المقدِّمة
كعادةٍ درجتُ عليها كلَّما أتى شيطان الشعر يُلقِّنني قصيدةً، أودُّ مشاركة الأصدقاءِ والمعارف، وربَّما القرَّاءِ فيها، أبدأها بمقدِّمة أبيِّن فيها سبب إنشائها، وشرحًا موجزًا لأبياتٍ تعبِّر أكثر من سواها عن مشاعري وأحاسيسي وانفعالاتي، وتُعطي المتلقِّي صورةً مُجسَّمةً عنها.

quot;لاميَّةُ ابنِ مُرادٍquot; - quot;بِثَبَاتهِ مَا هَانَ شَعْبٌ أَعْزَلُquot;، بدأتُ بنظمها بينما كنتُ في إجازةٍ في دمشق التي لا تغيبُ عن البال، وأنا أشاهد لقطاتٍ من العُنفِ الإجرامي المباركي، لا بارَكَه الله، وها هو قد أبركه، تُظهر أوباشَه وبلطجيَّته بسيَّارةٍ مصفَّحة تخترقُ جموعَ الثوَّارِ في ميدان التحرير في القاهرة، وتتبعها جماعةٌ ممتطيةٌ quot;البغالquot; والجمال، تجوسُ خلالَ الجموعِ وتدوسُ المتظاهرين. أمَّا quot;أشباهُ الرجالquot; من الشرطة والأمن quot;الطواغيتquot; الذين أعملوا هراواتِهم على رؤوسِ النساء والرجال، ورصاصَ أعيرتهم الناريَّة كأنَّهم جنودُ الاحتلال البريطاني في quot;دنشوايquot;، يتصيَّدون العبادَ، وومياه خراطيم السيَّارات تنهمرُ على أفواجِ المصلِّين والمتظاهرين في quot;الميدانquot;، فقد كانت أكبرَ ممَّا أحتمل، فشعرتُ بكلِّ الحقدِ والغضبِ والألم.

يا لله أيعقِلُ أن يفعلَ عربيٌّ بعربيٍّ ما أرى! أهذهِ مصرُ المحروسةُ، أرضُ الكنانةِ! وبأي قلبٍ جبانٍ أرعنَ مِن جُلمودٍ أو أشدَّ قساوةً يُمكَّنُ quot;مافياتِquot; الحكمِ في مصرَ، وكبيرَهم الذي علَّمَهُم السحرَ أن يستبيحوا دماءَ الشعبِ لكأنَّهم سوامُّ تُساقُ إلى المسالخ! فإذ بي أسمعُ صدى صوتٍ يتردَّدُ في داخلي يُخاطبُ حسني مبارك العُتِلَّ الزنيمَ:

مَنْ كَانَ مِنْ نَسْلِ السِّفَاحٍ وَسِبْطِهِمْيَرْتَـاعُ مِمَّـا تَسْـتَبِيْحُ وَتَقْتُـلُ
وأعادتْ مشاهدُ ميدانِ التحرير، مشاهدَ أخرى مماثلةً ارتكبَتها زبانيةُ quot;شينquot; العابدين، عُتِلِّ زنيمٍ آخرَ في تونس.
في دمشق، بقيت الأبياتُ القليلةُ التي أملاها شيطانُ الشعر محصورةً بالطاغيةِ في مصرَ. في الطائرةِ المتوجِّهةِ إلى فرانكفورت، ألمانيا، المحطَّة الثانية في quot;إجازتيquot;، عادَ الشيطانُ ليُملي أبياتًا أُخرَ، وأنا أستجيب. لكنَّه عرَّجَ فيها على اليمن، حيثُ علي عبد الله quot;طالحquot;، عُتلٌّ زنيمٌ آخر، وتتابعت الأبيات. لم تَغِبْ مشاهدُ غضبِ الجماهيرِ في ميدانِ اللؤلؤةِ في المنامةِ، البحرين عن البالِ، وإنْ لم تكنْ بهَولِ مثيلاتِها في تونسَ ومصرَ واليمن.

ما أنْ تيقَّنتُ أنَّ مضمونَ القصيدةِ قد اكتملَ، وما عليَّ سوى الاستجابةِ لوضعِها في إطارِها الشعريِّ، إذ بـ quot;شيطانِquot; ليبيا يذرُّ قرنَه. هناك، كان الهولُ والطَّامَّةُ الكبرى، لتصرِفَ النظرَ لهنيهةٍ عمَّا جرى في ميدانِ تحرير القاهرة، وثورةِ الياسمين في تونسَ، وساحاتِ مدنِ اليمن وميادينها.

معمَّر القذَّافي الذي توسَّمنا فيه بشائرَ خيرٍ، وبوادرَ فجرٍ عربيٍّ قد يُغيِّر واقعَنا المدلهمَّ، ويتابعُ قيادةَ مسيرٍ يتعثَّرُ، فأوليناهُ الحبَّ والثقةَ. لمْ أرَ خَطلاً ولا عِوجًا في الوقوفِ معه، وإقناعِ النفسِ والآخرين بأنَّه مع الكثيرِ من مواقفِه المثيرةِ للجدلِ والتساؤلات، على حقٍّ في ما يفعل.

