حينما اعتلى القرضاوي منصة أعدت له على عجل في ميدان التحرير ليبسمل ويحوقل متوقعا أن يكرر دور الخميني في طهران 79، لم تغادر صورة وائل غنيم الذاكرة الجمعية ولا قصيدة القرضاوي في صدام حسين بإعتباره quot;شهيدا أعدم في يوم عيد المسلمين ناطقا بالشهادتينquot;. الجمهور المحتشد لم ينس فتوى القرضاوي ولم يأبه حين تحول القرضاوي إلى النقيض حين أفتى، مؤخرا، بهدر دم القذافي كما لم ينس الجمهور صمت القرضاوي لعقود خلت عن quot;كبائرquot; مؤسسات القمع في مصر أو باقي البلدان العربية. الإفتاء بquot;مكيالينquot; صفة لازمت وستلازم القرضاوي وفصيلته التي وضعت قدما في السياسة وقدما في اللاهوت ومراجعة سريعة للفتاوى التي صدرت من هذا الرجل تثبت إنتقائية متهافته تسيطر على منظومة أفكاره حتى بدا أن الأسلام، حسب الطبعة القرضاوية، يغير موقفه حسب طلبات quot;الزبائنquot; ومحتوى الفتاوى يتغير حسب الجهة الممولة فإضفاء الشهادة على مقبور العراق يحمل رائحة قناة الجزيرة وهدر دم القذافي يحمل رائحة من حكومة عربية أخرى.
قبيل مظاهرات 25 شباط العراقية، لم أستغرب حين قرأت تصريحات وفتاوى صدرت من أشباه القرضاوي فهم من ساند إحتجاجات البحرين كونها عرفت بـquot;إحتجاجات أغلبية شيعية ضد حكومة سنيةquot; وهذا quot;حلال وواجب شرعاquot; وquot;يمكن الأستناد إلى أكثر من قاعدة فقهية في هذا الأمرquot; وحين وصل الأمر إلى القاعدة ذاتها في مايخص الأحتجاجات في طهران أو بغداد كانت التخريجة الفقهية لأشباه القرضاوي مغايرة تماما بـ180 درجة. ركوب القطار الديني للحصول على السلطة السياسية ليس بأمر جديد في التاريخ العربي أو في تاريخ البشرية عموما فقبل 2003 فعلتها حركات سياسية كثيرة وأدعى قادتها رابطة دم ، حقيقية أو مزيفة، بالبيت العلوي كعلي بن محمد صاحب الزنج وحمدان بن قرمط والعباسيين في ثورتهم في خراسان وحركات سياسية عراقية عارضت الديكتاتور المقبور بحجج مماثلة وحين أتتها فرصة الحكم بدأت تقدم للعراقيين المفاجأة تلو الأخرى في تأصيل الثيوقراطية ومحاكاة مفاسد المستبد السابق.
quot;موالاة البعثquot; أحد الأتهامات التي حضّرتها الوزارة الحالية لمحتجي 25 شباط (تصريح علي الدباغ) وكأن حزب البعث تحول بين يوم وليلة إلى حزب شعبي قادر على إخراج مظاهرات جماهيرية بمطالب تعكس طموح العراقيين في حكومة بفساد أقل وأداء أفضل يقدم خدمات أنتظرها المواطنون طويلا والوقائع تثبت، بلا شك، أن الحكومة مترهلة بوزاراتها الكثيرة والبرلمان أجتمع، في حزيران الماضي، لعشرين دقيقة فقط ليقرر رواتب خيالية لم يحلم بها حتى باراك أوباما ومنصب نائب الرئيس صار قطعة كيك لأرضاء الفرقاء السياسيين الذين يتصرفون كأطفال رعناء. حضّرت الوزارة الحالية، قبيل 25 شباط، فتاوى كثيرة مع معاول وفؤوس لاتعد لمواجهة المظاهرات الشبابية الناقمة على سوء الوضع و هدمت بيدها، في الوقت ذاته ، بالفؤوس والمعاول ذاتها، بلا قصد، أخر جزء من صورة جميلة عن الأسلاميين العراقيين قد ترسخت في مخيلة أبناء جيلي منذ عقد الثمانينيات بإعتبارهم دعاة لquot;جمهورية فاضلةquot; في عراق مختلف ولا يمكنهم أن يقلدوا نزرا بسيطا من مفاسد وأكاذيب وترهيب quot;العفالقةquot;.
للقرضاوي أشباه كثيرون في شرق المتوسط وفي حالة العراق الأمر أكثر سوءا ففي دورتي إنتخابات تحولت الحملات الانتخابية بصورها ودعاياتها المكلفة إلى وسيلة لإستقطاب الطوائف وساهم أشباه القرضاوي الشيعة والسنة في توزيع quot;صكوك غفرانquot; على جمهور أتعبته عقود الديكتاتورية وأخبار المفخخات وتحول مدن كانت تفخر بحياتها الليلية المملوءة بالضوء كبغداد والبصرة إلى قلاع أشباح مظلمة بفعل غياب الكهرباء وتحكم أشباه القرضاوي بمفاصل الحياة فيها والذي أنتج وعودا للجمهور بـquot;الجنةquot; وتكالبا من قبلهم على الوظائف والأموال والعقارات ولا حساب جرى وفق أي قوانين وضعية أو دينية معروفة في آمور كثيرة كاللصوصية، إساءة إستعمال السلطة، والسجون السرية للخصوم السياسيين. أحد الأشباه حرم التظاهر في العراق وآخر أعتبره quot;مكروهاquot; وآخر أعتبره quot;رجسا من عمل الشيطانquot; وكلهم نسوا أو تناسوا أنهم هللوا لمظاهرات البحرين وإنهم كانوا يقودون العراقيين منذ 2003 للتظاهر في عمليات إستعراض عضلات طائفية كما أنهم تناسوا أن مظاهرات طهران 79 هي التي مكنتهم لاحقا من التحدث علنا عن برنامجهم السياسي المشوش وفي الصعود إلى القطار الأمريكي الذي وصل إلى المنطقة الخضراء حاملا أكثر من مسافر يشبه ملامح القرضاوي.
رغم علم جميع الساسة بأن التظاهر حق دستوري لكل مواطن، يتهم الناطق بأسم الحكومة المحتجين بـquot;مولاة البعث وquot;صانع الملوكquot; العراقي يشكك في مصداقيتها ونوابه يشككون في المتظاهرين وبخطط رئيس الوزراء وأحد النواب يتقمص دور علي كيمياوي فوق المطعم التركي كي يرهب المحتجين بينما قوة من الشرطة تعتقل أو تقتل بعضا من المحتجين quot;دون علم السلطة التنفيذيةquot; بينما أعلن المالكي وعده بإصلاحات الـ 100 يوم والتي ستكون محكا لمصداقيته أمام جمهور ناخبين أتعبته الوعود والفتاوى وأخبار وزراء ومسؤولين يغادرون البلاد بأرصدة مشبوهة بلا فتاوى من أشباه القرضاوي فيما يخص أمر سرقة المال العام وغيرها من المفاسد التي ستكشفهاالمظاهرات لاحقا والتي نأمل أن تستمر حتى يخرج الأمبراطور من القصر عاريا دون غطاء شرعي من فصيلة الأكليروس أمام quot;زعاطيط الفيسبوكquot;، كما وصفهم أحد النواب، إلى شوارع العراق التي كانت تشكو، سابقا، من مستبد قومي وتشهد اليوم صعود مستبد محروس بأشباه القرضاوي الذين لم يدركوا بعد أن الأرض تدور وغير ثابتة على قرن ثور.
التعليقات