بصراحة فوجئت بإحتفاليّة ذكرى ميلاد جريدة إيلاف العزيزة، وأنا في غمرة التزامات اجتماعيّة لامناص منها وهي تحول دون الإختلاء ومتابعة الألعاب النارية البهيجة المتجسّدة في المقالات واللقاءات والتعليقات والردود الخاصة بهذه المناسبة السعيدة، ورغم ذلك، بل ورغم طبعي اللامناسباتي لم أتمالك نفسي؛ فعجّلت بكتابة هذه الكلمة المتواضعة يحدوني المثل الإنكَليزي quot;قول الحقيقة هو عمل ثوريquot; * الذي حرّضني على هذا التساؤل: - ولكن من ذا في مقدوره قول الحقيقة؟ وإذا بالبحث عن الإجابة يعيدني إلى الفيلسوف سقراط وبالذات إلى مقولته الشهيرة quot;إعرفْ نفسك؛ تعرف الحقيقةquot; ثمّ إلى مقولة المسيح (ع) إستكمالاً لها quot; إعرف الحقيقة؛ تحرّركquot; وتعني حصيلة هاتين المقولتين إن منْ لايعرف نفسه؛ لايعرف الحقيقة، ومن يعرف نفسه؛ يعرف الحقيقة، ثمّ يتحرّر فكريّاً ونفسيّاً؛ فيثور على الواقع الفاسد، ويكون في مقدوره أن يساهم في تحرير وعي الآخرين، وبعدما يتحرّر وعي الآخرين؛ سيكون في مستطاعهم تحرير أنفسهم ومستقبل بني جلدتهم، والمقصود بمن يعرفون أنفسهم ويعرفون الحقيقة ويساهمون في تحرير وعي الآخرين هم الطلائع الشجعان في مضامير الأدب والفكر والفن والإعلام، فهم المؤثرون فعلاً في مسار التاريخ حتى لو كانوا قلائل. أجلْ؛ quot; إنّ صوتاً واحداً شجاعاً أكثريّةquot; كما قال الإمام علي (ع) و من هكذا طلائع، كما تبيّن لي - المغامرون الأشاوس طاقم (إيلاف) التي تعد أول صحيفة إلكترونية رائدة في العالم العربي ولدت في (21 مايو / أيار 2001) برعاية مؤسسها الأستاذ عثمان العمير.
من الجليّ أن (إيلاف) قد إختارت منذ البداية ولمْ تزلْ مهمّة (تثوير الوعي) بغية إشعال شرارة ثورة السلوك، وطبعاً لابدّ من (التفكير النقدي) الضروري لتثوير الوعي، وهذا ما كرّست (إيلاف) شتى صفحاتها لترويجه؛ وساهمت بذلك مساهمة مشهودة في (ثورة الوعي) في أوساط الإنتلجنسيا العربيّة وحتى الكثير من الشبيبة والناس البسطاء، خلال العقد المنصرم من عمرها، وها هي تدشن العقد الثاني بعزيمة أقوى وإصرار أشدّ عناداً؛ كيف لا، وقد انخرطت في معمعة الثورات الشعبيّة والشبابيّة الجديدة في البلدان العربيّة وعموم المنطقة، والتي راحت تطوّح بعروش الأنظمة الفاشية والدكتاتوريّة الفاسدة والعميلة...؟!
وهكذا لاغرو؛ إذا ما صار موقع إيلاف أحد أبرز المواقع الإنترنتية العربيّة، بل وأشهرها؛ بمواكبته التطور الإعلامي ومتغيّرات المعطيات الواقعية في السياسة والثقافة، و بما وفر من هامش ملحوظ لحريّة التعبير وديموقراطيّة السجال بين شتى الآراء، مدحراً بذلك هيمنة وسطوة واحتكار أغلب أجهزة وقنوات الإعلام الورقي والتلفزيوني المسيّسة طبعاً والزاعمة بخطابها الفوقي الأستعلائي أنها صاحبة الحق وقول الحقيقة. ثمّ قدرة طاقمه على مواكبة الأحداث والسرعة في تغطيتها وتحليلها، وغربلة وإستخلاص الحقائق من أكداس المعلومات الهائلة المستجدّة، والسرعة المذهلة في نشر المساهمات ونشر التعليقات والردود المتعلّقة بها رغم خشونة أغلبها، وهذا ممّا يؤازر موقع إيلاف خصوصاً، والمواقع الإلكترونية عموماً في إحراز قصبة السبق، بينما راح الإعلام الورقي المحتكر ينكص ويتقهقر ويقدّم الأخبار والتقارير (البايتة) المجترّة!