أقولُ هذا، لا لأبرِّر عملَ عقدين أو أكثرَ من عمرِ شابٍ يافعٍ فيَّ، اتَّخذَ القذَّافي مثالاً، ورأى فيه أملاً للشعبِ الليبي، وأمَّةِ العرب، ويكون مُدخلاً لِما جاءَ في quot;لاميَّة ابنِ مُرادٍquot;. ولِمَنْ يقولُ كيف لأحمدَ عيدِ مراد الذي نافحَ عن القذَّافي طَوالَ سنواتٍ وسنوات، وقالَ في خصومِه quot;ما لم يَقُلْ مالكٌ في الخمرِquot;، يَقلبُ له ظهرَ المِجنِّ الآن ويهجوه كهجوِ أبي الطيِّب لابنِ ضَبَّة! فالفجيعةُ كانت أكبرَ من التصوُّر، وكان الهجاءُ بقدرِ خيبةِ الظنِّ والأمل.

وماذا عن quot;الكتابِ الأخضِرquot; و quot;شروحاتهquot;، وخُطَبِ العقيدِ التي غَدت أضحوكةَ المشاهدين والمستمعين وسخريَّاتِهم وتندُّراتهم! ألم يكنْ أحمدُ عيُد مراد من quot;الجوقةِquot; التي جَعلتْ من سُخفِ القولِ وعُتْهِه نظريَّةً quot;ما خَطَّ فِكْرٌ مِثْلَهَا في الأَعْصُرِquot;! عندما لا يحيرُ المرءُ عمَّا يُسألَ جوابًا، يلوذُ بصمتٍ يُحدثُ في الضمير وقرًا، يودُّ منه الخلاصَ، ولا خلاص.
قد يكونُ الشعورُ بالنَّدمِ كفَّارةً عمَّا سَلَفَ، وبدايةً لموقفٍ لا مراءَ فيه ولا غموض. لا داعٍ لي لأن أبيِّنَ في هذه المقدِّمةِ أينَ أقفُ الآنَ من القذَّافي وابنهِ quot;سيف الأصنامquot; وهما وأوغادُهما من الليبيِّين الذين وَلغوا في دماءِ إخوانِهم كولوغِ الغِربان، والمرتزقةُ الأغرابُ الذين ارتهن سفَّاح ليبيا ونيرونها: quot;يَا أَيُّهَا النِّيْرُوْنَ جُدِّدَ إِسْمُهُquot; ضمائرَهم إن كانت لهم ضمائر، بأموالِ الشعبِ الليبي التي حُرِمَ منها لِتُنفقَ على ملذَّات أبنائِه وأعوانِه. ولا مناصَ من أن أذكر بكلِّ صدقٍ أنَّني كُنت من المُقرِّبين من القذَّافي وزمرتِه، ومنهم على سبيلِ المثالِ موسى كوسا، وسآتي على ذكرِه باقتضابٍ بعد قليل. وبأنَّني راجعتُ الكتابَ الأخضرَ لتصحيحِ الأغلاطِ النحويَّة والقواعديَّة والإملائيَّة الكثيرةِ التي تَعجُّ فيه، بالاتِّفاقِ مع quot;المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر.quot; ولي قصَّة مع quot;العقيدquot; فيه، سَترى طريقها للنشر إمَّا في وسيلةٍ إعلاميَّة مكتوبةٍ، أو في كتابي القادم، quot;رحلةٌ إلى الماضيquot;. وبالاتِّفاق مع quot;المركزquot; أيضًا، راجعتُ الترجمةَ الإنكليزيَّة، أو بالأحرى أعدتُ صياغَتها، وعهدتُ إلى ثلاثةٍ من أساتذةِ الجامعةِ في كندا، اثنان منهم في أوتاوا، والثالثُ في مونتريال كلٌّ في مجاله ndash; السياسة والاقتصاد والاجتماع - للمراجعة النهائيَّة، وهذا ما كان. ولي هنا أيضًا قصَّة أخرى مع quot;جامعيِّينquot; ليبيِّين مسؤولين في quot;المركزquot;، أبدوا اعتراضاتِهم أو تحفُّظاتِهم على الترجمةِ إمَّا خوفًا من القذَّافي أو مجاملة ونفاقًا له، وأصرُّوا على إبقاء النسخةِ الإنكليزيَّة كما كانت عليه. وما هو إلاَّ وقتٌ أو بعضُه حتَّى ظهرت طبعةٌ جديدةٌ من الكتابِ بالترجمةِ التي قدَّمتُها ورُفِضت، بإشرافهم وصياغتِهم.

