الأحزاب السياسية الوطنية ذات التوجه الديمقراطي هي اولى النواة والارضية الاساسية لتنظيم المجتمعات، وعلى قاعدتها تتم التحولات والتطورات المهمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واعلاميا، وذلك انسجاما مع تطلعاتها التي تتمثل بتشكيل منظمات المجتمع المدني بكافة مكوناته بين جميع الفئات الشعبية، من الشباب والنساء والمثقفين والفنانين، اضافة الى تنظيم العمال والفلاحين وبتعبير آخر نظام مؤسساتي ديمقراطي حيوي، يقوم بدور فعال في خدمة الوطن والمواطنين، ثم الاصرار على نشر الثقافة الديمقراطية بين المنظمات السياسية الذين يتحملون المسؤولية الاجتماعية والوطنية، ويعبرون عن آمال وطموحات الشعوب المظلومة في تحقيق العدالة والحرية لهم. أما الفراغ السياسي يعني إلغاء التعددية الحزبية وطمس الديمقراطية وغياب المعارضة الوطنية ومنظمات المجتمع المدني بكافة تنوعاتها والتحكم بإرادة الشعب بواسطة الانظمة الشمولية الفاقدة لسيادة العقلانية وثقافة الافكار الديمقراطية في العمل السياسي. متى يحصل الفراغ السياسي، وما هو مخاطره على المجتمعات في بناء الديكتاتوريات ونظام حكم الحزب الواحد؟. الفراغ السياسي هو غياب الديمقراطية والتعددية الحزبية التي تكون مصدرا لتكوين المعارضة الوطنية على الساحة السياسية لمراقبة ومحاسبة الحزب الحاكم، وبدونها تتحول السلطة الى ايديولوجية الحزب الواحد بالاتجاه الديكتاتوري تحت غطاء العقيدة القومية العنصرية، أو العقيدة الدينية المتطرفة، وفي كلتا الحالتين هو تهميش متطلبات وحاجيات الجماهير الاساسية وانتشار الانتهازية والمحسوبية والفساد المالي والاداري. ان الفراغ السياسي هو أخطر أنواع الثقافة السياسية التي تصادف الشعوب، وهو يسبب الحروب الاهلية، والحروب الطائفية والمذهبية والاثنية، ويسهل الطريق أمام الانقلابات العسكرية ونشوء الديكتاتوريات، التي تستند على نظام حكم الحزب الواحد مدعوم بمؤسسات رجال المخابرات وجهاز الأمن، والتي تهمش دور الجماهير في تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة. ان هذه الانتفاضات لا تدخل في اطار الثورات الشعبية الكلاسيكسية، لأنها جاءت بشكل عفوي وعشوائي نتيجة الاحتقان والغضب الشعبيين بعد وصول الامر الى حد الغليان والانفجار، ولأنها جاءت من خلال الفراغ السياسي بوجود الانظمة الشمولية وفقدان المعارضة المنظمة والجبهة الوطنية للاحزاب السياسية وغياب مؤسسات المجتمع المدني الحر. ان هذه الانتفاضات الناشطة في تطلعاتها المحدودة تنقصها تلك الشروط لان تأخذ لها مكانا في دائرة الثورات. هناك المخاطر العديدة التي تحدق بهذه الانتفاضات كي تحبط أمال شعوب المنطقة فيما اذا إستمرت في دوامة الفوضى الخلاقة، وفسح المجال للفراغ السياسي الخطير بين دول المنطقة وحكوماتها الديكتاتورية من طرف وبين الشعوب التي تعول على شبابها في المسيرة الانتفاضية من طرف آخر، وهذا قد يكون سببا في اندلاع الحروب الاهلية والطائفية وحتى بين بعض دول المنطقة بإرادة خارجية كما هو حال الانتفاضة في البحرين التي قد تتحول الى حرب اهلية بين الطائفة السنية والطائفة الشيعية وتدخل دول الخليج لدعم النظام ولصالحه، ثم تحول الانتفاضة في كل من ليبيا واليمن الى حرب أهلية خطيرة تحصد أرواح أبناء الشعب من خلال انقسام الجيش والعشائر والطوائف دون تحقيق الأهداف الاساسية للانتفاضة. هناك مخطط أمريكي بريطاني بإتفاق تركي وبمشاركة اسرائيلية مستورة في استغلال هذه الانتفاضات لخلق الفوضى السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة لصالحهم، بعد عجزهم وفشلهم في حروبهم الخاسرة. والآن يريدون طرح النموذج التركي للعثمانيين الجدد كنظام جديد ومقبول لدى المجتمع العربي الذي يئس من ظلم حكامه، ثم دعم النفوذ التركي تحت غطاء الاسلام الليبرالي المعتدل هذا النظام الذي يقود حربا مدمرة ضد الشعب الكردي تحت أنظار الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، دون ان يتحرك ضميرهم، متغاضين النظرعن قوانين الامم المتحدة وشرعية حق تقرير المصير للشعوب المضطهدة. هناك اشارات واضحة تدل على تحرك تركيا في هذا الاتجاه وتدخلها في الشؤون الدخلية للبلدان العربية والاسلامية وفي مسيرة هذه الانتفاضات لتحقيق هذا المخطط وهو: 2 زيارة رئيس الجمهورية التركية عبد الله غول الى كل من تونس ومصر بعد الانتفاضة د.أحمد رسول طبيب ومحلل سياسي كردي
