أختير أول مجلس للنواب في العراق بعد الاستقلال عام 1921 بأسم الجمعية التأسيسية،وصدرت الارادة الملكية في 19 اكتوبر عام 1922 بتشكيل المجلس التأسيسي الذي صاغ الدستورالعراقي الاول وقانون أنتخاب مجلس النواب والمعاهدة العراقية البريطانية والتي بموجبها تحددت خارطة العراق الوطنية وودعت نسخة منها في عصبة الامم التي انتقلت فيما بعد الى هيئة الامم المتحدة التي أنشأت عام 1945.

لقد تشكل المجلس التأسيسي من الشخصيات العراقية البارزة والفاعلة على الساحتين الوطنية والعسكرية،والذين لعبوا دورا بارزاً في أستقلال العراق وتأسيس دولته الفتية. ونذكر منهم على سبيل المثال عبد الرحمن النقيب وعبد المحسن السعدون وبكر صدقي وغيرهم كثير.ومن يرغب بالأطلاع عليه مراجعة (مراسلات تأسيس العراق) للناشط السياسي المرحوم عبد الوهاب النعيمي.

بعدها مباشرة تم اقرار قانون الاحزاب العراقية على النمط الاوربي من ثلاثة احزاب كان أثنان منها يمثلان المعارضة ويطالبان بتشكيل الدولة الملكية الدستورية وهما حزب النهضة والحزب الوطني العراقي،اما الثالث فكان يميل الى عقد معاهدة التحالف مع بريطانيا. واستمرت الاحزاب في نضالها الوطني حتى الغي الانتداب بعد ان ألغيت معاهدة 1932 وتخلص العراق من أثار الحماية الاجنبية.

واستمر الحال بالمطالب الشعبية بعد تاسيس المجلس الوطني العراقي،وان كانت هناك اختلافات في وجهات النظر،لكن كل تلك الاختلافات كانت تصب في مصلحة الوطن والشعب لا أحد فكر في محاصصة طائفية او عرقية أو شراكة وطنية مبنية على هذا التوجه الخاطىء الذي قرره التغيير لتدمير المستقبل الوطني للدولة والشعب،لابل عندما حاول القائد البريطاني المستر كوكس تطبيق نظرية( فرق تسد) وقفت العشائر والقوى الوطنية بوجهه حتى اسقطته،وأحلت الوحدة الوطنية الخالصة دون تفريق،ومنحت الوظائف الكبرى والصغرى للموظفين الاكفاء بغض النظر عن الانتماء الطائفي او الأثني.

.لقد نظمت علاقات العراق بالدول المجاورة بعد ان استُكمل الاستقلال الوطني العراقي تنظيما متوازناً بعد تشيكل السلك الدبلوماسي العراقي الراقي علما ومعرفة بالعلاقات الدولية ورسمت خارطة العراق الوطنية تحت الشعار الملكي العراقي،هذه الخارطة التي تبدلت اليوم بفعل الحركات الانقلابية المتعددة وكان أخرها بعد 2003 بعد ان أوكل امر المفاوضات الى وزارة الخارجية العراقية التي لم تراعِ الأصول في الثوابت الوطنية مقابل الذي لا يعرف؟ ان خارطة العراق الاولى هي التي.صادق عليها مجلس النواب آنذاك بالاجماع وبمساحة قدرها 444 آلف كم مربع.وتحددت حدود العراق مع ايران والسعودية والاردن وسوريا وتركيا،اما الكويت فكانت لا زالت امارة آنذاك لم تنل أستقلالها بعد.
وبعد الحركة الانقلابية عام 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وبقية العسكريين الاخرين تبلت الحالة السياسية بعد ان ألغيت الملكية وحلت محلها النظام الجمهوري،فسادت الروح العسكرية الفردية حتى انتهت بانقلاب شباط 1963 الاسود ومجيء (حزب البعث للسلطة) مرتين وكانت نهايته في 2003 على يد التغيير الجديد وبمساعدة المعارضة العراقية في الخارج واكراد العراق الذين نالهم التغيير بحصة الاسد على حساب الوطن والشعب دون المبالاة بالوحدة الوطنية.

ان انتخابات مجلس النواب الحالي جاء على منوال المجالس السابقة في 2005،2006 وان كان على الشخص لا على القائمة،لكن الاحزاب الدينية والمدنية قد استغلت الثغرات القاتلة في قانون المجلس الذي رسمه الدستور العراقي الجديد ودست اليه ما ترغب وتريد عن طريق المقاعد التعويضية الباطلة على حساب الاكثرية،لذا جاءت التركيبة الحالية أقل خبرة من الجالس السابقة من حيث العدد والعدة والكفاءة.(تمانون بالمائة من النواب الجدد لا خبرة لهم في مستوى الدولة والقوانين الحديثة).لذا ترى الاغلبية اليوم من المتوارين ولم يحضروا جلسات المجلس وكل ما يتقاضونه من رواتب وامتيازات وحراسات ومنح باطلة تدخل ضمن بند السرقات التي يعاقب عليها القانون غدا.والسيد رئيس المجلس وما يصرح به ما هي الا محاولات يائسة لا مردود لها وألا لو كان حازماً لأتخذ اجراءات صارمة بحق المقصرين ممن لم يحضر جلسات المجلس.