خلالَ العقدين من علاقتي بالقذَّافي ومسؤولي اللجانِ quot;الثوريَّةquot; التي على ما تأكَّدَ من خلالِ حربِ الإجرامِ التي تُشنُّ على الشعبِ الليبي من نظامِ القذَّافي وأبنائِه وأذنابه الآن، أنَّها مشتقَّة من quot;ثورٍquot; وليست من quot;ثورةquot;، ومسؤولي اللجان quot;الشعبيَّةquot; من quot;شُعْبَةٍquot; وليست من الشعب، ومساهماتي بدورٍ رئيسٍ وفعَّالٍ في quot;الندوات العالميَّة للكتابِ الأخضرِ في العديدِ من عواصمِ الدولِ كباريسَ ومدريدَ وكراكاس، وفي كلِّ من طرابلس وبنغازي وسبها في ليبيا. كلُّ هذا موثَّقٌ في أشرطةٍ مرئيَّةٍ ومطبوعاتٍ، لا أستطيعُ أنا إخفاءَها، ولا يستطيعون ndash; زبانيةُ القذَّافي ndash; إنكارَها. ومرَّاتٍ كثيرةٍ عند غيابِ المترجمين الليبيِّين عن مؤتمراتِ العقيدِ الصحافيَّةِ، كان يطلبُ منِّي كلٌّ من أحمد شحاتي، مديرِ مركز أبحاث الكتاب الأخضر، أو إبراهيم إبجاد، مرافقِ القذَّافي آنذاك ومستشارِه الصحافي، أو أحمد حجازي، quot;وزيرquot; الإعلام، آنذاك الترجمةَ أيضًا في طرابلس وسبها وتاقرفت وبنغازي. وهكذا فعلت.
هذا تاريخٌ، كم أودُّ لو أنَّه لم يكُنْ! لكنَّه كان. فهل يُجدي الندمُ! أم طلبُ المغفرةِ والصفحِ والعفوِ من الشعب الليبي على الدورِ الذي كانَ لي ولأمثالي الكثيرين من الكتًَّابِ والصحافيِّين والمثقَّفين في خَلقِ quot;مُفكِّرquot; ليس له من مؤهِّلات الفكرِ شروى نقير، ونفخِ رجلٍّ عسكريٍّ لا يتعدَّى تحصيلُه الدراسيُّ المراحلَ الثانويَّة- quot;يَا رَمْيَةً مِنْ غَيْرِ رَامٍ كُنْتَهَاquot;- أجوفَ بالغرور! ربَّما. ولكن quot;الرجوعَ عن الخطأ فضيلةٌquot; قد يفضحُ صاحبَه، غير أنَّه خيرٌ من التمادي فيه. وهذا شأني. اللهمَّ فاشهدْ، اللهمَّ إِنِّي قد بَلَّغْتُ.
كان آخرُ عهدي بالقذَّافي وليبيا في quot;فاتحquot;، أوَّل أيلول/سبتمبر 1988، والحمدُ لله أنَّني أنهيتُ العلاقةَ قطعًا، ولم أزرْها بتاتًا بعدَ ذلك التاريخ، ولم أُجرِ اتِّصالات بأيٍّ من الأصدقاءِ أو المعارف إلاَّ ما ندرَ لمَّا كنَّا نلتقي مصادفةً في عاصمةٍ عربيَّةٍ أو بلدٍ أوروبيٍّ أو في كندا.

وَلَكَمْ رفضتُ أن يكونَ لي دورٌ في أيِّ عملٍ quot;تنظيميquot; في تشكيلِ لجانٍ شعبيَّة في كندا، ولا سيَّما في إدمنتون أو لندن. ويشرِّفني أنَّني كنتُ أقابلُ بالاحتقار والازدراء كلا quot;المسؤولَيْنِquot; عن هذين quot;المؤتمرينquot; حينما كنت ألتقيهما عندَ حضورِهما لأوتاوا للاحتفالِ بفاتح quot;ثورةquot; القذَّافي. لا أدري بأيِّ مكبِّ نفايات وقاذورات سيدملُ هذان quot;المرتزقانquot; من العربِ الكنديِّين رأسيهما!

أمَّا موسى كوسا، وزير خارجيَّة quot;مزرعة سيف الأصنامquot; وووالدِه قائدها الذي لا صفةَ له كما يدَّعي بكلِّ وقاحةٍ وعهر، كانَ في أواخرِ الثمانينيَّات من القرنِ الماضي، رئيسَ quot;اللجان الشعبيَّةquot; التي كانت تضمرُ أشدَّ العداءِ لـ quot;اللجانِ الثوريَّةquot; ورئيسِها محمَّد المجدوب، قريبِ القذَّافي. أذكر أنَّني آخِرَ مرَّة قابلته، كانت في بهو الفندقِِ الكبيِِر الذي يستضيفُ ضيوفَ الجماهيريَّة في ندواتٍ ومؤتمراتٍ مُتعدِّدةٍ لا تنقطعُ لتأكيدِ أنَّ لليبيا دورًا ذا شأن عربيًّا وعالميًّا. في جلسةٍ تلقائيَّة، دارَ حديثٌ عن الكتابِ الأخضرِ، و quot;النظريَّةِ العالميَّةِ الثالثةquot;. تعدَّدتْ الآراءُ المُختصرةُ، وجميعُها مُشيد ومُثمِّنٌ. هنا أضافَ كوسا، لا فُضَّ فوهُ، بأنَّه في لقاءٍ سابقٍ مع quot;المفكِّرquot; معمَّر، قال مخاطبَه: quot;مُحمَّدٌ - (يقصد النبيَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم) - أتى بالقرآنِ، ومعمَّر أتى بالكتابِ الأخضرِ.quot; كان ذلك quot;نَتَنَ الختامِquot;. لم يَزدْ أيٌّ من الحاضرين شيئًا، وأنا منهم، سوى نظرةِ استهجان.

