جلال زنكَابادي: تبيّن لي حسب اطلاعي المتواضع أن الترجمات الرائدة وأغلب الترجمات اللاحقة لرباعيّات الخيّام إلى اللغة الإسبانيّة (في إسبانيا وبلدان أمريكا اللاتينيّة) كانت عن لغة وسيطة هي الإنكَليزيّة (لاسيّما ترجمة فيتزجيرالد ) أو الفرنسيّة أو كلتاهما معاً، و هناك ترجمة واحدة عن اللغة العربيّة (أظنّها عن ترجمة عبدالحق فاضل) وقد حظي بعض هذه الترجمات (التي يناهز عددها الأربعين ترجمة) بأكثر من طبعة، وأغلبها حسب الأقدميّة للمترجمين، وربّما سبقتها ترجمات جزئيّة (شأنها شأن ما في اللغات الأخرى) لكنما لمْ أظفر بأيّة معلومات عنها :
- فرانسيسكو أ. برباتو، 1930 باريس،(ترجمة ونقد)
- ألفونسو ساينث باردو، 1932 (عن فيتزجرالد)
- ارتورو تورّيس ريوسيكو، 1934
- إنريكيه أوريبيه وايت، 1936 بوغوتا
- ريكاردو فيكتوريكا، 1937 بوينوس آيريس
- إدواردو آي، 1938 مكسيكو
- ألفونسو تيخا ثابريه، 1941 مكسيكو (عن فيتزجرالد و نيكولاس)
- إميليو فيلالبا ويلش، 1941 بوينوس آيريس، 1985
- خواكين ف. كَونثاليث، 1942 بوينوس آيريس، 1951، 1972 مكسيكو (عن فيتزجرالد)
- كارلوس موثيو ساينث بينا، 1943 بوينوس آيريس
- أوكَستين هارو إي تاناريز، 1947 مكسيكو
- روبرت برونو، 1948
- خوسيه كَيبيرت و دييكَو نافارو، 1951 برشلونه (ترجمة عن العربيّة) 1953،1961،1968، 1969،1975 و 1980
- فيليكس إي. إيتجيكَوين، 1956 بوينوس آيريس
- هوراثيو ريد، 1958 تروخييو (عن الفرنسية)
- ثيودورو إينو وانكه، 1959 البرازيل
- كريستوفام دي كاماركَو، 1961 بوينوس آيريس
- رومان كاسو ريبيرو، 1962 مكسيكو (عن الفارسيّة، مخطوطة كمبرج)
- إنريكيه لوبيث أمايا، 1963 برشلونه
- مانويل بانديرا، 1965 ريو دي جانيرو
- كايتانو كول إي توستي، 1970 سان خوان دي بويرتو ريكو ( ضمن أعماله الشعريّة)
- خيسوس إياثانو، 1972 برشلونه
- كارلوس اريان، 1981 مدريد، أعيدت طباعتها في : 1991، 1996 و 2003
- بيدرو كويتو راميريث، 1984 برشلونه، 1999،1994
- رامون فيفيس باستور، 1985 برشلونه، 2001
- رامون هيرفاس، 1989 برشلونه، 1990، 2000
- زارا بهنام و خيسوس مونريز، 1993 مدريد، عن الفارسيّة (تقديم : صادق هدايت)
- كارمين إيانيو، 1995 مدريد
- أنتونيو ر. تورو سانتوس، 1996
- إستيفيه سيرّا، 1997 (عن ترجمة فرانز توسين الفرنسية) 2005
- كارلوس بوخول، 1998 برشلونه (مع رباعيات لبابا طاهر عريان)
- اليخاندرو أ. كاروكَاتي، 1999 بوينوس آيريس
- نازنين أميريان، 2002 برشلونه
- كلارا خانيس و احمد طاهري، 2006 مدريد

و بالضرورة إقترنت بهذه الترجمات مقالات أو دراسات عن الخيّام و رباعيّاته. و هنا تجدر الإشارة إلى كتاب (عمر الخيّام شاعراً وعالم رياضيّات) تأليف : ريكاردو مورينو كاستيلو، والذي صدر في مدريد عام 2002 في (92 صفحة)
للأسف الشديد لمْ أطّلع إلاّ على ترجمة خواكين. ف. كَونثاليث (المنشورة على صفحات النت) وعلى بضعة تقارير ومقالات تخص الترجمة التي نشرتها دار آليانثا بمدريد عام 2006 (216 صفحة) والتي تشتمل على (178رباعيّة) مع متونها الفارسيّة. وهي ترجمة مشتركة للشاعرة والكاتبة والمترجمة الإسبانية المعروفة كلارا خانيس(تولّد 1940) و الصحافي والمترجم الإيراني احمد طاهري، واللذين ترجما معاً منذ 15عاماً لحد الآن ستة كتب : رباعيّات جلال الدين مولوي، مختارات مستقلة للشعراء: نيما يوشيج و احمد شاملو وسهراب سبهري، رباعيّات أبي سعيد أبي الخير،(101غزليّة) لحافظ الشيرازي، ورسائل ومناجيات الخواجه عبدالله الأنصاري. وقبل هذه الترجمات لم يكن القراء الإسبان يعرفون سوى الخيّام من بين كبار شعراء إيران.
