعم المواطن البسيط من خلال عدم خصخصة قطاعات كبيرة كالصحة والنقل وغيرها الكثير وذلك لتحقيق جزء بسيط من العدالة الاجتماعية التي تمنع ظهور روبين هود صاحب الميليشيات أو من تدعمه جهة متنفذة بالحكومة.

http://www.elaphblog.com/imadrasan