في اليوم الثاني، وكنتُ أنهي معاملةَ إقامتي في الفندق مع مسؤولِ الاستقبالِ، إذ بموسى كوسا قادم، وما أنْ لمحني حتَّى تقدَّم وبادرني بالتحيَّةِ، واستفسرَ عن الأمرِ ليعلمَ أنَّني على وشكِ مغادرةِ ليبيا. فما كان منه إلاَّ أن قالَ بما معناه: إذا كنتَ مُخلصًا لليبيا والقذَّافي حقًّا، سأزوِّدُكَ بحقيبة يدٍ تأخذها معك إلى الطائرة. كان ردِّي سريعًا: كنت أعتقدُ أنَّني وأمثالي نعملُ على نشرٍ فكرٍ إنسانيٍّ! أمَّا ما عرضتَ عليَّ، فأولى بك أن تنفِّذه بنفسِك أو تعهدَ بهِ لأحدِ أعضاءِ لجانِك الشعبيَّة.

في مطارِ طرابلس، بعد صعودِ الطائرةِ المتَّجِهة لدمشق، قلتُ: سلامُ اللهِ عليك يا ليبيا، ووداعٌ لا لقاءَ بعده. وهكذا كان.
هل كانَ لقاءُ كوسا في قاعةِ الفندقِ قُبيلَ المغادرةِ quot;الشعرةَ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ!quot; بالنسبةِ إليَّ واتِّخاذَ قرارِ المغادرةِ ولا رجوع! ربَّما. لكن quot;الشعرةَquot; التي قصمَت الظهرَ حقًّا، كان اختطافُ منصورِ رشيد الكيخيا يرحمُه الله، وزيرِ خارجيَّة quot;مَدْجَنَةِquot; القذَّافي، ثمَّ سفيرُ ليبيا في الأممِ المتَّحدة، ومن بعدها من معارضي حُكمِ العقيد، وإعدامُه quot;تذويبًا بالأسيدquot;.
بينما كان المعارضُ منصورُ الكيخيا تغمَّدهُ الله برحمته في القاهرة لحضورِ مؤتمرٍ عن الحقوقِ الإنسانيَّة، تمَّ اختطافُهُ من أفرادِ رجالِ أمنٍ مصريِّين، بالتواطؤِ مع أجهزة القذَّافي الأمنيَّةِ، واختفى أثرُه. فلا أجهزةُ الأمنِ المصريَّةِ ولا جلاوذةُ العقيدِ علَّقتْ على خبرِ اختفاءِ رجلٍ عظيمٍ من رجالات الفكرِ والسياسةِ العرب. وهكذا بكلِّ بساطةٍ وعدمِ اكتراثٍ، غابَ منصورُ رشيد الكيخيا.

أمَّا لماذا كانَ غيابُ هذا العظيمِ الصحوةَ التي أخرجتني من كابوسِ علاقتي بالقذَّافي وقطيعِ سوامه، فذلك لعلاقتي الوطيدةِ والحميمةِ بمنصور رحمه الله. على مدى سنواتٍ طويلةٍ، ولا سيَّما بعد أن أصبحَ وزيرَ خارجيَّة القذَّافي، ومن ثمَّ الدبلوماسيَّ الأوَّل في بعثةِ ليبيا للأمم المتَّحدة، كان لي شرفُ التعرُّفِ إليه. وتمتَّنت هذه العلاقةُ بعد قدومهِ لكندا، وتقديمِ أوراقِ اعتمادهِ سفيرًا غيرَ مقيمٍ في أوتاوا. واستمرَّت العلاقةُ حتَّى بعدَ تركِه منصبه، و quot;انضمامِهquot; للمعارضة. تلاقت أفكارُنا وتآلفت لتشدَّ أواصرَ الصداقةِ والتقديرِ والاحترامِ المتبادلِ. لذا، وبعد تأكُّدي من تورُّطِ أجهزةِ القذَّافي في اختفائه، أدركتُ أنَّ القذَّافي وأعوانَه لن يثنيهمْ ضميرٌ أو يردَعَهم وازعٌ من دين للوصول إلى مآربِهم مهما كانتْ خسيسةً أو حقيرةً أو دنيئةً. وأذكرُ أنَّني فاتحتُ أحدَ المسؤولين الليبيِّين عن مصيرِ منصورٍ، فأجابَ بأن لا دخلَ للقذَّافي فيه، وأنَّهم لا يعيرون الأمرَ اهتمامًا، فذاكَ شأنٌ مصريُّ. وهكذا كان.
فتحيَّةٌ لشبابِ ليبيا الأحرارِ الذين كسروا كابوسَ الخوفِ في نفوسِهم، وحطَّموا أصنامَ الطاغيةِ، وما هو إلاَّ بعضُ وقتٍ ويصبحُ جلاَّد ليبيا وعائلُته في خبرِ كان، وطيِّ النسيان.

