فى عالمنا العربي حاليا قائدان (مرموقان)، أحدهما (الأخ القائد) الذى أوشك هو وعائلته على (الانقراض)، والآخر (السيد القائد) ويطلق عليه البعض و (سيد أتاري).

الأخ القائد كان ضابطا صغيرا برتبة ملازم وفى غفلة من الزمن استطاع أن يقلب نظام الحكم الملكي فى ليبيا، ولما كان شديد الاعجاب بالعقيد (البكباشي) جمال عبد الناصر، فقد منح نفسه رتبة عقيد تشبها به. منذ الأيام الأولى لحكمه بدت عليه علامات وتصرفات شاذة عجيبة غريبة دلت عليها خطبه النارية والرمادية العجيبة والغريبة فهو يخلط الحابل بالنابل، وعندما ينتهى منها ينظر المستمعون بعضهم الى البعض الآخر بحيرة ثم ينفجرون ضاحكين.

فى نهاية السبعينات، أمر الأخ القائد طلاب البعثات الدراسية الليبيين أن يحتلوا السفارات الليبية فى البلدان التى يدرسون فيها، وأمرهم برفع اللوحات التى تحمل اسم (سفارة ليبيا) ويضعوا بدلا عنها تحمل اسم: الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى!. ولسبب غير واضح منع ممارسة المحاماة فى ليبيا. ومرة قال انه ملك ملوك أفريقيا، وأخرى انه امبراطور العرب، واشتد به الطموح فعين نفسه خليفة للمسلمين.

نترك الأخ القائد ونعود للسيد القائد. أول مرة (تكتحل) فيها عيناي برؤية طلعته كانت فى بداية صيف 2004 أثناء عودتى الى العراق، وكان يلقى خطابا ناريا من على شاشة التلفزيون الذى نصبه صاحبه أمام دكانه فى سوق الشورجة تفضلا منه على المارة كيلا تفوتهم تلك الخطبة العصماء. كان الحشد كبيرا والهتاف لا ينقطع. غامرت باستطلاع رأي أحد المتحمسين فسألته عمن يكون الرجل. فجاوبنى وسألنى باستغراب: ألا تعرف مقتدى الصدر !.

إنه سيد وجده رسول الله ومن عائلة الصدر الذين ضحوا بأرواحهم بوقوفهم ضد الطاغية المجرم صدام حسين. ونظر الي بشك وسألنى عن هويتى فقلت انى أحد ضحايا صدام وغادرت العراق منذ أكثرمن عشرين سنة خوفا على حياة أطفالى ومستقبلهم وعدت لأرى بلدى الذى حررته أمريكا لا لمصلحة العراقيين بل من أجل مصلحة أمريكا نفسها، وان علينا اليوم أن نقف صفا واحدا ونشكر أمريكا ونطلب منها مغادرة بلدنا لندير أمورنا بأنفسنا. ازداد عبوس الرجل لكنه انشغل بالهتاف للسيد فتسللت بعيدا عن ذلك المكان.

عندما نصبت الدبلوماسية البريطانية (غرترود بيل) فيصل الأول ملكا على العراق أطلق الناس عليها اسم: صانعة الملوك، ولم يخطر ببال أحد أن معمما مغمورا لم يكمل دراسته الدينية ولم يتعدى عمره 31 سنة سيحصل على شعبية كهذه ومعظم الناس لم تسمع به قبل عام 2003 ولم يقم بعمل يؤهله دينيا أو سياسيا أو عسكريا، وكل مؤهلاته (سيد وجده رسول الله ومن عائلة الصدر). ولكنه فاز بأربعين مقعدا فى البرلمان الجديد، مما أعطاه ثقلا كبيرا فى اختيار رئيس الوزراء و أهله للقب (صانع الملوك).

لا أظن أن أتباعه أغبياء لينضووا تحت عباءته فقط لأنه (سيد وصدري)، فما هو السر ياترى؟ لا تندهشوا إذا قلت أن غلاة السنة العراقيين وسياسة حكام آل سعود والمطرود حسنى مبارك هم السبب فى أن يلتف هذا العدد الكبير من العراقيين حول مقتدى خوفا من تدخل سني من بعض الدول العربية الى جانب سنة العراق، فأخذ السيد وأتباعه بتضخيم وتهويل أمر التدخل. مقتدى أيضا يجيد التهديد والوعيد والعربدة.

