ان كل فراغ سياسي داخل الاحزاب الكردية يؤدي الى نظام المركزية، يسوده جو قاتم ومظلم وعقلية متحجرة ترفض التغيير والحداثة للانسجام مع التطورات السياسية الملحة محليا وكردستانيا واقليميا. وهذا يؤدي لدى قيادات هذه الاحزاب الى فقدان الرؤية الصحيحة لحل مشاكلها الحزبية، وتفعيل ثقافة الديمقراطية لحل الخلافات والمنافسات، ولاجل التفاهم حول الدفاع عن الحقوق القومية للكرد، ولكنهم، قيادات هذه الاحزاب، لا زالوا مشغولون بالشعارات الرنانة التي عجز وملّ منها شعبنا، وبالاخص في غرب كردستان.

الفراغ السياسي للاحزاب الكردية هو حالة من الجمود الفكري والثقافي الحزبي، الذي لا يقبل التطورات الجديدة المتلاحقة في المسيرة السياسية التحررية لكردستان، لكونهم يعيشون في القديم وينبذون كل فكرة جديدة، ويتجهون نحو الابسط حلا، وهو الحقل القديم الذي لن يدرّ خيرا على الكرد سوى الفوضى الايديولوجية في غياب ثقافة الديمقراطية وترتيب البيت الداخلي والمصالحة الوطنية.

ان الأحزاب الكبيرة في الساحة الكردستانية لن تستوعب ولن تدرك بالشكل اللازم المخاطر والمؤامرات التي تحدق بكردستان، أو تتغاضى عنها على وجه العموم، وبإقليم كردستان العراق بشكل خاص.

هذه المؤامرات التي تخططها كل من ايران وتركيا وسوريا بالتعاون مع العنصريين والبعثيين
والحاقدين على الكرد في العراق. هناك القصف الجوي والارضي على قرى اقليم كردستان العراق مع تدمير البنية التحتية، وتهجير سكانها، دون ان تتطرق الحكومة العراقية لهذه الحوادث الدامية والمؤلمة، ودون ان تحتج القيادة الكردية لهذه المؤامرة التركية والايرانية والاعمال الاجرامية بحق الكرد.

ان القيادة الكردية في العراق بناءا على أوامر الادارة الامريكية قامت بالوساطة بين الاحزاب السياسية العراقية، وتم عقد المؤتمرات في عاصمة الاقليم هولير برعاية رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني، للمصالحة ولاجل تشكيل الحكومة العراقية على حساب مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، في الوقت ذاته كان من المفروض على رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني ان يدعو الكرد الى انعقاد مؤتمر وطني كردستاني لجميع أجزاء كردستان، والذي نحن الكرد بأمس الحاجة إليه. هذا ما اقترحته منظومة المجتمع الكردستاني على القيادة الكردية في الاقليم، ليكون المؤتمر تعبيرا ورمزا لارادة شعبنا في الوحدة والتضامن، وتوحيد الخطاب الكردي والقوى الكردستانية، حتى يعلم الجميع من أعداء الكرد وأصدقائهم، بأن الكرد يتوجهون نحو تخطيط استراتيجية وطنية جديدة واضحة المعالم،على المستوى الكردستاني والاقليمي في تشكيل قوة سياسية واقتصادية واعلامية وعسكرية للدفاع عن حركة التحرر الوطني الكردستاني، ولتظهر للعدو الداخلي والخارجي بأن الكرد مع بعضهم ولا ضد بعضهم، وأنها جاءت لحماية مكاسب اقليم كردستان، وارجاع كركوك والمناطق المتنازع عليها الى حضن الاقليم.

ان الفراغ السياسي الذي يخيم على اقليم كردستان العراق ويهدد مكاسبه يعود الى أسباب عديدة منها:

1 رفع شعارات داخل الاقليم دون تحقيق الاهداف، وهذا يعني اثارة غضب الشعب وزيادة الاحتقان السياسي والاجتماعي في الداخل الكردي، وفي هذه الحالة يكون الشعب قد سبق في تطلعاته ومطاليبه في الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشعارات الرسمية الجامدة للحكومة، وهنا يحصل الفراغ السياسي. اذا أراد كل حزب ان يتجاوز هذا الفراغ السياسي عليه ان يكون في مقدمة الجماهير وليس كالسلحفاة تهرول ببطئ.