أقولُ واثقًا بأنَّ رؤساءَ البعثاتِ الدبلوماسيَّةِ الليبيَّةِ، ومنهم على سبيلِ المثالِ الصديقان، الأخُ علي الأوجلي الذي ترأَّسَ البعثةَ في أوتاوا، قبيلَ السفارةِ في وشنطن، وعبد الرحمن شلقم، مندوبُ ليبيا لدى الأممِ المتَّحدةِ، وعددًا كبيرًا من الدبلوماسييِّن الذين أعلنوا وقوفَهم بجانبِ الشعب الليبيٍّ وتبرَّأوا من الطاغيةِ وحكمِه، لولا إرهابُ هذا النظامِ ووحشيَّته لما بقوا في مناصبهم التي شغلوها مُكرهين أو اتِّقاءً لشروره. ولا شكَّ أنَّ كثيرًا من الدبلوماسييِّن الباقين لولا الانتقام الذي قد يعرِّضون عائلاتِهم له لفعلوا ما سبقهم إليه غيرُهم من إخوانهم. وما حلَّ بمنزلِ الصديق الأخِ عبد الرحمن شلقم في طرابلس بعد انحيازه للشعبِ الليبي إلاَّ الشاهد والدليل. وحقًّا قيل: خِفْ مَن لا يخافُ الله.
هذا عن الطغاةِ كما أتتْ عليهم أبياتُ quot;اللاميَّةquot;. ولكن أين مَطلعُ القصيدةِ وما يليهِ من أبياتٍ عن كنانةِ الرحمنِ، ومحروستِه مصر!

لولا مصرُ لما كانتْ quot;لاميَّةُ ابن مرادquot;. فلمصرَ، كما يعرفُ مَن يعرفُني، أو منَ اطَّلعَ على كتاباتي المنشورةِ ومقالاتي الصحافيَّةِ، منزلةٌ خاصَّةٌ وفريدةٌ لا يدانيها بهذه الفرادِة أرضٌ ولا بشر. ويكفي أن أشيرَ إلى مقاطع من مقالٍ سابقٍ لي عن كنانةِ الله، وأمِّ الدنيا: quot;وتبقى مصر الرائد والمُلهِمquot;
quot;أَنَا إنْ قدَّرَ الإلهُ مَمَاتِي لا تَرَى الشَّرْقَ يَرْفَعُ الرَّأسَ بَعْدِيquot;
quot;ما أن تلمُّ بالأمَّة العربيَّة مصيبةٌ إلاَّ وتتوجَّه الأنظارُ إلى أرضِ الكنانة. فعلى مدى التاريخِ، ومنذ عهدِ عمرو بنِ العاص وضرارِ بن الأزور، ودخولِ وادي النيلِ وشعبهِ الأبي حومةَ العروبة، أصبحتْ مصرُ أملَ العربِ وأساسَ نهضتهم وعمادَ قوَّتهم. فما ارتفعَ مجدُ العربِ إلاَّ بها، وما تزعزعَتْ الأركانُ إلاَّ بغيابها.
لمَّا اختارت مصرُ السلامَ، لم تستسلم. وحين أرادت إسرائيلُ التطبيعَ، لم يُذعنِ الشعبُ المصريُّ، وربطَ التطبيعَ بالحقِّ العربيِّ ونيلِ الشعبِ الفلسطيني حقوقَه. فبعدَ هذه السنين الطوال على السلامِ، يحني العربُ رؤوسَهم إجلالاً لأبناء مصرَ الذين رضوا بالسلام، ولكنَّهُم رفضوا الاستسلامَ، وكانوا طليعةَ الشعوبِ العربيَّةِ في تحريكِ الضميرِ العربيِّ الذي يرفضُ الهيمنةَ الإسرائيليَّةَ والانحيازَ الأمريكي.quot;

لأنَّ مصرَ هي مصرُ، وشعبَها ضميرُ الأمَّةِ ورائدُها، كانَ مطلعُ quot;اللاميَّةquot; وأبياتُها تعبيرًا صادقًا ووفاء وعرفانًا. والآنَ، بعد ثورةِ 25 فبراير المجيدة، أحني الرأسَ إجلالاً، وتقديرًا لشبابِ مصرَ، وأقدِّمُ quot;لاميَّةَ ابنِ مرادquot; عربونَ الحبِّ والوفاء.

