أمس كتبت هذه السطور أدناه، ثم انقطعت الكهرباء، فنمت مقهوراً. والسطور هي:
[التعريف المركزي للمثقف القذر عندي، هو أن يكون كلبَ حراسة للسلطة الظالمة. خادماً يخدم على تسويغ وتلميع رموزها التافهة، مقابل الحصول على فتات أحذيتهم وموائدهم. بهذا المعنى، سأجد الكثير من المثقفين القذرين أينما جلت بعيني في أربعة أركان الجغرافيا الممتدة من المحيط للخليج. وبمناسبة ما يحدث في مصر الآن من انتفاضة شعبية سلمية [هي الأولى في نوعها وحجمها، ربما منذ أيام الفراعنة حتى هذه اللحظة، ضد فرعونهم المحلّي الكئيب الذي قزّم مصر وجعل من رُبع بشرها أمساخاً]، دعونا نركّز على مثقفي مصر، وذلك لنحصر الموضوع، فلا يتشعب باتساع الجغرافيا، فيكون حينئذ بحاجة إلى كتاب لا مقال قصير عابر.
أتابع هذه الثورة العظيمة منذ بدأت. أواصل الليل بالنهار، وتدمع عيني غير مرة، وأنا أستعيد ثقتي بشعب مصر وخصوصاً بشبابه _ عنوان ثورته ومفجّرها.
ستة أيام مرّت حتى الآن، تابعت خلالها، ولحظة بلحظة، قناة الجزيرة وقناة العربية [أساساً] وسواهما من قنوات.
ستة أيام لم أسمع فيها موقفاً حاسماً لكاتب أو مثقف مصري معروف باستثناء ثلاثة : المخرج السينمائي خالد يوسف [الذي أعلن موقفه المشرّف منذ بداية الأحداث] والناقد الأدبي صبري حافظ [المقيم بلندن] وشاعر العاميّة عبد الرحمن الأبنودي. فأين ذهب باقي المثقفين المصريين quot;الكبارquot;؟ ولماذا صمتوا؟ صحيح يجب أن نضع في الاعتبار هذا الظلام الإلكتروني المفروض على سماء مصر، حتى قبل أن تبدأ الأحداث، كذلك عدم تمكن كثيرين منهم من الوصول للفضائيات. ومع هذا لفت نظري الغياب الفاجع لصوت المثقف المصري بالعموم إزاء هذه الانتفاضة غير المسبوقة.
فأين هم؟ ومن يجرؤ منهم على الوقوف في وجه أكبر نظام فاسد في المنطقة؟]

واليوم الاثنين، أستيقظ على خبر تعيين جابر عصفور وزيراً للثقافة في حكومة الدكتاتور الكريه. فيا له من سقوط، ويا لها من فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل!
المثقف والناقد الذي هراناً حديثاً وتنظيراً عن التنوير، منذ كان يسارياً في السبعينات، فكتب وترجم عشرات الكتب، هاهو يقبل أن يكون في خدمة الفرعون. في وقت حساس ومصيري وتاريخي، يأبى فيه كل من له ذرة عقل وشرف واحترام لنفسه ولشعبه، أن يدخل هذه الوزارة.
لقد سقط جابر عصفور، منذ قبل جائزة الدكتاتور الليبي، وها هو يختم حياته بالضربة القاضية: الوقوف مع طاغية مصر ضد شعب مصر العظيم.
ملاحظة: هل يمكن الفصل بين الشخص والنص؟ وهل يمكن تصديق جابر عصفور بعد هذا العار؟
وداعاً يا حاوي التنوير!