وتعزي الشاعرة خانيس اهتمامها الجدّي بالشعر الإيراني إلى استماعها لكنسرت المغنّي والموسيقار الكردي الإيراني الشهير شهرام ناظري في أوائل 1990:
- quot; لقد أثارت الموسيقى الأصيلة الإيرانية وجدي، فتبلورت لديّ قناعة أن الشعر المعاصر الإيراني؛ لابدّ أن يكون بجمال هذه الموسيقى، ومن ثمّ تعرّفت إلى أشعار سهراب، وتتوّج الأمر بترجمة (نحن لاشيء، نحن رؤية )quot;
ويعتقد طاهري بضرورة اشتراك شاعر من اللغة المستقبلة، في الترجمة، ولقد تحقق هذا باشتراك الشاعرة كلارا خانيس، التي تجيد سبع لغات. وقد حازت هذه المجموعة على الجائزة الوطنيّة للترجمة عام 1997 ويُذكر أن ترجمتين لرواية (البومة العمياء) لصادق هدايت لآروخيليو ليموزين و زهرا فتحي صدرتا في مطلع تسعينات القرن الماضي. وقد دشّنت هذه الأعمال السالفة الذكر مرحلة جديدة من النشاط الترجمي عن اللغة الفارسية مباشرة، بعكس الترجمات السابقة عن اللغات الوسيطة. وهنا تجدر الإشارة إلى أهمّ عمل أدبي إيراني مترجم منذ أوائل العقد الخمسيني حتى 1991 ألا وهو كتاب (الشعراء الفرس) الذي ترجمه رافائيل كانسينو آسينس، المجيد لبضع لغات، ولكن ليس معلوماً هل ترجمه عن الفارسية أو عن لغة وسيطة. كما قامت الشاعرة كلارا خانيس بالإشتراك مع سعيد غربي بترجمة (أسرارنامه) للعطّار النيسابوري و مجموعة (ولادة أخرى) للشاعرة فروغ فرّخزاد.
لقد كان الخيّام ndash; كما ذكرنا- أشهر شاعر إيراني في إسبانيا( قبل ترجمات أشعار سواه) ولرباعيّاته عشرات الترجمات أغلبها عن لغات وسيطة كما ذكرنا، ومنها ترجمة كتاب (ثورة الخيّام) لعبدالحق فاضل، والحاوي على (381 رباعيّة) مع دراسة مستفيضة.
وفي حفل توقيع كتاب رباعيات الخيام المترجمة، والذي تضمن قراءات شعرية باللغتين الإسبانية والفارسية ومعزوفات موسيقيّة، تحدّثت الشاعرة خانيس ونعتت الخيّام بالإنسان الإستثنائي في عصره، وأشارت إلى ثقافته الموسوعيّة، وكيف عاش في حقبة يسودها التعصّب الديني والمذهبي؛ فظلت أشعاره مخفية حتى بعد وفاته بعشرات السنين، وكيف انه بيّن بصراحة ماحسبه ضرورياً في قالب محكم، وهو قالب الرباعية، الشبيه بشكل الهايكو وبعض القصائد الغربية القصيرة، ولكن وزن وإيقاع رباعيّات الخيّام أشدّ جذباً ومضامينها أغنى.
كما تحدث احمد طاهري عن تأثير أفكار الخيام المبثوثة في رباعياته في رؤية الكثيرين الشعراء والفلاسفة اللاحقين بصورة عميقة، ويمكن تشخيصه أيضاً في أعمال العديد من الشعراء المعاصرين. ولقد وصف طاهري الشعر بعمود الخيمة الحامية للثقافة القديمة في إيران، والخيام خير سلف لتلك الثقافة.
وتعد كلارا خانيس الشاعرة والقاصة والروائية والباحثة والمترجمة من أبرز وجوه المشهد الثقافي الإسباني المعاصر، وهي ناشطة شهيرة في حوار الثقافات والحضارات، وقد كوفئت بمنحها الجائزة الوطنية للترجمة سنة 1997 وهي عاشقة مجنونة بثقافات الشرق القديم والحديث، لاسيّما بشعرائه ومتصوّفته، فلاعجب إن تأثر شعرها بأشعار الشرق قاطبةً.