ومن خلال الثغرة في الفراغ السياسي تزداد التناقضات عمقا بين مطاليب الشعب والمصلحة الوطنية العليا من طرف، وبين السلطة الحاكمة وأتباعها من طرف آخر، وهكذا تسود الفوضى السياسية والامنية في البلد الذي تحكمه طغمة ظالمة، والتي تلجأ الى استعمال السلطة التنفيذية كأداة لكم الأفواه، وضرب المعارضة للحفاظ على مصالحها، وهي لا تقبل التجديد والحداثة إلا حسب تصوراتها. ان هؤلاء الحكام يشوهون سيادة القانون، واستقلالية السلطات، والنظام الديمقراطي، واحترام حقوق الانسان، وينحازون بعد عجزهم عن تملك القدرة لإرادة التغيير وفهم التداعيات العصرية نحو الديماغوغية والنظام الشمولي، وفرض الاحكام العرفية والمحاكم العسكرية، والاعتقالات الكيفية لاصحاب الرأي والتعبير وتعذيب المعتقلين الى حدود الارهاق والقتل، وذلك تحت حجج واهية كعملاء الاستعمار، او انفصاليون او ارهابيون، علما ان هؤلاء الحكام هم عملاء الاستعمار، وفي خدمته، وهم ارهابيون، لانهم يمارسون الارهاب بحق شعبهم.
ان هذه الانتفاضات الشعبية في العالم العربي ما هي الا ردة فعل على الفقر والجوع والبطالة عن العمل، ثم الظلم والفساد والمحسوبية، والاضطهاد السياسي والنفسي التي تمارسها هذه الديكتاتوريات ضد شعبهم، والتي لا تترك مجالا لتكوين المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني المستقل سوى الاحكام العرفية والمحاكم العسكرية ثم الاعتقلات والتعذيب في السجون.
ان هذه الانتفاضات الشعبية معرضة للاخطار الداخلية والخارجية لفقرها الى التنظيم ووضوح البرنامج، وقيادة تضع هدف الانتفاضة ومسيرتها، تستغلها المؤامرات الخارجية عن طريق تغيير الوجوه من الداخل، واجراء بعض الاصلاحات الطفيفة والتنازلات السياسية الموقتة.
ان الثورة لها وزن سياسي وقيادة حكيمة داخل المجتمع، ولها برامج وطنية مسبقة واضحة المعالم، تطرحها على الساحة السياسية وعلى الجماهير الشعبية لاستقطابها في دعم الثورة للوصول بها الى شاطئ الأمان وتوجيه البلاد نحو الاستقرار بعد انتصارها.
1 قول وزير خارجية ايطاليا الاسبق: ان موجة الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي زادت من حاجة الاتحاد الاوروبي الى تركيا التي وطدت علاقاتها مع بلدان المنطقة حتى يتسنى لهل القيام بدور اكثر فعالية في توازن القوى بحوض البحر المتزسط.
ثم تصريحه الرسمي وهو شبه انذار للغرب بقوله: على الدول الغربية ان لا تتدخل بشؤون ليبيا الداخلية وهذا لا يرضى به الاسلام والمسلمون، في الوقت الذي تسمح تركيا لنفسها بالتدخل في شؤون ليبيا بمشاركة الجالية التركية في الانتفاضة، وقبول رئيس وزراء الحكومة التركية اردوغان جائزة القذافي اثناء زيارته لطرابلس، وهذه هي سياسة اردوغان الديماغوغية والازدواجية تجاه المنطقة.
3 اما على الصفحة الالكترونية العائدة والداعمة لسياسة الاتراك فقد كتب احدهم مقالا تحت عنوان : أمير المؤمنين يؤدي صلاة الجمعة بمسجد تركيا بمدينة مراكش، ان هذا العنوان يدل على مدى تدخل النفوذ السياسي والثقافي للعثمانيين الجدد في البلدان العربية نتيجة للفراغ السياسي لهذه الدول.
4 استضافة اسطنبول في منتصف هذا الشهر قمة قادة التغيير التي تجمع بين كبار الزعماء والشخصيات السياسية والثقافية والدينية البارزة في تركيا والعالم لتصبح مركزا سياسيا جديدا في توجيه دفة السياسة في العالم الاسلامي والعربي، ومن بين الشخصيات التي تحضر القمة كوفي عنان وآل جور نائب الرئيس الامريكي الاسبق الى جانب الرئيس السوري بشار الاسد.
5 دعم منظمة المؤتمر الاسلامي العالمي لسياسة الدولة التركية في العالمين العربي والاسلامي.
- آخر تحديث :
التعليقات