القصيدة
يَـا ثَـوْرَةَ النِّيْلِ العَظِيْـمِ تَوَهَّجِيقَبَسًـا عَلَى الدُّنْيَـا يَشِـعُّ وَيُذْهِلُ
أَحْيَيْتِ آمَـالَ الشُّـعُوْبِ مُـجَدَّدًامِنْ بَعْـدِ أَنْ كَادَتْ تَهُـوْنُ وَتَذْبُلُ
فَبَعَثْتِهَـا حِمَمًا يَشُـبُّ أُوَارُهَــاكَلَظَى الْجَحِيْـمِ يَفُـوْرُ فِيْهِ المِرْجَلُ
أَيْقََظْتِهَـا نُـوْرًا تَخُطُّ سُـطُوْرَهَاأَفْعَـالُ قَــوْلٍ بِالْهُـدَى تَتَشَـكَّلُ
أَنْتِ الخَلاصُ إِذَا الدُّرُوْبُ تَعَسَّرَتْفَالْفَجْـرُ آتٍ مَـا يَطُوْلُ، سَـيُقْبِلُ
نَتَوَسَّـمُ الإِلْهَـامَ فِيْـكِ فَنَجْتَـلِيْيَا مِصْرُ إِنَّـا مِـنْ مَعِيْنِكِ نَنْهَـلُ
أَنْتِ الإِمَامُ يَـؤُمُّ جَمْـعَ صَلاتِنَـاوَبِــأَيِّ ِنَهْـجٍ تَبْتَـديْ، نَتَمَثَّـلُ
تَبْقَيْنَ مَـا يَبْقَى الزَّمَـانُ مَصِيْرَنَاوَنَظَلُّ فِيْـكِ عَلَى الْمَدَى نَتَجَـوَّلُ
لَوْلاكِ مَـا لِلْعُرْبِ تَعْلُـوْ رَايَـةٌوَعَلَيْكِ مَـا طَـالَ الزَّمَانُ يُعَوَّلُ
أَشْـبَالُكِ الأحْرَارُ قَـادُوْا ثَـوْرَةًبِهِمِ المُحَالُ، وَإِنْ بَدَا يُسْـتَسْهَلُ
صَبَرُوا عَلِى بَغْيِ الفَسَادِ وَظُلْمِـهِوَتَيَقَّنُـوا بِثَبَاتِهِــمْ، يُسْـتَأْصَلُ
جَـاءُوا بِقَوْلٍ لا يُشَـابُ بِِفِرْيَـةٍوَبِفِعْلِهِمْ حِكَـمٌ تُصَاغُ وَتُجْمَـلُ:
خِلَعُ الطُّغَاةِ عَلَى الشُّعُوْبِ تُفَصَّلُوَوُلُوْغُهُمْ فِـي الْبَغْيِ أَمْرٌ مُعْضِلُ
مَنْ يَدْرُسِ التَّارِيْـخَ يَعْلَمْ أَنَّهُـمْنُسَـخٌ تُعَـادُ وَقِصَّـةٌ تَتَسَلْسَـلُ
تَتَعَدَّدُ الأَلْقَــابُ فِـيْ أَسْـمَائِهِمْوَطِبَـاعُهُمْ فِـي الْحُكْمِ لا تَتَبَـدَّلُ
يُبْنَى عَلَى قَهْرِ الشُّعُوْبِ نِظَامُهُـمْالْقَتْـلُ وَالتَّعْذِيْبُ فِيْـهِ مُحَلَّــلُ
لا عَيْشَ فِيْـهِ لِمَنْ يُرِيْدُ كَرَامَـةًوَإِذَا أَصَرَّ إِلَى الزَّنَازِنِ يُرْسَــلُ
وَلِمَنْ يُطَالِبُ كَيْ يَنَـالَ حُقُوْقَـهَالْمَوْتُ أَقْرَبُ مَـا يَرُوْمُ وَأَسْـهَلُ
فَيَرَى الْمَبَاحِـثَ خَلْفَـهُ وَأَمَامَـهُتُحْصِي لَـهُ أَنْفَاسَـهُ وَتُسَــجِّلُ
مَهْمَا بَغَـوْا فِـي ظُلْمِهِمْ وَعُتُوِّهِمْحُكْمُ الطُّغَـاةِ وَإِنْ يَطُلْ لَمُزَلْزَلُ
لا تَحْسَـبُوا صَبْرَ الشُّعُوْبِ تَجَمُّلاًإِنَّ الْجُفُـوْنَ عَلَى قَذَاهَـا تُسْـبَلُ
فَحَـذَارِ مِنْهَـا إِنْ تَثُرْ فََبِبَطْشِهَاالنَّـارُ لا تَعْفِيْكُـمُ إِنْ تُشْــعَلُ
يَـا أَيُّهَـا الجِيَفُ الَّتِي قَدْ حُنِّطَتْفَوْقَ الْعُرُوْشِ نُعُوْشُـكَمْ، فَتَمَهَّلُوا
مِنْ تُوْنِسَ الْخَضْرَاءَ كَانَ الْمُبْتَدَىكَهَشِـيْمِ زَرْعٍ جَـزَّ فِيْـهِ المِنْجَلُ
أَمَّا الَّذِيْ فِيْ مِصْرَ نَـالَ عِقَابَـهُفَإِلَيْهِ قَوْلُ الشَّعْبِ صَاحَ يَُجَلْجَـلُ:
يَا ثَانِـيَ الأَصْنَامِ خَـرَّ مُحَطَّمًاهَيَّا انْتَظِمْ، فَالرَّتـْلُ فِيكَ سَـيُكْمَلُ