و إليكم ترجمة كلارا خانيس و احمد طاهري لإحدى رباعيّات الخيّام الأصيلة الشهيرة، والتي شغلت العديد من الشعراء قديماً و حديثاً في الردّ عليها:

Cuando el sentilde;or ordenoacute; el disentilde;o del universo,quot;
iquest;por queacute; a tara y defecto lo sujetoacute;?
Si salioacute; bien, iquest;por queacute; falla?
Si el perfil salioacute; mal iquest;de quieacute;n es el error?

- دارنده جو تركيب جنين خوب آراســــت
باز از جه سبب فكَندش اندر كم و كاست
كَر خوب نيامذ اين بنا، عيب كى راســت
ور خوب آمذ خرابى از بهرِ جراســـــت
- لئـــنْ جمّــلَ الباري تركيـب طبـــاع[الأنسِِ]
فلماذا بلاها [سلفاً] بالقصــورِ والنّـــقــــــصِ؟
فعيبُ مَنْ؛ إذا جاءتْ الصّــورُ هذي قبـيـحة؟
وتدميرها منْ أجلِ مـاذا؛ إذا كانــتْ مليـحة؟ quot;
ليست طروحات الخيّام عن الحياة والموت غريبة على الإسبان؛ فثمّة - مثلاً- شاعرهم خورخيه مانريكي (؟1440- 1479م) الذي يقول في إحدى مقطوعات مرثيّته الشهيرة لأبيه الدون رودريكَو مانريكي :
- quot; حـيـواتنا أنـهـارٌ تـجـري
لـتـصـبَّ في بـحـر الـرّدى
فـإليهِ يـمـضي الـوجـهاء
رأساً ويفنونَ فـوراً
حـيث الأنهارُ الكبرى
والوسطى والصّغرى
سواء بسواء
ويستوي الكادحون والأغنياءquot;
أجل؛ ففي هذه المقطوعة و بضع مقطوعات أخرى من (مرثيّته لأبيه) يلتقي خ. مانريكي مع الشاعرين الشرقيين الكبيرين أبي العلاء المعرّي (973-1057) وعمر الخيّام (؟ 1021- ؟1123م) في طرح الحقيقة الأزليّة المتمثلة بزوال وفناء الإنسان أمام جبروت الموت الغاشم المتربّص، الذي يطوّح بالإنسان(ملكاً كان أو شحاذاً) على حين غرّة، دون محاباة أو تمييز، فضلاً عن التأثير المدمّر والفتّاك لمضيّ الزمن؛ ممّا ينبغي على الإنسان ألاّ يغتر بالسّلطة والثروة والجاه والجمال..مادام كلّ ذلك عابراً وزائلاً لامُحال...ويبدو أنّ هذه الثيمة كانت هي السّائدة إبّان العصر الوسيط في كلا الشرق والغرب؛ ويبدو انّها كانت تعكس في الأدب والفن مصائر العروش والإقطاعيّات، التي كانت تقوم وتتجبّر، لكنّها كانت تتداعى وتتهاوى عاجلاً أو آجلاً في مهاوي الدمار والفناء، غير أنّ مانريكي يفترق عن نهلستيّة المعرّي لآخر المطاف، وعن دعوة الخيّام الحميمة لاستمتاع الإنسان بمباهج الحياة المتاحة؛ ذلك انّ مانريكي يدعو إلى ضمان مباهج الحياة الثالثة السرمديّة في الجنّة بالعمل بالمعروف لضمانها في الآخرة، وبذلك يقدّم درساً تربويّاً أخلاقيّاً خلال مرثيّته، ولايخفى هنا تأثره بالشعر التروبادوري البروفانسي، الذي كان يزاوج بين الهدفين التربوي والجمالي.