2 التنازل عن مدينة كركوك قلب كردستان، تلك المدينة التي تبناها المرحوم الملا مصطفى البرزاني، بحيث تحولت هذه المدينة الآن الى قلب العنصريين العرب، وشريان التركمان الذي يصب في أحضان الدولة التركية، اضافة الى فقدان المناطق المتنازع عليها. لقد صرح رئيس الجمهورية جلال طالباني بأن كركوك قدس كردستان بغاية مكاسب سياسية واعلامية بين الكرد ولكنه جوبه بحرب سياسية واعلامية مكثفة من قبل ساسة العراق ونواب البرلمان والمجتمع العربي العراقي الى حد المطالبة بالاستقالة والاعتذار. هذا هو الواقع المأساوي للقيادة الكردية في اقليم كردستان العراق.

3 وعود رئيس الاقليم الاستاذ مسعود البرزاني منذ عدة سنوات بمحاسبة عملاء نظام صدام حسين المتغلغلين داخل الحزبين الكبيرين وحكومة الاقليم، والمخولون بالتخطيط والادارة وتوجيه السياسة المركزية، ولكن هذه الوعود بقيت دون جدوى وخيبة أمل للمجتمع الكردي ويعتبر تنازلا لرغبة هؤلاء العملاء.

4 القيادة الكردية لم توفي بوعودها المتكررة حول مكافحة الفساد الاداري المنتشر في اجهزة الحكومة، وتفشي الفساد داخل الحزبين الكبيرين، والتدخل في شؤون الحكومة والسلطات الدستورية، والتخلص من عقلية التحزب، لان القيادة الكردية تعتمد بالدرجة الاولى على المؤسسات الحزبية التي تتدخل بشكل مباشر في امور الحكومة.

5 عدم الوفاء لمشروع التوحيد الكامل والمطلق لجميع مؤسسات الحكومة، رغم مرور السنوات على توحيد الادارتين في السليمانية وهولير، مثل توحيد جهاز الاسايش، وقوات الامن الداخلي ثم توحيد قوات البشمركة من دون تدخل الاحزاب، ثم وضع نهاية للاجهزة الحزبية الخاصة وتحويلها الى مؤسسة لحماية الامن القومي.

6 عدم تبني القيادة الكردية بما في ذلك رئاسة وحكومة الاقليم على الساحة السياسية والاقليمية والدولية للقضية الكردية بالشكل اللازم، للقيام بدعم الحركة التحررية الكردية في الاجزاء الاخرى من كردستان، وتحمل المسؤوليات الكاملة في حمايتها والدفاع عنها، لأن القيادة الكردية في الاقليم بحكم تحررها ووجودها على السلطة لها امكانيات كبيرة في علاقاتها الاقليمية والدولية لاجل حشد امكانياتها في سبيل القضية الكردستانية لكنها وبكل اسف غائبة عن هذه الاستراتيجية الوطنية.

جميع هذه النقاط التي ذكرتها تدخل في اطار الفراغ السياسي، نتيجة لعجز الادارة الكردية في تحقيق مطاليب ورغبات الشعب، والقيام بالاصلاحات الحقيقية في السياسة الداخلية والخارجية لخدمة المجتمع الكردستاني، وفضح أساليب الاضطهاد العنصري التي تمارسها كل من سلطة الملالي الايراني والدولة التركية والنظام البعثي السوري ضد الكرد، لعل ذلك يعود الى مقولتهم المعروفة والمشهورة نحن عراقيون اكثر من العراقيين والتي أصبحت حاجزا في تحديد الآليات للدفاع عن بني جلدتهم على المستوى الكردستاني.

ان عجز الادارة الكردية في الاقليم عن ملأ هذا الفراغ السياسي هو نتيجة لغياب الانسجام مع مستجدات الاوضاع العامة، وكيفية معالجتها والقيام بالاصلاحات اللازمة لها، وهذا بدوره يؤدي الى زعزعة الثقة بين الادارة والجماهير، وتخلق فجوة واسعة بين الشعب والحاكم، لتكون سببا في انفجار الموقف بين الطرفين، فتصبح السلطة احادية الجانب في الحكم، وتتحول الى نظام أمني تمارس الشدة والقساوة ضد المعارضة تحت مظلة الديمقراطية. ان حوادث السليمانية وحلبجة ما هو الا انعكاس لضبابية وفوضى السياسة داخل حكومة الاقليم والحزبين الكبيرين وحصر السلطة بينهما.

