اكثر من لقاء اجراه مسؤولون بارزون في الحكم مع متظاهرين في الغالب هم من النخب. ورغم ما ينطوي عليه اي حوار بين جانبين مختلفين من اهمية، الا ان اللقاءات هذه تنطوي على مخاطر هي انها قد تساهم او تعزز من المكاسب الشخصية والفئوية على حساب المكاسب العامة.
فاللقاءات التي اجرتها بعض النخب المشاركة في التظاهرات بكل من رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، سلاح ذو حدين، بل ان اضرارها، في هذه اللحظة العراقية المهمة وبالطريقة التي حصلت، ستكون اكبر، لان الاجندات النبيلة ستضيع في بحر من التوجهات غير السليمة.
واذا ما صدق القائلون بان رئيس الوزراء يريد لقاء بعض النخب المشاركة في التظاهرة وان عددا من المثقفين يتدارسون هذه الدعوة، فاننا بالفعل امام لقاءات ستؤدي الى نتائج عكسية.
فالواضح من كل هذه اللقاءات انها حتى الان لم تلق التأييد الكافي من قبل من تظاهر من الناس، وانها جرت بصيغة شخصية، خاضها متظاهرون مع مسؤولين وقادة سياسيين، ولم يخضها المتظاهرون مع الدولة. وهناك فرق كبير بين ان تكون اللقاءات والحوارات ذات طابع مؤسسي يمثل جانبين، الشارع والسلطة، وبين ان يكون طرفاها اشخاص يمثلون بعض المجتمع وجزء من السلطة.
وفي حالة العراق تزداد المخاوف، فهو بلد يقوده زعماء طوائف وقوميات، وكان بعضهم امراء حرب باسلحة سياسية ايام الحرب الطائفية.. وأي لقاءات غير مدروسة بهؤلاء ستستخدم في هذا الغرض.
وهذا ليس رفضا لاجراء حوار بالطبقة السياسية، انما هو رفض للاسلوب والطريقة والتوقيت. فقد غابت العلنية عن هذه اللقاءات ومجرياتها، وما يتم تداوله هو الجزء الذي سمح المتحاورون بان يتسرب منه كانباء غير مؤكدة..
وان من ذهب اعطى لنفسه الحق بان يمثل الاخرين، دون ان يستشيرهم او يسألهم، بل ان البعض يقول ان الزائرين نُصحوا بان لا يذهبوا فاصروا على الذهاب. ما يعني غياب التنسيق وتغليب التصرفات المرتجلة ما يعطي الفرصة للمكاسب شخصية بان تكون هي المكسب المتحقق وليس المكسب العام الذي يبحث عنه الشارع.
وان اللقاء الان بالمسؤولين سيعطي كلا منهم الفرصة بالاستفادة في صراعه داخل السلطة من التظاهرات، لان تحركات الشارع في بدايتها ولم تتبلور حتى الان صورتها وشكلها ومن يمثلها. في حين انها لو تأجلت قليلا وادرك المسؤولون رفض المتظاهرين اللقاء بهم فان الامر سيكون مختلفا، حيث سيشعر كل منهم بالقلق بدلا من ان يسعى لركوب الموجة.
والمفارقة الكبيرة فيما يجري، هو ان بعض الشخصيات هم جزء من المشكلة، وليسوا خارجها او ليسوا علاجا لها، فالتظاهرات في الموصل، مثلا، استهدفت محافظها وسقط فيها الضحايا، والمعروف ان محافظ الموصل هو احد اركان كتلة quot;عراقيونquot; واخو رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، فهل ان هذه اللقاءات طالبت النجيفي ان يتحرك ليمارس ما يستطيع فعله في الموصل مثلا.. لم نسمع عن هذا طبعا. وهل طرح الزائرون على السيد النجيفي الخرق الدستوري في قضية استبدال اعضاء مجلس النواب، التي افقدت بعض المحافظات تمثيلها الشرعي لحساب محافظات اخرى؟
والهاشمي هو ايضا طرف في المعادلة فهو نائب رئيس الجمهورية في فترة نص الدستور على ان لا يكون فيها اي نائب، بل يكون هناك مساعد له يتم اختياره من قبل شخص الرئيس دون الحاجة الى تصويت لمجلس النواب او موازنة خاصة. اليست هذه احدى المشكلات الاساسية التي افقدت الشارع ثقته بالطبقة السياسية؟.
ومؤكد ان المالكي هو صاحب الحصة الاكبر من المسؤولية باعتباره رئيسا للوزراء، وقائدا للجيش وقوى الامن التي تمارس انتهاكاتها بحق الناس، ورئيسا لائتلاف دولة القانون الذي يتزعم السلطات المحلية في محافظة بغداد واغلب محافظات الجنوب، وهي سلطات متهمة من قبل المواطنين.
الطريق السليم لاجراء الحوارات لابد ان يستند اولا الى منطلق كون من يتم التحاور معه هو جزء من المشكلة وليس طارئا عليها.
وثانيا من المهم ان يكون الممثلون عن المتظاهرين مجموعات ذات تمثيل واسع، وليس بعض من ينتمي الى النخب الثقافية والاعلامية.
والاهم من كل هذا ان تتم اللقاءات بشكل علني، لانه لقاء من يمثل الشارع مع السلطة، سواء السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية او مجلس الرئاسة، ومن حق الناس ان تعرف ما يجري، كي لا يكون هناك فرصة للمكاسب الشخصية والاحاديث الملتبسة والاشاعات. مثلا ان على مجلس النواب ان يلتقي المتظاهرين او ممثليهم في احدى الجلسات المفتوحة والعلنية، لا ان يلتقي النجيفي بهم في غرف مغلقة. وعلى المالكي ان يلتقيهم بحضور وزرائه باعتبارهم طرفا او جهة مسؤولة ايضا.