نحن نقول لمن بيده المجلس اليوم: لا يمكن ان تحل مشاكل العراق المستعصية الحالية الا بحل هذا المجلس واجراء انتخابات جديدة وفق القاعدة القانونية بعد تعديل قانون الانتخاب والغاء الحصص التعويضية من المجلس وامور اخرى كثيرة. وان ما شاهدناه من نقاشات مفتوحة في مجلس النواب في جلسته الاربعين وما صرح به رئيس اللجنة القانونية بهاء الاعرجي بان مائة سنة لا تكفي لاصلاح الحال اذا بقينا وفق مفهوم الشراكة الوطنية الباهت،يعطينا الدليل بأن ما يقال للشعب من وعود ماهي الا مجرد تمنيات لا غير.
ان المجلس الحالي لا يصلح لأقرار تعديلات قانونية او دستورية.ومن يتابع جلسات المجلس بمتابعة جدية يلاحظ ان غالبية الاعضاء فيه لا يملكون الاهلية والكفاءة في دراسة واقع الحال القانوني والسياسي في الوطن العراقي- الواقع المعقد والصعب الآن- لقلة خبرتهم فيها.اما الذين يملكون تلك الخبرة فهم أسرى التوافقات والامتيازات يقدمون خبرتهم حسب واقع الحال وهذا ما حصل في بعض نواب العراقية.ولم نرَ الا النزر القليل الذين لا زالت عيونهم على الوطن كما في سماحة السيد جعفر الصدر الذي ينطبق عليه القول(ان الفعل هو دليل الأصل) لمنبعه الصافي من ذاك الاسد الذي مات ولم يتنازل عن الحق والمبدأ.

ان حل مجلس النواب واجراء انتخابات نيابية مبكرة تحت اشراف حكومة انتقالية جديدة أمر في غاية الاهمية وينفع الجميع دون أستثناء.،وبغير ذلك فأن تشكيل اللجان وفترة المائة يوم للاصلاح تبقى محاولات يائسة للألتفاف على مطالب الشعب الاساسية فلا الحكومة قادرة على التفيذ ولا المجلس قادر على التشريع، وفاقد الشيء لا يعطية بعد ان اضاعت الوزارات المتعاقبة والمجلس الارض والمال والعِرض ونقلت الشعب الى القرون الحجرية من التخلف والبؤس والضياع،وأصبحنا في قائمة الدول الاكثر تخلفاً وفساداً في العالم.
ان محاولات التجييش التي تمارسها الحكومة واجهزتها باسم الولاء المحافظة على الامن الداخلي هي في حقيقتها وضع العصي في دواليب الاصلاح والتقدم وتمنعها من تقديم المفسدين والفاسدين لمحكمة القانون،لكن النتيجة معروفة سلفا.ًونحن لا نرغب ان يكون مصيرهم مصير من سبقهم، فالاعتراف بحق الناس والوطن والخروج من الازمة الحالية المستعصية بشرف افضل من السلطة والمال والتعنت الاخر.والحكومة اليوم عاجزة عن رد الخطأ،وها هم بيشمركة الاكراد يحتلون كركوك ويهددون بالأستيلاء على ما سمي بالمناطق المتنازع عليها ويستأثرون بالقسم الاعظم من ميزانية الدولة،والجنوب يعيش في بؤرة التخلف والعوز العام،ونواب المجلس نائمون؟ من منهم يستطيع ان يحرك ساكنا لااحد ابداً.

ان التوافق الوطني على قانون انتخاب ديمقراطي خاليا من النصوص الغامضة يمكن افراز ممثلين حقيقيين للشعب العراقي بكليته، ويؤسس لمجلس نيابي مؤتمن على دوره الدستوري، ويعزز الحياة الحزبية السليمة بعيدا عن الاتجاهات الدينية والطائفية والعنصرية المتزمتة التي أفرزت كل هذه الاشكاليات الوطنية اليوم،ويكون لبداية تشكيل حكومة وطنية هي البداية لعملية الاصلاح ولملمة الاشكاليات التي يمر بها الوطن العزيز والتي اصبحت خنجرا مسموما يضرب في خاصرته كل يوم ومستعصية الحل الا بالتغيير الكلي الشامل.،وبدون هذا التوجه سيبقى الوطن والشعب في اتون الخلافات والاختلافات التي لا تحمد عقباها ابدا. وستكون النهاية كارثة على الجميع كما حلت بمصر وتونس وليبيا واليمن اليوم،اما الادعاء باننا حكومة منتخبة فهو صحيح لكن عليها ان تؤدي حقوق ناخبيها بكل امانة وجدية وصدق. ان المعايير الوطنية والاخلاقية يجب ان تسود ممثلة بالعدل والحق والاستقامة وبدونها سيحترق الكل.

ان التعديلات على قانون الانتخاب ومجلس النواب اصبحت تحظى بالمطالب الشعبية التي افرزها الشارع العراقي اليوم من خلال صوت الشعب في المظاهرات الاحتجاجية اليومية رغم قساوة السلطة عليها ومخالفتها للدستور.ان تجاهل المطالب الشعبية لهو السقوط بعينه،فالشعب الذي جاء بكم لتحقيق الاماني لقادر اليوم ان يجبركم على تغيير الحالة لصالحه،ويؤسفنا ان تكون النهاية للعراق كالذين سبقوكم،فالمال لاينفع امام القانون، والندم لا ينفع على فراش الموت،والتاريخ سجلُ للحاضر وا لماضي والمستقبل ولن ينتفع منه الا الذين يعقلون.

نحن نحث السيد المالكي والنجيفي و الطالباني أن يلتفتوا للناحية الوطنية والشعبية وليتذكروا ان الشعب أبقى من حاكمه فهل يتفكرون.
والله يهدي الى كل رشاد.

د.عبد الجبار العبيدي

باحث أكاديمي
الولايات المتحدة الامريكية
[email protected]