ان الادارة الكردية تتكلم عن الديمقراطية والحرية، ولكن الاعلام المستقل والصحافة الحرة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة يعانون من التعجيزات والضغوطات الأمنية، ومن تصرفات المؤسسات الحزبية. انها تتكلم عن حرية الاحزاب ولكنها تمنع حزب الحل الديمقراطي الكردستاني من النشاط السياسي والمرخص في العراق بشكل رسمي، نظرا لقربه من حزب العمال الكردستاني وفي الوقت ذاته تفسح المجال لعناصر الاستخبارات التركية والايرانية يسرحون ويمرحون على أرض كردستان العراق. هؤلاء الذين جاؤا فقط لممارسة التجسس وخلق الفوضى في الاقليم.

من ضمن الأحزاب الكبيرة هو حزب العمال الكردستاني الذي استند في بنيته على القاعدة الشعبية من الاسفل نحو القمة، على عكس الاحزاب الكلاسيكية الاخرى من القمة نحو القاعدة.

ان حزب العمال الكردستاني هو اكبر الاحزاب الكردية على الساحة الكردستانية وأكثرها فعالية وارتباطا بالجماهير، وهو الحزب الوحيد الذي يجمع في تكوينه الأبطال من شباب الكرد من جميع أجزاء كردستان تحت اسم quot;منظومة المجتمع الكردستانيquot; وquot;حركة حرية كردستانquot;. هذا الحزب الذي قام بإجراء تغييرات عديدة انسجاما مع الحوادث السياسية محليا وكردستانيا واقليميا ودوليا من منطلق الحاجة الى حداثة استراتيجية نوعية، ولايمانه العميق بالتجديد المستمر والفكر النقدي البناء في خدمة الحركة التحررية الكردستانية، اضافة الى اتخاذ خطوات تكتيكية جديدة وجريئة في ممارسة التثقيف والتغيير لكوادره تمشيا مع متطلبات المعركة السياسية والعسكرية في مواجهة أعداء الكرد وكردستان، ولتحقيق اهداف الثورة ومطاليب شعبنا في الحرية والعدالة.

بناءا على هذه الحقائق والمواقف الوطنية الصادقة والصلبة، ولايمانه العميق بالديمقراطية وحق تقرير مصير الشعوب، والتأكيد على الهوية الكردية وتوحيد الخطاب الكردي أكد بإصرار وألح مرات عديدة على القيادة الكردية في اقليم كردستان العراق بعقد مؤتمر وطني كردستاني، ومن خلاله تشكيل جبهة وطنية تضم كافة الاحزاب الكردية الوطنية في الاجزاء الاربعة من كردستان.

لقد حاولت الدولة التركية بجميع حكوماتها المتعاقبة تصفية حزب العمال الكردستاني وحركة حرية كردستان وبجميع الوسائل المدمرة، منها سياسة الارض المحروقة، واستمرارية الحرب القذرة ثم دور عصابة الحرب الخفية quot;أركنكونquot; وتنظيك quot;حزب اللهquot; التركي الاجرامي ومرتزقة ميليشيات quot;حراس القرىquot; في قتل واختطاف المواطنين الكرد من المثقفين والسياسيين والمناضلين من الشباب لاجل قضيتهم العادلة، و قتلهم ودفنهم في المقابر الجماعية والتهجير القسري للكرد من قراهم، اضافة الى الاعتقالات الكيفية وتعذيبهم في السجون الخ...
جميع هذه الممارسات الظالمة لم تثني من عزيمة وقوة الكردستاني، بل زاده تمسكا بأهدافه، ومقاومته واستراتيجيته، في تحقيق مطاليب الشعب الكردي في الادارة المحلية الموسعة وما يتبعها من شروط اخرى تابعة لها وتثبيتها دستوريا.

والآن بعد ان عجزت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بكل وسائلها الديماغوغية من استهداف الكردستاني وحركة حرية كردستان وعزل الحركة الشعبية الكردية سياسيا واعلاميا عن حزب العمال الكردستاني وقائده عبد الله اوجلان، فها هي تحاول حاليا القيام بتصعيد الموقف، بالاعتماد على بعض الاطراف الانتهازية لاستثمارها في خلق فوضى سياسية واجتماعية بين أبناء الكرد، وخلق نعرة عشائرية في المجتمع الكردي في ضرب الكرد بالكرد. ولكن مصير هذا المخطط سيكون كغيره من مخططات أردوغان الفشل والهزيمة، والعار على جبين حزب العدالة والتنمية، والنصر سيكون لحزب العمال الكردستاني وحركة حرية كردستان.

طبيب ومحلل سياسي كردي