قَـدْ ظَـنَّ quot;شَيْنُquot; العَابِدِيْنَ بِأَنَّـهُمَلَكَ الْعِبَـادَ فَكُـلُّ أَمْـرٍ يَسْـهُلُ
فَإذَا بِـهِ دُوْنَ الظُّنُـوْنِ وَتِيْهِهَـاسُـحْقًا لِفِكْـرٍ تَعْتَلِيْـهِ الأَرْجُـلُ
وَهُنَاكَ فِيْ صَنْعَـاءَ ثَـوْرٌ هَائِجُوَلَهُ مِـنَ الأَوْغَـادِ جَيْشٌ جَحْفَـلُ
مَهْمَا تَبَاطَأَ فِي المَصِيْرِ مَسَـارُهُيُخْسَـى بِنَعْـلٍ ثُـمَّ آَخَـرُ يَرْكُلُ
أَمَّا مُعَمَّـرُ فِـيْ الصِّفَاتِ مُحَيِّرٌفَجُنُوْنُـهُ حِكْرٌ عَلَيْـهِ مُسَــجَّلُ
فَإِذَا تَوَارَدَ إِسْـمُهُ فِـي مَجْلِـسٍضَحِكَ الْحُضُوْرُ وَقِيْلَ: ذَاكَ الأَهْبَلُ
لَبِسَ الْغَبَـاوَةَ فَالجُنُـوْنُ مُجَسَّـمٌويَلُفُّـهُ فِكْـرٌ سَـقِيْمٌ أََضْحَــلُ
بِِكِتَابِـهِ عَجَبٌ يَنِـزُّ بَلاهَـــةًوَإِذَا ذُهِلْتَ تَحَـارُ مَـاذَا تَسْـأَلُ؟
كَيْفَ اسْــتَطَاعَ بِجَهْلهِ وَغَبَائِـهِشَـعْبًا أَبِيًّـا بِالْحَدِيْـدِ يُكَبِّـــلُ؟
أَبْقَـاهُ مَغْلُـوْلاً يُكَابِــدُ قَمْعَـهُوَنِظَامُـهُ مِـنْ كُلِّ حُكْـمٍ أَطْـوَلُ
يَتَوَارَثُ الأبْنَـاءُ عَنْـهُ شُـرُوْرَهُإِنَّ الْمَخَـازِي بِالْوِرَاثَـةِ تُنْقَــلُ
جُمِعَتْ بِهَـا شَرُّ الْمَفَاسِـدِ جَـمَّةً لَكَأنَّـهَا ثَــوْبٌ عَلَيْهِ مُفَصَّــلُ
يَـا أَيُّهَـا الْمَأْفُوْنُ أَيْنَ الْمُنْتَهَى؟أَوَبَعْدَ هَـذَا الْجُرمِ شَـيْئًا تَفْعَلُ؟
مَنْ كَانَ مِنْ نَسْلِ السِّفَاحٍ وَسِبْطِهِمْيَرْتَـاعُ مِمَّـا تَسْـتَبِيْحُ وَتَقْتُـلُ
لَكِـنَّ أَصْلَكَ يَـا مُعَمَّـرُ مُبْهَـمٌوَأَحَطُّ مِـنْ قَـدْرِ اللَّقِيْطِ وَأَسْـفَلُ
وَأَخَسُّ مِـنْ كُلِّ الطُّغَاةِ وَذِكْرِهِمْقُبْحًـا لِوَجْهِـكَ سَـافِلاً لا تَخْجَلُ
أَرْسَـلْتَ أَوْبَاشًـا لِشَعْبٍ صَـابِرٍ وَمَتَى الْبِغَالُ إِذَا اسْتُجِيْرَتْ تَصْهَلُ؟
إِنَّ الطَـوَاغِيْتَ الَّتِـي جَنَّدْتَهَـاغِرْبَانَ مَوْتٍ فِـي الْجُمُوْعِ تُنَكِّـلُ
وَتَصُبُّ نَارَ الحِقْدِ فَوْقَ رُؤُوْسِهِمْلا بُـدَّ مِثْلَكَ فِي الشَّوَارِعِ تُسْحَلُ
أَمْطَرْتَهُمْ حِمَمًـا تَدُكُّ جُمُوعَهَـمْبِلَظَى الْقَنَابِـلِ مِـنْ عُلُـوٍّ يَنْزِلُ
رَوَّعْتَ شَـعْبًا قَدْ خَلَسْتَ زِمَامَهُوَالآنَ خُـذْ مَـا كُنْتَ قَبْلاً تَجْهَلُ
يَتَّمْتَ أَطْفَـالاً تَشَـــرَّدَ أَهْلُهُمْوَتَرَكْتَ أُمًّــا بَعْـدَ زَوْجٍ تُثْكَلُ
تَبَّتْ يَـدَاكَ بِمَا اقْتَرَفْتَ وَتَفْتَـرِيْيَـا مَـنْ بِثَوْبِِ العَـارِ بِتَّ تُجَلَّلُ
لَوَّعْتَ شَــعْبًا صَابِرًا لَكِنَّــهُعِنْــدَ النُّكُوْصِ بِعَهْـدِهِ لا يُهْمِلُ
يَا رَمْيَةً مِـنْ غَيْـرِ رَامٍ كُنْتَهَـاكَمْ يُخْطِئُ التَّارِيْخُ فِيْمَــا يَحْفَلُ
يَـا أَيُّهَـا النَّيْـرُوْنُ جُدِّدَ إِسْـمُهُلَكِنَّ فِعْلَـهُ عَـنْ فِعَــالِكَ يَهْزُلُ
وَإِذَا الحِسَـابُ يَحِيْنُ وَقْتُ وَفَائِهِسَتَرَى السِّتَارَ عَلَى نِظَامِكَ يُسْدَلُ