فى البرلمان السابق كان أتباع مقتدى يشعرون بالانزعاج الشديد من المعارضين لهم، فيغادرون المجلس لأتفه الأسباب ويعطلون أعماله ndash; على قلتها - لانشغال أعضائه بالحج والعمرة والاستثمار والسياحة وغيرها التى لا تمت بصلة لمهام البرلمان الأصلية. المجلس ndash; الذى يحلو لي تسميته: مجلس النيام او مجلس الحجاج- تنفض أغلب اجتماعاته لعدم اكتمال النصاب بسبب غياب نسبة كبيرة من أعضائه، ولا يحضرون بعدد كاف إلا إذا كانت هناك قوانين لزيادة مخصصاتهم ومنحهم الأراضي على ضفاف دجلة وتزويدهم بالسيارات المصفحة. ومن المخزي جدا هو توسل الأمريكان بأعضاء المجلس السابق بعدم تعطيل المجلس قبل تمرير اللوائح والقوانين المهمة المطروحة أمامهم.

وبعد يأس شديد من حصول علاوي على رئاسة الوزراء أو حتى مجلس السياسات العليا الذى أسس (على الورق) ترضية له، أخذ يغازل هذه الأيام السيد القائد مقتدى والآخر عمار الحكيم ومسعود البرزاني لتشكيل جبهة لاسقاط المالكي، لا لسبب سوى الحقد والحسد والبغضاء، غير مبال بما قد يحصل للبلد من مصائب جديدة تضاف الى القديمة.
عمر الحكومة الجديدة أقل من أربعة أشهر ولم يكتمل أعضاؤها بعد، فيخرج بعض الناس بمظاهرات اغتنمها البعثيون والطائفيون والقاعدة المجرمة فرصة ثمينة لاثارة الشعب على الحكومة التى انتخبها هو والتى تشتمل على جميع الأحزاب والكتل السياسية. أليس هذا أمر عجاب؟

واذا سقطت الحكومة الحالية فمن سيخلفها؟ فكروا مليا بالأمر قبل الخروج بمظاهرات جديدة. أعداد كبيرة من الموظفين صغارا وكبارا فاسدون مفسدون، شعب تخرج فى مدرسة البعث نسبة كبيرة منه فاسدة تعودت على القتل والتعذيب والسرقة، ومنهم من يغش ويسرق ويقبل الرشاوى بدافع الجوع والحاجة وتعودوا عليها. شعب هجرته أعداد هائلة من المثقفين من أطباء ومهندسين وأساتذة وغيرهم والبلد بأمس الحاجة اليهم، وكلما تأخرت عودتهم كلما زاد تعلقهم بالبلدان التى يعيشون فيها حيث الأمن والأمان لهم ولأطفالهم وأحفادهم من بعدهم.

احذروا من يحرضونكم على المظاهرات وابحثوا عن السبب وعمن يكون المحرض عليها، أهو حقا يريد مصلحة العراق أو عنده دافع آخر. تظاهرنا فى العهد الملكي وبكينا عليه، وتظاهرنا فى عهد الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم وبكينا دما عليه، ولم نتظاهر على عهد البعثيين خوفا من بطشهم وقسوتهم فأين هم اليوم وأين قائدهم هدام العراق الذى هو السبب فى كل الدمار الذى حل ويحل بالعراق؟

أعطوا الحكومة الجديدة فرصة للعمل لعلكم تجدون الخير فى ذلك، ولعل السياسيون المتنازعون على الكراسي تستيقظ ضائرهم يوما فيدركوا أن ما أصاب البلد من الضرر الشديد هونتيجة لمطامعهم ومنافعهم الشخصية، فيقدمون مصلحة البلد على مصالحهم ويتعاونون على الاصلاح واعمار البلد المخرب. قد يبدو ذلك مستحيلا، ولكن من يدرى.