كل المؤشرات تدل على أن البحرين سوف تكون الضحية القادمة للتجاذب الطائفي والذي سوف يدخل البلد في نفق طويل من عدم الإستقرار السياسي والاقتصادي والذي يمكن أن يؤدي إلى عدم إستقرار اجتماعي أيضا ً.

فبعد العراق ولبنان واليمن ربما سيكون البحرين أرض خصبة للتنافس فيما بين دول اقليمية كبيرة إضافة للولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق المصالح. فعلى المستوى السياسي نشاهد أن هناك إصطفاف طائفي أبطاله دول اقليمية تريد أن يكون لها دور في البحرين. أما على المستوى الإعلامي فهناك تجاهل ملحوظ لقنوات فضائية كبيرة ومعروفة بمهنيتها وحرفيتها الإعلامية لما يتعرض له المتظاهرون في البحرين. فلكل فضائية عين واحدة فقط، هي عدسة الكاميرا والتي تديرها حيثما توجد المصلحة، بعيدا ً عن مبدأ دعم الشعوب من أجل التحرر من الظلم والطغيان كما تدعي. حتى أن إحدى الفضائيات وفي طريقة صياغتها لأخبار البحرين تظهر المتظاهرين بدور الجلاد وقوى الأمن البحرينية في موقع الضحية في عملية مكشوفة لاتحترم عقل المشاهد الذي يعرف كل شيء.

هناك حقائق لابد من الوقوف عليها. أولا ً لابد من الإعتراف بأن هناك أزمة سياسية ليست بالجديدة تعيشها البحرين والكثير من دول المنطقة، وهي إستئثار عائلة واحدة أو قبيلة واحدة أو شريحة واحدة على مقاليد الأمور في البلد مما يؤدي إلى التهميش السياسي لباقي شرائح المجتمع. إن المشكلة أن هذا الإستئثار يختبئ خلف قناع طائفي ليحمي نفسه من الإنهيار. فتمثيل كل شرائح المجتمع في التداول السياسي وإتخاذ القرار صار مطلبا ًمحتما ً في الوقت الراهن. ربما كان هذا الوضع مقبولا ً في العقود السابقة، أما الآن وبعد الإنفتاح السياسي والإعلامي والاقتصادي في زمن العولمة لابد على كل شرائح المجتمع أن تشارك في النشاط السياسي للبلد.

أما الحقيقة الثانية فهي أن المنطقة العربية تغلي الآن من أجل تحرر شعوبها من الدكتاتوريات التي تهيمن عليها والتي جعلت تلك الدول ومجتمعاتها متخلفة ترزح تحت خط الفقر وتنتشر فيها الأمية والجهل بشكل كبير. السؤال هو لماذا تعتبر التظاهرات والثورة لبعض الشعوب ثورة حقيقة من أجل التحرر والإنعتاق فيما تعتبر التظاهرات في دول أخرى معبرة عن مطالب فئوية وطائفية فيدير الإعلام له ظهرها متجاهلا ً بأن زمن التهميش السياسي قد ولى وجاء الآن دور الشعوب في قول كلمتها.

إنطلاقا ً من تلك النقطتين لابد أن نفهم بأن لأهل البحرين في تظاهراتهم مطالب حقيقية يعترف بها حتى النظام البحريني نفسه. لكن هذه المطالب حولت من قبل الدولة وبعض الاطراف الاقليمية إلى مطالب طائفية تعبر عن صوت فئة واحدة. فالمشاركة السياسية في صنع القرار وتوزيع الثروة والمكاسب الاقتصادية بشكل عادل حق طبيعي لكل شعوب العالم. وحق التعبير والتظاهر حق طبيعي كفلته كل الأديان والأعراف والمواثيق الدولية لكل الشعوب. فلماذا تحول تلك الحقوق إلى مطالب ذات بعد سياسي لتدخل المنطقة بإجمعها في إصطفاف طائفي نحن في غنى عنه.

إن تدخل جيوش بعض الدول الخليجية في الشؤون الداخلية لدولة البحرين سوف يعزز من الإنقسام الطائفي في المنطقة بدلا ً من أن يكون حلا ً لمشاكلها. فلم تدخل البحرين في حرب خارجية ولم تتعرض للتهديد الخارجي لتطلب الحماية من قوات درع الجزيرة والذي أنشأ من أجل رد العدوان على دول الخليج كما حصل لدولة الكويت. فما يحصل من تظاهر في البحرين الآن يحصل في جميع الدول العربية. فهل تستدعي الدول الأخرى مثل اليمن ومصر وليبيا حلفائها من أجل التدخل لضرب شعوبها؟ ومن جهة أخرى، إن إستغلال إيران للمطالب المشروعة للشعب البحريني في صراعها الأقليمي مع بعض دول الخليج والولايات المتحدة لايزيد من الطين إلا بلة ولايجعل من البحرين إلى بلد مضطرب وغير مستقر على جميع المستويات والصعد.

لابد من أن نتعض ونحذر ونفتح قلوبنا لبعضنا، فكلنا أخوان بعيدا ً عن الإصطفاف الطائفي. فيكفينا عبرة من ثمان سنوات قضاها العراق في حرب مع أيران في إصطفاف طائفي راح ضحيته آلملايين من العراقيين والإيرانين، ضحايا بين قتلى وأسرى ومعاقين وأرامل ويتامى. وإلى الآن لمن ينته العراق من هذا الكابوس حيث صار العراق ساحة للصراع بين الدول الأقليمية لتأصيل الصراع الطائفي حيث آلاف الضحايا لتفجيرات ومفخخات لم يفلت منها سني أو شيعي مسيحي أو كردي أو عربي. أما لبنان فلازال بعد حربه الأهلية منقسما ً كصدى لإصطفاف طائفي لاتعرف عواقبه إلى الأن.

ماهو مطلوب هو التركيز على تحقيق مطالب الشعب البحريني ولايجب رفعها من مستواها الطبيعي للمستوى الطائفي ليضيع الحق على أصحابه. لابد من عدم التدخل من كل دول المنطقة في شؤون دولة البحرين فالتدخل لايحل الأزمة بل يعقدها ويزيد من الإنقسام بين شعوب تلك الدول ذات التنوع الطائفي كالعراق ولبنان والسعودية واليمن والبحرين وعمان كردة فعل لما يحدث في البحرين. لابد من الحوار بين كل الاطراف في البحرين لتحقيق روح المواطنة التي فشلت في تحقيقها الحكومة البحرينية لعقود عدة.

ولكن لابد أن لايكون الحوار حسب شروط الحكومة البحرينية حيث تكون فيها هي الخصم والحكم. إذن، حوار من أجل رسم حدود المواطنة وتحقيق المشاركة السياسية من خلال الديمقراطية والتكافء في توزيع الثروة وفرص العمل، وليس مامطلوب في البحرين قوات من أجل تحقيق الأمن. فالثورات علمتنا أن الحرية قبل الخبز والأمان كمطالب للشعوب. وأخيرا ً وليس آخرا ً، إن التاريخ علمنا بأن الشعوب ستبقى أما الحكومات فسوف ترحل وليست المسئلة إلا مسئلة وقت، فالنستغل هذا الوقت من أجل تحقيق طموحات الشعوب في التقدم والتطور والنجاح من خلال التحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية.

http://www.elaphblog.com/imadrasan
[email protected]