على ضوء ما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في اليمن وليبيا التي تتصف جميعها بالدكتاتورية والاستبداد، مستخدمة نظام التوريث تحت ظل جمهوريات ملكية ممسوخة الهوية، حيث تصور البعض من القوى المضادة للنظام السياسي في العراق الذي يتمتع بشكل ديمقراطي تعددي أنجزه العراقيون بعد سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث الشمولي، وبالذات أولئك المتضررين من السقوط وبعض بقاياهم هنا وهناك، تصوروا انه بمقدورهم ركوب هذه الموجة التي تجتاح بلدان الشرق الأوسط، ذات النظم الشمولية والدكتاتورية والعمل من خلال مساحات الحرية التي أتاحها النظام الديمقراطي في البلاد وتشريعات دستوره التي تبيح التظاهر والاعتصام والتعبير عن الرأي بأساليب سلمية ومتحضرة بعيدا عن الفوضى والعنف والاعتداء والغوغاء، متناسين ان النظام الجديد إنما جاء عبر صناديق الاقتراع في انتخابات عامة شهدت بحقها معظم المنظمات الدولية ومجاميع المراقبين من كل انحاء العالم، حتى وصفت بأنها ضمن المعايير الدولية، واحدة من انجح الانتخابات الحرة في منطقة الشرق الأوسط.
وخلال الأيام التي سبقت تلك التظاهرات سربت العديد من وسائل الإعلام بيانات وتعليمات في معظم محافظات البلاد صادرة من قيادات عديدة تمثل أجنحة حزب البعث المنحل والمنتشرة في الداخل ودول الجوار والتي تعمل تحت أسماء وعناوين مختلفة ومعروفة لدى العراقيين مثل رجال الطريقة النقشبندية والجيش الإسلامي وجيش محمد والعودة والتي تحرض على التظاهرات والاحتجاج وإشاعة الفوضى من خلال الهجوم على المراكز الحكومية ومقراتها ونهبها او إحراقها كما حصل في هجومهم على مبنى محافظة نينوى وإحراق أجزاء منه، وكذلك محاولتهم الهجوم على بناية محافظة كركوك ومجلسها ومقرات الأحزاب السياسية الرئيسية فيها حاملين شعارات منسوخة من أيام حكمهم قبل نيسان 2003م تحت راية حزبهم التي حولوها الى علم للعراق بنجومه الثلاث التي تمثل أهداف حزب البعث حسبما جاء في قانون العلم العراقي الذي أصدره مجلس قيادة الثورة المنحل في ثمانينات القرن الماضي وأضيفت له مفردتي الله اكبر في مطلع التسعينات ليدشن النظام المعروف بعلمانيته حملة إيمانية تعجز عنها الدول ذات النظم الثيوقراطية!؟
لقد حمل المتظاهرون من أتباع هذه التنظيمات والمتضررين من سقوط ذلك النظام ممن تم استخدامهم في عمليات التعريب والاستيطان في مدينة كركوك وأطرافها طيلة أربعة عقود، إضافة الى مجاميع مماثلة في الموصل عشرات الإعلام العراقية الملغاة ذات النجوم الثلاث تعبيرا عن هويتهم البعثية وآمالهم في إعادة عقارب الساعة الى الوراء في محاولة لركوب موجة الاحتجاجات ظنا منهم في إسقاط النظام او تقليد أسلافهم في ركوب القطار الأمريكي أبان انقلابهم على الزعيم عبدالكريم قاسم في مطلع ستينات القرن الماضي وذلك لتحويل معطيات العمل الديمقراطي الى وسيلة انقلابية جديدة تضاف الى سجلهم الميكافيلي المعروف في التسلق الى السلطة مهما كان الثمن او الوسيلة، متناسين بحور الدماء التي دفعها العراقيون من اجل الحرية والخلاص من حكم الحزب الواحد والقائد الضرورة وما رافق عملية التحرر خلال السنوات الثمانية الماضية من حرب قذرة شنتها كل قوى الإرهاب التي ادخلوها الى البلاد وجندوها لتدمير العراق وتحويله الى حفنة من تراب كما توعد رئيسهم ذات يوم غابر قبل هزيمته وانهياره.
التعليقات