في أولى مراحل التحول الذي نأمل أن يكون ديمقراطياً في مصر، يذهب ما يزيد عن أربعين مليوناً إلى صناديق الاقتراع يوم السبت التاسع عشر من مارس الجاري للتصويت على التعديلات الدستورية التي قام بها المجلس العسكري الحاكم. ينقسم المصريون بشدة في تقييمهم للتعديلات وحول طريقة تصويتهم. ففي الوقت الذي يرفض المجتمع المدني بكافة أطيافه وألوانه التعديلات ويراها قاصرة غير ملبية لمطالب الثورة، يقبل الإسلاميون، بمن فيهم الإخوان المسلمون، بالتعديلات ويرون أنها تلبي الحد الأدنى اللازم للمرحلة الحالية.

من دون الخوض في تفاصيل الدستور أو التعديلات التي أجريت عليه، كان ترتيب الشئون المصرية الداخلية بعد الثورة مخيباً للأمال وربما كان هذا سبباً مهماً من الأسباب التي دفعت المجتمع المدني للإصرار على رفض التعديلات الدستورية. فقد جاء تولي الجيش لمقاليد السلطة ليوحي بأن ما تمخض عنه الخامس والعشرون من يناير كان انقلاباً عسكرياً وليس ثورة شعبية. ثم كان تعيين لجنة برئاسة قاض سابق يحسب على جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة اللجنة المنوط بها تعديل الدستور ليحبط كل التيارات المدنية المصرية التي لم يتم تمثيل أي منها باللجنة. وأيضاً جاء قبول القوات المسلحة بدور نافذ للإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية في الشاعر المصري ليعمق مخاوف الملايين من المصريين من المرحلة الإنتقالية سريعة الخطوات التي ستقود حتماً لوصول الإسلاميين للسلطة.

وللحق تبدو كل هذه الأمور كما لو أنها تقود إلى نتيجة واحدة وهي تهيئة الإسلاميين للوصول إلى سدة الحكم. الإسلاميون لا ينكرون ولعهم بالحكم أو محاولاتهم الحثيثة لقيادة مصر. ولا يدخر الإسلاميون جهداً لبلوغ مسعاهم هذا حيث استغلوا أحسن استغلال الظروف التي تمر بها مصر في دعم نفوذهم في الشارع المصري. وقد ساعدت القوات المسلحة الإسلاميين بالإفراج عن عدد كبير من قادتهم الذين كانوا يقضون أحكاماً بالسجون المصرية. وسعى الإسلاميون لاستغلال كل حدث صغير وكبير لتحقيق التواصل مع المصريين. كما حاول الإسلاميون استغلال الإعلام المصري الخارج لتوه من مرحلة الكبت في نشر أفكارهم ورؤاهم.

ولعل المتابع للشئون المصرية يدرك أن الإسلاميين يتبعون تكتيكاً شديد الحبكة والدهاء للوصول إلى هدفهم. تقوم خطة الإسلاميين على ثلاثة محاور. الخطوة الأولى تتم عبر التصويت بقبول التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء. الخطوة الثانية هي عدم التقدم بمرشحين في الانتخابات الرئاسية. ثم تجيء الخطوة الثالثة والأهم وهي الفوز بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ومن ثم التحكم في مسار واتجاه الدولة المصرية.

من يتأمل في تكتيك الجماعات الإسلامية يدرك أن قبول الإسلاميين بالتعديلات الدستورية لا يتم لأن الدستور الحالي يتفق مع مبادئهم، ولكن لأن التعديلات تمنحهم فرصة ذهبية لتنفيذ مخططهم بسرعة ودون مماطلة وعبر أقصر الطرق وأقلها مجازفة. يدرك الإخوان أن إعداد دستور جديد قد يستغرق وقتاً طويلاً ربما يخفت خلاله الزخم الذي اكتسبته الجماعات في الأسابيع القليلة الماضية ويزداد فيه نفوذ التيارات المدنية بعد ان تنتهي هذه التيارات من مرحلة ترتب أوراقها.

وبالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية الذي لا ينوي الإسلاميون التقدم بمرشحين له، فالمنصب لا يعني كثيراً لهم في هذه المرحلة لعدة أسباب من أهمها أن الانتخابات الرئاسية ستتم قبل الانتخابات البرلمانية بفترة لن تقل عن ثلاثة أشهر، وهم لا يريدون تشتيت جهودهم. ثم هم لا يريدون أن يكونوا في الصدارة قبل الانتخابات البرلمانية حتى لا تنكشف أوراقهم السياسية. هذا فضلاً عن أنهم لا يريدون أن يكشف انتخاب رئيس إسلامي مدى نفوذهم قبل الانتخابات البرلمانية خوفاً من تراجع التأييد الشعبي لهم. يضاف إلى ذلك ان هناك توجهاً بأن يكون النظام المصري القادم برلمانياً بما يعني أن منصب الرئاسة سيصبح شكلياً ولن تصبح له نفس القوة التي كان يتمتع بها في النظام السابق.

أما بخصوص الانتخابات البرلمانية فيحرص الإسلاميون على خوضها بكل قوة نظراً لأهمية البرلمان كسلطة تشريعية. يدرك الإسلاميون أن الفوز بأغلبية برلمانية يضمن لهم التحكم في مصير مصر ومستقبلها عبر تغيير الدستور وسن التشريعات والقوانين التي تتفق مع رؤاهم السياسية والاجتماعية والدينية. وكشف تعاون وتنسيق الإسلاميين بين بعضهم البعض رغم اختلاف انتماءاتهم ورؤاهم عن مدى تعلقهم بالأمال في الفوز بأغلبية مريحة في الانتخابات التشريعية.

وفي إطار هذا التعاون قال الإخوان المسلمون أنهم وحدهم سيقدمون مرشحين في ثلاين بالمائة من الدوائر الانتخابية. من جهته قال عبود الزمر القيادي في تنظيم الجهاد أنه بالتنسيق مع الإخوان المسلمين فإنهم سيرشحون أعضاءً بالتنظيم في ثلاثين بالمائة أخرى من الدوائر. هذا يعني أن ستين بالمائة من مقاعد مجلس الشعب ربما تتوزع بين مرشحي الإخوان المسلمين وجماعة الجهاد فقط. يشير هذا إلى أن القوى الإسلامية الأخرى كالسلفيين والجماعة الإسلامية والجمعية الشرعية وأنصار السنة وغيرهم ستنافس على الأربعين في المائة الباقية من الدوائر الإنتخابية، ما يعني أن الإسلاميين ربما يخوضون الانتخابات التشريعية في كافة الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية.

إنها لحظة العمر للإسلاميين في مصر للقفز إلى مقدمة الصفوف واعتلاء مقاليد الأمور. البداية هي نعم للتعديلات، ومن ثم تأتي الخطوات التالية التي ستتكلل بفوز مرغوب في الانتخابات البرلمانية. الإسلاميون هم أكثر الجماعات السياسية جاهزية في الوقت الحالي، وإذا ما سارت الأمور بحسب الترتيبات السريعة غير المدروسة التي تعدها القوات المسلحة، فمن المؤكد أنهم سيحققون أهدافهم. الأمر جد خطير ويستوجب توحد مختلف فئات المجتمع المدني. ربما كان رفض التعديلات والإصرار على دستور جديد هو نقطة البداية للمجتمع المدني حتى يتم تأجيل الانتخابات البرلمانية وتستطيع الأحزاب السياسية النزول إلى الشارع للتواصل مع الشعب المصري بغرض تعريفه بأهمية المجتمع المدني لمصر. فهل يستوعب المصريون دروس التاريخ التي تؤكد أن الإسلاميين لم يصلحوا أبدا في قيادة أي من الدول الصغيرة التي قادوها. فكيف سيكون الحال إذا ما حكموا دولة عملاقة بحجم مصر؟

[email protected]