ولئن راح موقع إيلاف - بصفته منبراً ديموقراطيّاً ليبراليّاً يضطلع بدوره الثقاحضاري ndash; يستقطب لفيفاً من أبرز الكتاب والأدباء والمترجمين العرب القديرين؛ فإنه لمْ يقصّرْ في فتح أبوابه ونوافذه (مشكوراً) أمام خيرة الكتاب والأدباء والمترجمين الكُرد (الناشطين باللغة العربيّة) من كردستان العراق وسوريا والمهاجر، بحيث لايخلو الموقع يوميّاً من بضع مساهمات سياسيّة وأدبيّة، ناهيكم عن التعليقات و الردود السجاليّة لقرّاء وقارئات من كرد العراق وسوريا والمهاجر؛ وهذا الموقف المبدئي يميّز إيلاف ويندر مثيله في الإعلام الإلكتروني؛ وهو الأمر الذي يغيظ جدّاً الشوفينيين الفاشيين من العرب والتركمان والآشوريين المصابين بـ (كُردفوبيا)؛ فتراهم يتهسترون و يرغون ويزبدون ويتهدّدون لاطمين رؤوسهم وخدودهم وصدورهم؛ بل لايتوانون عن إنزال أبشع النعوت واللعنات على الشعب الكردي متعدّين شروط النشر، التي هي من صالح الكرد وقضيّتهم القوميّة العادلة وطموحاتهم المشروعة، بل ولاعجب إنْ لم يجد القرّاء أيّة نزعة شوفينيّة معادية للشعوب الأخرى في مساهمات وردود الكتاب والمعلّقين الكرد بشتى مشاربهم الفكريّة والسياسيّة، في حين يجد القرّاء سجالات محتدمة بين الكتاب والمعلقين الكرد أنفسهم! وطبعاً هنالك مندسّون كثيرون متقنّـعون ومتلثمون من العناصر المخابراتيّة وفلول العفالقة يؤججون أوار التخرّصات والنزاعات والصراعات.
وإذا كان لي إنتقاد ما لإيلاف - وهو في حقيقة الأمر نقد بناء - فهو تعاملها غيرالموضوعي مع احتجاجات البحرين (علماً بأني سني شافعي) حيث تضاعف الظلم الواقع على المظلومين وعلى الصّعد كافة، ولمْ يظهر من ينتصر لهم؛ بجريرة دخول الحكومة الإيرانيّة الشيعيّة على الخط !
وأخيراً وليس آخراً..عرفاناً بجميل إيلاف القليل النظير لنا ككرد وعراقيين؛ أجدني حريصاً على تطوّره وازدهاره في مشواره الستراتيجي في قادم الأيّام؛ فأقترح مايلي لعلّه يجدي الموقع:
1-تجاوز الإمتثال الطوعي للمركزيّة الأوربيّة ثقافيّاً بالإنفتاح على الثقافات الشرقية: ايران، افغانستان، باكستان، الهند، تركمنستان، أزبكستان، تاجيكستان، كازاخستان، قرغيزستان، آذربايجان وقفقاسيا وافريقيا...فأغلبها قارات مجهولة حتى عند نخبنا المثقفة!
2-إستئناف نشر الكتب الإلكترونيّة، وإصدار بعضها ورقيّاً، أو القيام بدور وسيط بين الكتاب والمترجمين وبين دور ومؤسسات النشر لإصدارها ورقيّاً.
3-إستحداث قائمة بأسماء الكتاب والمترجمين وسيرهم الخاطفة مع إمكانية العثور على مساهماتهم بنقرة على الإسم، وليس بطريقة بحث معقدة.
4-حجب التعليقات والردود التي تنافي شروط النشر بشكل فاضح.
5-تحديد فترة للتعقيبات والردود على المقالات السياسيّة بما لايزيد على ثلاثة أيّام، والقيام بنشرها بالسرعة الممكنة من قبل خفراء متابعين.
6-تحليل ودراسة التعليقات والردود والسجالات السياسيّة من قبل المختصّين (محللين سياسيين وعلماء سيكولوجيا وسوسيولوجيا...) لتشخيص النزعات السياسية والفكرية والنفسية والإجتماعية السائدة في عموم البلدان العربية والمنطقة.
7-تحديد فترة للتعقيبات والردود على المساهمات الثقافية ومنا الأدبية بما لايقل عن أسبوع.
8-الإستفادة من آراء ومقترحات رّواد الموقع.
bull;إستشهد به الكاتب عصام عبدالله.