كان رائعاً أن يجتمع بعض من المسيحيين والمسلمين الشرفاء في ميدان التحرير بغرض إلاعلان عن دعمهم لمبدأ المواطنة وتأييدهم لوحدة الوطن في مواجهة من ينزعون إلى تمييز أو تحقير المصريين بناء على العنصر أو الدين أو الجنس. ولكن لم يكن جيداً أن لا يتجاوز عدد من تجمعوا بضعة ألاف في تظاهرة أرادها منظموها مليونية. لم يكن جيداً أن تغيب قوى سياسية وجماهيرية كثيرة عن تظاهرة أراها الأهم من بين كل التظاهرات السابقة.


شاهدت عدداً من المقاطع التي نقلتها الفضائيات أو مواقع الأنترنت للتظاهرة، ودققت في وجوه من اعتلوا منصة ميدان التحرير بالأمس في جمعة المواطنة والوحدة الوطنية، ولم أجد أياً من الشخصيات التي برزت خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير. كما لم أر أحداً من السياسيين الذين يريدون ترشيح أنفسهم لرئاسة البلاد. لم يكن هناك عمرو موسى أو محمد البرادعي أو أيمن نور الذين بدأوا عملياً حملاتهم الانتخابية. تعجبت من غياب كل هؤلاء الذين يملأون الدنيا ضجيجاً ووعوداً ولا يشاركون في التظاهرات إلا لاعتلاء الموجة أو لتحقيق طموحاتهم الشخصية. تساءلت إن كانت المواطنة بالنسبة لهم مسألة ترفيهية أو أمراً لا يعنيهم.


لم يشارك في تظاهرة المواطنة والوحدة الوطنية أيضاً من أداروا مجريات الأمور في ميدان التحرير في الأسابيع الماضية. حتى الجماعات والأشخاص الذين حققوا مكاسب كبيرة بسبب ثورة الشباب المصري تغيبوا عن التظاهرة. تصورت أن من انتزعوا النصر صعوداً على أكتاف ثوار يناير مثل جماعة الإخوان المسلمين سيحاولون الحفاظ على مكاسبهم بالحضور للميدان، ولكن خاب ظني. تأكدت عندها أن المواطنة لم تكن ولن تكون بحق على جدول الجماعة، وأدركت أن الوحدة الوطنية ليست إلا شعاراً يستخدومنه فقط في تكتيكاتهم ومناوراتهم السياسية التي تبتغي الوصول إلى سدة الحكم.


كانت مصر في حاجة ملحة لتظاهرة مليونية للتأكيد على مبدأ المواطنة بعد الأحداث الخطيرة التي شتهدتها قرية صول بمركز أطفيح. كان إنكار المواطنة عن المسيحيين من أخطر المعاني التي حملتها عملية هدم كنيسة الشهيدين، حيث تم التعامل معهم ومع دور عبادتهم على أنهم عالة على القرية يجب التخلص منها. كما كان تعامل تعامل الجيش مع الأمر أنكاراً جديداً لحقوق المواطنة للمسيحيين. تعامل الجيش بتهاون مع مسائل خطيرة كهروب مئات المسيحيين من صول بعد الهجوم على كنيسة الشهيدين، وقيام المسلمين بأداء الصلوات على أنقاض الكنيسة، وكتابة quot;مسجد الرحمنquot; على أسوار الكنيسة المهدمة. ولا شك في أن طريقة تعامل الجيش مع الأزمة أهان مشاعر المسيحيين وأثر على شعورهم بالمواطنة.


ترى لماذا فشلت تظاهرة المواطنة والوحدة الوطنية في أن تكون مليونية وبنفس درجة النجاح التي كانت عليها كل التظاهرات السابقة؟ هل لأن قضيتي المواطنة والوحدة الوطنية ثانويتان ولا تحتلان صدارة اهتمامات المصريين؟ هل لأن الأغلبية المسلمة غير معنية بقضية المواطنة التي تتعلق بحقوق الأقليات الدينية؟ هل لأن التيارات الدينية تعترض على مبدأ المواطنة والمساواة بين المسلمين وغيرهم؟ هل لأن جماعة الإخوان المسلمين، المجوعة الأكثر عدداً وتنظيماً، قاطعت التظاهرة؟ أسئلة كثيرة محيرة ربما كان أحدها وربما كانت كلها مجتمعة هي الأسباب وراء عدم وصول التظارهة إلى المستوى الذي كنا نرجوه لها.


المثير أن فشل تظاهرة المواطنة في أن تكون مليونية جاء بعد أيام قليلة من فشل تظاهرة المرأة، التي جرى تنظيمها في الثامن من مارس الجاري بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، في أن تكون مليونية. وقد كان مخجلاً أن يغيب الجميع عن مناسبة كان مفترضاً لها أن تؤكد على أهمية وضع ومكانة المرأة المصرية في المجتمع الذي تهدده قوى رجعية تريد أن تنال من المرأة وتعيدها قروناً إلى الوراء.


استخفت رموز المرحلة الحالية بتظاهرة المواطنة وتجاهلوها تماماً رغم أن المواطنة أمر لا غنى عنه في مصر التي نريدها حرة ومدنية ولا تميز بين أبنائها على أية أسس دينية أو عنصرية أو جنسية. تساور الكثيرون مخاوف على أوضاع المرأة والأقليات الدينية وبخاصة الأقباط في مصر في ظل الصحوة الحالية لخفافيش الظلام الذين يريدون مصر دولة ذات مرجعية دينية لا تعترف بحق المواطنة. ولن تتبدد المخاوف بكلمات أو أحاديث صحفية يدلي بها السياسيون الذين يطمحون في قيادة مصر. ما سيبدد المخاوف هو التعامل مع قضية المواطنة على أنها مسألة حياة أو موت، أو مسألة التطلع للمستقبل أو العودة لعهود التخلف والرجعية.


[email protected]