لقد وصلتني كثير من الاسئلة من القراء الكرام حول نشأت الدولة ونظامها، وهناك من يسأل: مادام هناك كثير من الدول قائمة اليس من حق القوميات المضطهدة ان تكون لهم دول؟ في البداية يجب ان نعرف كيف نشأت الدولة وما هي غاياتها؟ وبعد ذلك سوف نعرف اذا كنا بحاجة الى نظام دولة ام لا.وهل الدولة وحدها تستطيع ان تضمن حقوق القوميات؟ام هناك نظم اخرى تستطيع ان تحافظ على الحقوق اكثر من الدولة؟

يؤكد الفيلسوف الانكليزي توماس هوبس أن نشأة الدولة جاءت نتيجة لميثاق و تعاقد إداري حر بين الأفراد تم بمقتضاه تنازلهم عن بعض حقوقهم الطبيعية وحريتهم المطلقة مقابل تحقيق الأمن واستقرارهم وضمان حريتهم من طرف شخص أو مجلس يجسد إرادات الجميع ينظم شؤونهم و يضمن السلم والامن و يحافظ على حقوق الجميع و يشترط فيه أن يكون قويا مستبدا كالتنين حتى لايجرؤ أي أحد على خرق الميثاق المتعاقد عليه و عصيان أوامره خشية منه، وبذلك نشأت الدولة بهدف ضمان الأمن والإستقرار و السلم.
نظام الدولة بين الحق و الباطل وبين السلم والقوة:
كيف تمارس نظام الدولة حكمها؟ هل تمارس القوة و العنف أم تمارس الحق و القانون والعدل والمساواة؟
ما هي الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها نظام الدولة لتمارس لسطتها و تحافظ عليها؟

يؤكد الفيلسوف الايطالي ميكافيلي أن السياسة هي مجال الصراع بين الأفراد و الجماعات مما يؤدي إلى اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة فالحاكم أو الأمير يجب أن يكون على أهبة الإستعداد لتوظيف جميع الأساليب، فعليه أن يكون قويا كالأسد و ماكرا كالثعلب حسب مقتضيات الظروف و مجريات الأحداث، كما يمكنه أن يلجأ إلى القوانين و الأخلاق إذا كان ضمان السلطة يتطلب ذلك، و هكذا تصبح جميع الوسائل مباحة لضمان السلطة و ممارستها فالغاية تبررالوسيلة.يعني ممكن ممارسة العنف والقوة واستخدام اساليب دكتاتورية من خلال سلطاته الثلاثة اولا التنفيذية يعني استخدام الجيش والاستخبارات، وثانيا التشريعية يعني اصدار مراسيم وقوانين لصالح الطبقة السائدة، وثالثا القضائية يعني من خلالها اصدار توجيه احكام واتهامات ضد المواطنين من اجل تطبيقها عليهم وثم اعتقالهم.
هل يمكن اعتبار الدولة نتاج للصراع الطبيعي و هل الدولة تمثل الطبقة السائدة والمسيطرة؟

ينطلق أنجلس من منظور مادي تاريخي ليبين أن الدولة ليست مفروضة من طرف سلطة خارج المجتمع، بل هي نتيجة للصراع الطبقي داخله فهي تعبير عن تضار ب المصالح بين الطبقات الاجتماعية ووجود الدولة ضرورة للتخفيف من حدة هذا الصراع و الحفاظ على النظام إلا أن الدولة تجسد مصالح الطبقة السائدة المهيمنة القوية اقتصاديا و سياسيا، مما يجعلها تلجأ إلى أساليب القمع و الإضطهاد و الإستغلال للحفاظ على ذاتها و استمراريتها،والمثال على ذلك الان نرى كيف يقوم نظام قذافي في ليبيا بمواجهة شعبه يرتكب بحقه أبشع المجازر وهويدافع عن نظام الدولة القومية،ونرى النظام التركي يرتكب في حق شعبه القتل والدمار واضطهاد الشعوب من ممارسة حقوقهم، وهذا يعني ان الطبقة الغنية هي التي تسيطر على المجتمع من خلال اموالها ومصانعها وشركاتها، وبما انا الطبقة الفقيرة التي تعمل في المعامل والشركات والمصانع والاراضي الزراعية التي تملكها الطبقة الغنية، وهذا يعني لا يجوز لاي عامل ان يخطأ ولا يجوز ان يطالب برفع الرواتب والمعاشات حتى لو كان معاشه قليل في هذه الحالة يجب ان يلتزم بالقوانين التي وضعتها سلطة الدولة التي تحافظ على مصالح الطبقة الغنية، ولا ننسى بان الطبقة الغنية تتحكم بالاقتصاد وان هذا الاقتصاد فهو اقتصاد الدولة فيجب على الدولة المحافظة عليها، فهنا يتبين بان الطبقة الفقيرة لا تملك شيئا حتى تحافظ عليها الدولة، واذا طالبت الطبقة العاملة الفقيرة بحقوقها و قاموا بتنظيم مظاهرة سلمية،ففي هذه الحالة كل القوانين التي تملكها الدولة سوف يتم استخدامها لمنع هذه المظاهرة من اجل الحفاظ على مصالح الطبقة الغنية.

إذا كان ميكافيلي قد اعتبر أن السياسة مجال للصراع من أجل السلطة و بالتالي فالحفاظ على هذه السلطة و ممارستها يحتم على الأمير أو الحاكم أن يلجا إلى جميع الأساليب و الوسائل المشروعة أو غير المشروعة فعليه أن يختار الأسلوب المناسب لكل ظرف كالقوة و العنف و الحكم و الخداع و الحق و القانون لأن الغاية تبرر الوسيلة.وان الدولة تستمد قوتها من سلطاتها الثلاثة، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، يعني كل هذه السلطات في خدمة الطبقة السائدة.

أما أنجلس فإنه قد انطلق من تصور تاريخي مادي ليبين كيف أن الدولة هي وليدة الصراع الطبقي و أن وجودها يحتمه الحفاظ على النظام و التخفيف من حدة هذا الصراع إلا أن الدولة تظل مجسدة لمصالح الطبقة السائدة المهيمنة التي تملك وسائل الإنتاج و أن زوالها مشروط بزوال الطبقات الإجتماعية و تحقيق المساواة و العدل و الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.واليوم نجد هناك بعض الدول في العالم تريد ان تتخلص من تلك النظم الدولتية القومية وتتجه الى نظم مؤسسات مدنية ديمقراطية، ونجد بالمقابل هناك نظم دولتية القومية الدكتاتورية تريد ان تتمسك بسلطاتها وتحرق الاخضر واليابس من اجل بقائها وخاصة في منطقة الشرق الاوسط.

هولندا