لا يخفى ان السلطة التنفيذية في اقليم كردستان برئاسته وحكومته تعاني من أزمة حقيقية طوال سنوات نتجت عنها مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية للمواطنين اضافة الى فوارق طبقية شاسعة بين أقلية متسلطة وأغلبية كادحة وغياب تام للعدالة الاجتماعية وارساء فساد رهيب وسياسة استبدادية لنهب لأموال وممتلكات الشعب من قبل المسؤولين الحزبيين والحكوميين.

وامتدادا لزحف الثورات المنطلقة في الشرق الاوسط انطلقت تظاهرات احتجاجية في بعض المدن الكردستانية تطالب بالتغيير والاصلاح في الحكم، وقد تخللت هذه التظاهرات في بدايتها بعض العنف ولكنها تسير بطريقة سلمية ومدنية قدمت مشاهد جميلة لارساء علاقة مميزة من التآلف الأيجابي بين المتظاهرين ورجال الشرطة.

وتوازيا مع استمرار الاحتجاجات تقدم المتظاهرون بمجموعة من المطالب للتغيير واجراء اصلاح في الحكم لمعالجة الازمات والمشاكل والفساد في الاقليم، وتم ايصال المطالب الى رئاسة وحكومة وبرلمان كردستان ولكنها مازالت تراوح في مكانها ولم تصل الى اجراءات تنفيذية للقيام بها من قبل السلطة استجابة لطلب المتظاهرين لأسباب تعود الى الطرفين.

ولغرض الجمع بين المتظاهرين والسلطة والعمل على وقف امتداد الأزمة وحصرها وإزالة اسبابها، والتعامل مع الواقع الراهن في الاقليم بالحكمة والمنطق، نرى ضرورة اطلاق بادرة لتأسيس مجلس حكماء في اقليم كردستان من شخصيات مستقلة تعمل بحيادية ومسؤولية بهدف تحقيق التحاور بين الطرفين وايجاد آليات عملية للتعامل مع المطالب لتحقيق التغيير والاصلاح.

وبهدف تحقيق هذه المبادرة نجد ضرورة اختيار شخصيات مؤهلة تساعد على حلحلة الأزمة واخراجها من الطريق المسدود السائر عليها لتحقيق التغيير وتنفيذ مطالب الشعب في الاصلاح والقضاء على الفساد، ونأمل ان تتعامل السلطة والمتظاهرون في الاقليم مع هذه البادرة بايجابية للحفاظ على التجربة الكردستانية المتسمة بالسلام والاستقرار في العراق.

ونرى ضرورة توفر سمات محددة في شخصيات مجلس الحكماء، منها الكفاءة والخبرة والمصداقية والاستقلالية والموضوعية، والالمام بالجوانب السلبيات والايجابية للأزمة والتعامل معها على أساس المنطق والحرص على ضمان الوسائل الفعالة لمعالجة المشاكل، وحصر الأولويات ضمن برنامج عمل لتنظيم الاهتمامات العاجلة والآجلة، والقدرة على تشخيص المسببات وطرح الافكار العملية لمعالجتها، وانتهاج مبدأ الشفافية في تسيير الأمور واحترام مبدأ حرية التعبير والرأي الاخر، وامتلاك القدرة على التقارب بين مطالب المحتجين ووجهات نظر السلطة، واحترام مطالب المحتجين وبذل اقصى الجهود لتحقيقها، وان لا يكون المرشح منتميا او مدعوما من أي حزب، ومن غير المستفيدين من السلطة والاحزاب.

وتأتي أهمية هذا المجلس بعد ان تبينت الطريقة الحكيمة التي عالج بها مجلس النواب العراقي مسألة الاحتجاجات والتظاهرات حيث طلب من نواب كل محافظة عدا اقليم كردستان اعداد تقرير مفصل عن المشاكل والحلول لمناقشتها تحت قبة البرلمان للخروج منها بخارطة طريق لتنفيذ مطالب المحتجين العراقيين، وبينما برلمان كردستان مازال يتحجج بتبريرات واهية وكذلك رئاسة وحكومة الاقليم للتعامل مع مطالب المتظاهرين في السليمانية وبعض المدن الكردستانية، وهذا يعني ان السلطة في الاقليم مازالت في واد ومطالب الشعب بالتغيير والاصلاح في واد آخر.

في الختام، لابد ان نبين إن تأسيس هذا المجلس واتاحة المجال امامه للقيام بدوره ستساعد بحيوية على وصول الطرفين السلطة والمتظاهرون على إجراء الإصلاحات الضرورية لتحقيق التغيير والاصلاح ومعالجة مظاهر الفساد في الاقليم، وسيشكل عاملا حاسما لإحداث نقلة نوعية في ارساء علاقة حية بين المواطنين والسلطة التنفيذية على صعيد الكيان الفيدرالي الكردستاني لخدمتهم وتحقيق مطالبهم في العدالة والمساواة والكرامة، والشعب في الاقليم برهن دائما انه أهل للتغيير والتطور والتقدم لتأمين حاضر مشرق وضمان مستقبل زاهر في كردستان العراق.

[email protected]
ايلاف