و هناك من إستقصى تأثر الأديب والفنان الكبير لوركا (1898- 1936) برباعيّات الخيّام، و هو المستعرب الإسباني خوسيه ميكَيل بويرتا، الذي إستنتج إهتمام لوركا في بداية مشواره الأدبي بالخيّام : quot; لاشكّ أنّ قراءة رباعيّات الخيّام تركت تأثيراً هامّاً في تكوين لوركا الشخصي والأدبي (.......) و أهمّ دليل على ذلك هو أنّ لوركا ارتمى بنفسه في روض الشاعر الشرقيّ الكبير، منذ الأبيات الأولى لما تعتبر أوّل قصيدة خطّها لوركا في حياته، و هي (أغنية حلم و إلتباس) المؤرّخة في 29/6/1917 و نقرأ في مطلعها:
كانت ليلة شبقيّة كاملة
ليلة ذهبيّة في الشرق العتيق
ليلة قبلات و نور و دعابات
ليلة ملتفة بقماش العشق
أوجاع و ورود على جسدك
و عيناك هما الموت و البحر
و فمك و شفتاك و ظهرك و عنقك
و أنا كظلّ عمر (خيّام) قديم
حلم أقمشة الجزائر و دمشق
كان يعطر فاتراً قلبينا
و ضفائرك تبث لحناً
على نجوم هواك العظيم quot;
و حسب قول بويرتا نفسه لم يقتصر اهتمام لوركا بالخيّام على هذه القصيدة، فهنالك مقاله (تعليقات حول عمر الخيّام) المنشور في مجلة (Letras ndash; آداب) في 17/10/1917 و كذلك إشارات أخرى مبعثرة في قصائد و محاضرات شتى. و من الواضح أن لوركا الشاعر المبتديء قد أصيب بصدمة قويّة عند قراءته لرباعيّات الخيّام : quot; لأنّ الموقف الوجودي لعمر الخيّام، بكلّ بساطته و عمقه، ينافي تماماً التقاليد المسيحيّة المطالبة بالتخلّي عن اللذات الجسديّة؛ بوصفها أقبح الخطايا، والإستسلام للإعتراف، و انتظار مجيء حياة ثانية بعد الممات...quot; حسب استنتاج بويرتا.
وقد حظيت رباعيّات الخيّام باهتمام الأديب الأرجنتيني العظيم بورخيس (1899- 1986) وقد يعود منشأ شغفه بالخيّام إلى إصدار والده ترجمة إسبانيّة إستناداً إلى ترجمة فيتزجيرالد quot; ملتزماً تشطير الأبيات كما وردت في الأصل quot; حسب إشارة بورخيس، الذي عدّ الترجمة الفيتزجيرالدية quot; واحدة من أفضل الترجمات الإنكَليزيّة و أوسعها شهرةquot; في محاضرته الموسومة (موسيقى الكلمات و الترجمة) الملقاة في (28شباط 1968) بجامعة هارفرد، حيث استشهد برباعيّتين منها في معرض حديثه عن جمال الترجمة برغم ما يتخللها من عبارات غريبة مثل : quot; أنشوطة الضياءquot;، quot;برج السلطانquot; و quot; رمي الحجر في جفنة الليلquot; إذ كان إلقاء حجر في إناء يعني الإشارة إلى انطلاق القافلة :
quot;Awake! For morning in the bowl of night
hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip
;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;hellip;.quot;
- خورشيد كمند صبح بر بام افكند
كيخسرو روز مُهره در جام افكند
مى خور كه مؤذن صبوحى خيزان
آوازه إشربوا در ايّام افكند

- أفيقوا ! فالصباح رمى في جفنة الليل
الحجرَ الذي يطيّر النجوم
آه ! و صيّاد الشرق أمسك
برجَ السلطان بأنشوطة الضياء quot;
و يشير بورخيس إلى أن الشاعرين سوينبورن و روزيتي هما اللذان quot; إكتشفا الكتاب في إحدى المكتبات، و قد أذهلهما جماله. لم يكونا يعرفان أيّ شيء على الإطلاق عن إدوارد فيتزجيرالد الذي كان رجل أدب شبه مغمورquot; ثمّ يضيف : quot; لقد إلتقط روزيتي و سوينبورن جمال الترجمة، و لكننا الآن نتساءل عمّا إذا كانا سيلتقطان هذا الجمال لو أن فيتزجيرالد قدّم الرباعيّات كعمل أصلي (و قد كان أصليّاً بطريقة ما) أكثر من كونه ترجمة. أكانا سيقدران بأنه من المسموح لفيتزجيرالد أنْ يقول : (................) في قصيدة له؟quot; و هنا يكرّر بورخيس الشطرتين الأولى والثانية من الرباعيّة و العبارات الغريبة المنوّه عنها... ثمّ يورد بورخيس الرباعيّة الأخرى الحاوية أيضاً على عبارات غريبة غيرمألوفة في اللغة الإنكَليزيّة:

quot;Dreaming when dawn's left hand was in skyquot;

- آمد سحرى ندا ز ميخانه ما
كاى رند خراباتى ديوانه ما
برخيز كه بركنيم بيمانه ز مى
ز ان بيش كه بركنند بيمانه ما
- في الحلم، بينما يد الفجر اليسرى في السّماء
سمعت صوتاً وسط صخب الحانة:
إستيقظوا يا صغاري و املؤوا الكأس
قبل أن يجف في كأسه نسغ الحياة quot;
و بعد تفسيرها والتعليق عليها يقول : quot; و نحن نتقبّل (في الحلم...............)؛ لأننا نفترض أن هناك أصلاً فارسيّاً يكفله quot; و يستدرك قائلاً : quot; لكن ما أعرفه هو أن عمر الخيّام لايؤكّد ما ذهب إليه فيتزجيرالد. و هذا يطرح علينا مسألة مثيرة للإهتمام : ترجمة حرفيّة أبدعت جمالاً خاصّاً بها، و لها وحدهاquot;
و هنا تستوجب الإشارة إلى أن بورخيس قد إستند إلى الطبعة الأولى لترجمة فيتزجيرالد (في 1859) والتي تلتها ثلاث طبعات منقحة، كما أنّ الرباعيتين السالفتين مشكوك في أصلهما الخيّاميّ، فالثانيّة قد ثبتت ملكيّتها للشاعر جمال الدين سلمان ساوجي (1300- 1376م)
على كلّ حال، لم يقتصر بورخيس على هذه المحاضرة؛ فقد خصّ الخيّام و فيتزجيرالد في 1951 بمقاله (لغز إدوارد فيتزجيرالد) وكذلك في قصائده: (رباعيّات)، (مديح الظل)، (الصانع) و (شطرنج) التي يشير في مقطع منها إلى العلاقة بين لونيّ مربعات الشطرنج ونهاراتنا وليالينا على هذه الأرض ساندا هذه الصورة إلى الخيام،، و هذه العلاقة الرمزية المعقودة بين بيادق الشطرنج (البشر) والرقعة (ليل- نهار) - حسب استقصاء الكاتب حسن ناصر - من بنات خيال المترجم الشاعر فيتزجيرالد، والتي تلقفها بورخيس؛ حيث يخلو المتن الفارسي من هذه الإشارة :
quot; Tis all a Chequer-board of Nights and Days
Where Destiny with Men for Pieces plays
Hither and thither moves and mates, and slays,
And one by one back in the Closet lays.
- ما لعبتكانيم وفلك لعبت باز
أز روي حقيقتى نه أز روى مجاز
بازيجه همى كنيم بر نطع وجود
رفتيم بصندوق عدم يك يك باز
- نحن ألعاب والفلك هو اللاعب
هذه حقيقة، لا من قبيل المجاز
كلنا نلعب على نطع الوجود
وعدنا الى صندوق العدم واحداً واحداً quot;
ومن كلّ ماسبق؛ يتضح لنا المطبّ الذي واجه بورخيس؛ لظنّه ترجمة فيتزجيرالد حرفيّة! و هي أبعد ما تكون عن ذلك ! و لاأدري كيف انزلق بورخيس المبدع الكبير إلى منزلق اعتبار المترجم ناسخاً فحسب ! و هو موقف مجحف بحق كلّ مترجم مبدع يتجاوز الثنائيّة المضلّلة (الترجمة الحرفيّة و الترجمة بتصرّف) مفلحاً في التوفيق بين حرفيّة المتن و روحيّته. و هنا يجب التأكيد على أن ترجمة فيتزجيرالد ترجمة بتصرّف إلى أقصى الحدود.
و مادمنا بصدد التشخيص الصائب للترجمة؛ نستأنس بتعريف الكاتب حسن ناصر لها : quot; عمل بين ثقافتين (البيئة الثقافية للأصل والبيئة الثقافية للنص المترجم) فالمعالجة اللغوية لنص تنطوي بالضرورة على معالجات ثقافية ضمنية متواصلة لكل مكونات النص؛ وبهذا يكون عمل المترجم شاملاً، ولا يمكن أن يوصف بأقل من إعادة خلق النص الأصل و ابتكار المعادلات التي تتبنى نقل (رسالة) مكتوبة بلغة وثقافة معينة إلى لغة وثقافة أخرى quot; و دعماً لتعريفه يضيف : quot; يذهب الأكاديمي البارز في دراسات الترجمة لورنس فينوتي إلى مناقشة أصالة التأليفAuthorship)) في دحضه لدونية الترجمة التي تفترضها الرؤية التقليدية لعمل المترجم والقائمة أصلاً على اعتبار الترجمة مجرد ظل لنص أصيل quot;

* مبحث من كتاب (الخيّام ماليء الدنيا وشاغل المترجمين)
وهو قيد الإنجاز، وهناك تثبيت للمصادر المعتمدة (ج. ز)