وَتَجُــرُّ أَذْيَالَ الْمَخَازِي جَمَّـةًوَبِهَا عَلَى طُوْلِ المَدَى تَتَسَـرْبَلُ
سَـتَنَالُ مَـا نَالَ الطُّغَاةُ جَمِيْعُهُمْنَفَلاً عَلَـى دِمَـنٍ يُهَالُ وَيُـزْبَلُ
*****
يَـا أَيُّهَا الآتِي لِتُكْمِـلَ صَفَّهَـمْالْحَبْـلُ جَــرَّارٌ وَحُكْمُكَ آيِِـلُُ
فَبِدَايَـةُ اللَّهَبِ الضِّرَامِ شَرَارَةٌوَجُمُوْعُ شَـعْبٍ صَابِـرٍ تَتَمَلْمَلُ
إِنَّ الْمَنَامَةَ لَنْ تَكُـونَ وَحِيـدَةًفَعَوَاصِـمٌ أُخْـرَى غَـدًا تَتَأَهَّـلُ
لَنْ يُسْـعِفَ النَّدَمُ المُقَنَّعُ حَاكِمًامَهْمَــا بأَسْـبَابٍ أَتَـى يَتَعَـلَّلُ
أُنْشُوْطَةُ الْحَبْلِ المُدَلَّـى لَمْ تَزلْوَبِــأَيِّ آتٍ تَلْتَقِـيْ لا تَحْفَـلُ
شَـطَطُ الْقُلُوْبِ إِذَا العَقُوْلُ تَغَيَّبَتْفَقْـدُ الِّضَّمَائِرِ فِيْـهِ أَمْـرٌ مُجْمَلُُ
لَوْ يُدْرِكُ الْحُكَّامُ سُـوْءَ خِتَامِهِمْلَتَـرَدَّدُوا فِـيْ غَيِّهِـمْ وَتَعَقَّلُـوا
لَكِنَّهُـمْ وَغُرُوْرُهُـمْ أَعْمَاهُــمُوَقَلِيْلُ شُـرْبٍ مِـنْ غُرُوْرٍ يُثْمِلُ
وَإِذَا أَضَفْتَ إِلَى الْغُرُوْرِ جَهَالَـةًفَبِأَيِّمَـا تَخْتَـارُ مِنْهُـمْ يُشْــمَلُ
أَنْصَـافُ أُمِّيِّيْـنَ فِـيْ أَقْوَالِهِـمْوَفِعَالُ أَبْنَـاءِ الزِّنَـا مَـا يَحْصُلُ
لَوْ أَنَّ فِيْهِـمْ مِـنْ حَيَـاءٍ ذَرَّةًلَتَعَجَّلُوا يَـوْمَ الْوَدَاعِ لِيَرْحَــلُوا
لَكِنَّ رَبَّـكَ كَيْ يُدِيْـمَ عَذَابَهُـمْيُرْخِـي لَهُمْ حَبْلَ الْفَسَـادِ وَيَجْدُلُ
وَبِـهِ تُلَفُّ ذَلِيْلَـــةً أَعْنَاقُهُـمْوَعَلَيْهِمُ اللَّعَنَــاتُ تَتْرَى تَهْطُـلُ
وَيَمُدُّهُـمْ فِـيْ غَيِّهِـمْ وَضَلالِهِمْمِـنْ بَعْدِهِمْ، بَابُ الجَحِيْمِ سَـيُقْفَلُ
وَتَعُـوْدُ لِلشَّـعْبِ المُحَـرَّرِ عِزَّةٌمِنْ جُوْرِهِـمْ رَاحَتْ تَهِيْمُ تُهَرْوِلُ
لا يَمْكُثُ الضِّدَانِ فِـي وَقْتٍ مَعًامَوْتُ الرِّجَالِ مِـنَ المَذَلَّـةِ أَفْضَلُ
حُرِّيَّـةُ الإِنْسَـانِ فِـي أَوْطَانِهِلا شَيءَ فِي الدُّنْيَـا مَثِيْـلٌ يَعْـدُلُ
قَدْ يَبْسِطُ العَيْشُ الْكَرِيْمُ مُهَاجِرًالَكِنَّهُ فِـي الأَهْـلِ قَطْعًـا أَجْمَـلُ
وَإِذَا الْمُرَادُ يَحِيْنُ وَقْتُ قِطَافِـهِرَاحَتْ بِـهِ الأَوْطَانُ أَمْنًـا تَـرْفُلُ
شُكْرًا لَكُمْ يَا مَنْ وَأَدْتُـمْ خَوْفَنَاأَحْيَيْتُمُـو مَـا كَـانَ أَمْـسٌ يَأْمُلُ
مَا جَـاءَ فيْ quot;لامِيَّتِيquot; أُلْهِمْتُـهُ هَــذَا الَّذِي أَمْتَـاحُ مِنْـهُ وَأَنْقُـلُ
لِيَظَلَّ ذِكْرَى فِي سِـجِلِّ تُرَاثِتَاوَلَكَمْ يَتيْــهُ بِذَكْرِكُــمْ مُسْـتَقْبَلُ
أَمَّا خُلاصَةُ مَا تَقُوْلُ قَصِيْدَتِيْ:quot;بِثَبَاتِـهِ مَـا هَـانَ شَـعْبٌ أَعْزَلُquot;

* بدأت بنظمها في دمشق في الثاني عشر من شهر شباط/فبراير 2011، ثمَّ في فرانكفورت، ألمانيا، وكانت تتمَّتها وختامها في 12/03/2011 في أوتاوا، كندا.

[email protected]