ربما هي المرة الأولى التي استمع فيها إلى واقعية سعد الحريري السياسية، وشفافيته في الطرح، دونما مواراة أو مجاملات، استحضر سعد في خطابه الأخير روح والده رفيق الحريري، ونقل ما يريده الشعب اللبناني، الذي نادى صراحة quot;الشعب يريد إسقاط السلاحquot;.

القراءة التحليلية لخطاب الحريري كانت تشير مباشرة وحسب قوله إلى أنquot; المستحيل هو أن السلاح يبقى لعبة ترمى على أولادنا لتنفجر بوجههم، المستحيل أن السلاح يبقى مرفوعا بوجه إرادة الشعب الديمقراطية وبوجه الحق وبوجه الحقيقة، مستحيل لأحد منا أن يعود ويقبل للبنان أن يقع تحت أي وصاية إن كانت وصاية من الخارج أو وصاية سلاح من الداخل لحساب الخارج، مستحيل أن نتخلى عن حريتنا ومستحيل مستحيل نتخلى عن عروبتناquot;.

هذه الاستحالات الممكنة والمنطقية التي أطلقها الحريري، يقف خلفها أكثر من مجموعة أحداث متراكمة لم تدع مجال للشارع اللبناني في التقاط أنفاسه، ولم تدع الوجه الحقيقي للبنان الثقافة والحوار والتسامح في البروز والظهور، وأوجدت وخلقت على الساحة اللبنانية وجهاً قبيحاً كان واحداً من أهم أسباب العنف في المنطقة العربية عموماً وليس في لبنان وحدها.

بيروت ومنذ ظهور حركات المقاومة وتحولها عن مسارها الذي أوجدت من أجله وهو مساعدة الجيش الرسمي للدولة في مواجهة العدو الواحد quot;إسرائيلquot; ومنذ هذا التحول ونحن نرى عمليات اجتياح وانتشار وتفجيرات وصراعات وأحزاب وموالاة ومعارضات وائتلافات وأجندات ناطقة بالعربية والفارسية والأوروبية بل وحتى الإسرائيلية أحياناً، والنتيجة ماذا؟ النتيجة هي لبنان ممزقة، لبنان تشم في كثير من أرجائها وأركانها رائحة عطنة تنبعث بين فترة وأخرى، غابت الدولة في كثير من الوجوه وظهر الزعيم الذي يحاول أن يختصر القضية في اسمه ليقول صراحةquot; لبنان أنا... وأنا لبنانquot; ليقيم دولة في الجنوب، وتقام في المقابل دول في مناطق أخرى، ثم يتطور الصراع وينشط ليكون هنا حزب وهناك جماعة، وتنطلق شرارة الصراع لأتفه الأسباب، ودفاعاً عن اسم الزعيم وليس عن تراب الدولة.

إشكالية دعوة سعد الحريري الذي أطلقها في خطابه أنه أيضاً مازال مهذباً، ومازال ملتزماً بأدوات السياسي المحترف، في طرح سياسته دونما تعصب أو توظيف لمفردات خالية من المعاني، لكن كان بودي كمتابع أن لو تخلى قليلاً عن هذا التحفظ و أطلق صراحة نداءاً ليس لنزع سلاح حزب الله الذي لم يجلب إلا الخراب والدمار على المنطقة ككل، بل لمحاكمة المسؤولين عنه بتهمة الخيانة العظمى لتراب لبنان، فالاستقواء بالخارج عمالة، والارتماء في أحضان دولة أيا كانت هذه الدولة أيضا خيانة، وتوظيف علاقات هذه الدولة لمصالح حزبية وليست وطنية قمة قمة الخيانة، وما يشار إليه في أن الحريري أيضاً يرتمي في الأحضان السعودية، أشير هنا إلى مراجعة بنود quot;اتفاق الطائفquot; وهو كفيل بالرد على مثل هذه الأسئلة إذا افترضنا في أبعد حالات الافتراض أنها صحيحة، فالاتفاق داعي للوحدة وليس التشرذم، داعي للاتفاق وليس الانقسام، داعي للسلام وليس الحرب، هناك خلاف هائل وكبير بين هذا التوجه الذي لا يتبناه الحريري فقط بل كل الشرفاء في لبنان، وبين توجه نصر الله النافخ دائماً في كير الحرب بخطبه المنقولة على الهواء من أماكن لا يعلمها إلا هو ومحبيه في طهران وعواصم أخرى... لماذا؟ ربما كما يقول ويدعي أنها لاعتبارات أمنية والحقيقة أنها فقط محاولة نفسية لإضفاء نوع من الأهمية لنفسه ليس إلا... فلماذا لا ينطلق كلمته صراحة مباشرة أمام الشعب اللبناني، مما يخاف؟ ومما يخشى، وما هو الدافع الذي يجعله مختبئا، ومعروف أن للاختباء مسميات وإشارات أعف عن ذكرها في مقالي.

لتكون الدعوة التي يطلقها اللبنانيون والعرب جميعاً هو أن quot;الشعب العربي المعتدل والشريف يريد محاكمة نصر اللهquot; ويريد سؤاله عن كل ما فعله وما يفعله باسم المقاومة، التي نثرها ومزقها وأضاع قيمتها الأخلاقية التي كنا جميعا نجلها ونحترمها.

ليكن الصوت القادم هو الدعوة لمحاكمة عدم الشرعية في لبنان اينما كانت وحيثما وجدت، وليضرب اللبنانيون الشرفاء بأياديهم الحديدية القوية على كل داع للتشرذم وإضاعة هيبة دولتهم ومكانتها.

لقد اشتقنا لرؤية الوجه الجميل للبنان، الوجه الحضاري والثقافي الذي كان يقود الشرق من أقصاه إلى أقصاه، الوجه الذي بافتقاده أصبح العرب جميعاً بلا حراك فكري فاعل، الوجه الذي فقدناه ونتيجة هذا الفقد وبكل أسف هو... ما نلمسه الآن في الشوارع العربية من ثورات واضطرابات.

[email protected]